الموت كافر يا وفائي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"فظاعة الموت شو كافر" قالها لي منذ يومين، وكأنّه كان يعرف، كان يستقبل بأسى الذكرى السنويّة الخامسة لوفاة والدته، ذهب وحيداً إلى الكنيسة، صلّى لروح والدته، أخبرني فوجعنا واحد، "منذ أن توفّيت والدتي فارقني الحظ"، قال لي، سألني "هل لا زلت تذكرين شقيقك؟"، دمعت عيناي "نعم شقيقي لم يغب عن بالي يوماً منذ أن خطفه الموت وهو في الحادية والعشرين من عمره، سألته بدوري "ذكرى شقيقي تؤلمني، بعد أيّام قليلة يصبح عمر مأساتي أربع سنوات، متى سننسى؟"، أجابني بصوت مخنوق "لن ننسى".
لكنّ قدره كان أن يلحق بوالدته التي لطالما آلمه رحيلها، أوصاني بوالدتي "انتبهي لأمّك، حين تفقدين أماً تفقدين الحياة بحلوها ومرّها"، تنعّم بدفء والدتك يا وفائي، أنتّ اليوم تغفو في أحضانها، لطالما حلمت أن تغفو في ذلك الحضن الدّافىء.
أفتقدك ولم يمض على غيابك يومين، مساء الخميس الماضي قبل رحيلك بيومين سألتك عن الرّاحل محمود عطا الله، حدّثتني بألم عن غيابه "مسكين محمود"، لم تكن تعرف أنّ نهاية مشابهة تنتظرك، لا أعرف لماذا تحدّثنا عن الراحل في تلك الليلة بالذّات، وكأنّنا كنّا نشعر أنّ النهاية باتت قريبة، لم تكن تترك الماسنجر طوال اليوم، كنت أنيسنا في فترات النّشر المزعجة، لم تكن تنام أكثر من ساعات قليلة، قلت لي مساء الخميس "العمل في إيلاف مرهق، لكنّ أرقام القرّاء التي ارتفعت بشكل صاروخي تعطيني دفعاً لأعمل أكثر"، كنت تشكو من ألم شديد بالرأس في أيّامك الأخيرة، لكنّك كنت سعيداً "إيلاف تكبر وتكبر وهي بحاجة إلى المزيد من الكفاءات"، قلت لنا في ذلك الاجتماع الصّباحي، لم يكن وجع رأسك يؤرقك، كانت "إيلاف" شغلك الشّاغل.
رحلت وبقي اسمك مضاءً في الماسنجر، حتى في رحيلك كنت تأبى الرّحيل، اليوم كل أسماء الزملاء مضاءة، اسمك اختفى تاركاً وراءه فراغاً كبيراً، فراغاً ثقيلاً لا معنى له سوى ما قلته لي ذات يوم "فظيع الموت شو كافر".
نعم، إنّه الموت الكافر، حين يتلذّذ القدر بجلد ضحيّته، يقف مكشراً عن أنيابه ويضحك، يتركنا لأوجاعنا وآلامنا وأحزاننا بانتظار موت جديد، لماذا أنت يا وفائي؟
عندما اندلعت الحرب، كنت تتّصل بي يومياً للاطمئنان عنيّ، سألتك ممازحة "هل ستكتب عنّي إذا مت"، قلت لي "لم أكتب منذ فترة طويلة، لكنّي بالطّبع سأرثيك"، لكنّك ما لبثت أن أنبتني "لا تقولي ذلك، لن تموتي"، أنظر يا وفائي، أنا اليوم أكتب عنك، أنا أرثيك بل أرثي نفسي التي فقدت جزءً منها برحيلك، لماذا أنت يا وفائي؟
إيمان إبراهيم