أصداء

وزراء و خريجو سجون

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

وسط انكشاف جرائم التعذيب في بعض السجون العربية واتساع الخطى نحو ملاحقة مرتكبيها من قبل لجان حقوق الإنسان و الولايات المتحدة الأمريكية، فرضت القضية نفسها بقوة على الساحة الإعلامية خلال الآونة الأخيرة، لتصبح محط اهتمام العديد من الصحف والأعلام الالكتروني.

و أصبحت ورقة حقوق الإنسان لدى دول العالم الثالث طابع بريد الرسائل الدولية،و هي مسمار جحا الولايات المتحدة الأمريكية لإدخال مساعدات " سام بابا و الأربعين حرامي " لمن يدعي تطبيقها، و هي نفسها ذريعة قراقوش الأمريكي لتغيير الأنظمة التي لا تتبعه و تنفذ تعليماته.

و عودة إلى التاريخ القريب في العالم العربي قام الرئيس المصري الراحل السادات و الذي ظهر على شاشات التلفزيون المصري منذ أكثر منذ ثلاثين عاما و هو يهدم بالمعول سجن "أبو زعبل " في القاهرة وسط حشد إعلامي جماهيري معلنا إغلاق المعتقلات إلى الأبد. ثم بعد فترة أخرى و في نفس الأسبوع هدم معتقل " القلعة " منهيا حالة من الظلم و منطلقا إلى الحريات الواسعة.

بالأمس أمر الملك عبد الله الثانـي بإغلاق سجن الجفر الصحراوي فورا وتحويله إلى مدرسة ومركز للتدريب المهني لأبناء المنطقة، الأمر الذي تم تنفيذه الاثنين، و هو يوم تاريخي في الحياة السياسية الأردنية و يذكر بما قاله الملك في بداية توليه الحكم لمحطة سي إن إن الأمريكية " أنا لست أبي"تلك الحريات نفسها التي أظهرت " السادات " منتصرا للحريات، جعلته في خلال شهور بسيطة يعود بعدها إلى اعتقال أكثر من إلفين شخصية سياسية و صحفية و اقتصادية و حزبية معارضة لاتفاق السلام مع إسرائيل و التي كان من ضمنهم الأستاذ محمد حسنين هيكل و فؤاد باشا سراج الدين رئيس حزب الوفد و مصطفى أمين و أبو الفضل الجيزاوي و غيرهم من كبار المفكرين و السياسيين المصريين.و ربما كان من نتاج الاعتقال تجربة ما كتبه الصحفي و الكاتب الكبير مصطفى أمين كتابه "سنة أولى سجن " و كتب الأستاذ هيكل كتابه " خريف الغضب "، و كلاهما نتجا عن تلك المرحلة القاسية من الحياة السياسية.

و بالتالي ينظر بعض من الساسة أن إغلاق المعتقلات في مصر كانت خطوة إعلامية على الشاشات لا خطوة إجرائية على أرضية الواقع السياسي.

كان إغلاق السجون رسالة خارجية دولية من السادات موجهة إلى الغرب ليدل على التحضر و الحريات، و كانت الاعتقالات الداخلية رسالة محلية لكل من يعادي اتفاقية السلام مع إسرائيل.

و سجن "الجفر " الصحراوي في الأردن لا يقل خطورة عن "أبو زعبل" بل هو أسوء حسب ما تحدث عنه وزير داخلية اسبق في الثمانينات، كان أن تخرج منه بعد أن أمضى فيه عشر سنوات من حياته خلف القضبان، لانتمائة إلى حزب البعث الساعي آنذاك إلى إسقاط "الهاشميين ".

و عندما تخرج من سجن الجفر، ألقى محاضرات عديدة و شارك في العمل السياسي و سمح له بمخاطبة الطلاب في الجامعة الأردنية مهاجما النظام الأردني و داعيا إلى التحرك " تحت الأرض".

مدعيا آنذاك في ندوة عن مستقبل الأردن في الجامعة الأردنية بمبنى كلية الزراعة، برعاية وزيرة الأعلام السيدة ليلى شرف أن الوطنية تتجلى في السجن و الحبس خلف القضبان.

و بعدها أصبح نائبا في احد دورات المجلس النيابي ثم وزيرا للداخلية، ثم تائبا على يد احد المحطات التلفزيونية العربية و انقلب على حزبه و بعثه. ورغم أن وزير الداخلية هذا أمضى عشر سنوات من حياته في هذا السجن إلا انه لم يجرؤ على إغلاقه بعد أن تولى منصب وزير الداخلية، و لم يطلق أي صيحة ضد هذا السجن!!!.

بالأمس أمر الملك عبد الله الثانـي بإغلاق سجن الجفر الصحراوي فورا وتحويله إلى مدرسة ومركز للتدريب المهني لأبناء المنطقة، الأمر الذي تم تنفيذه الاثنين، و هو يوم تاريخي في الحياة السياسية الأردنية و يذكر بما قاله الملك في بداية توليه الحكم لمحطة سي إن إن الأمريكية " أنا لست أبي ".

أما وزير الإعلام الأسبق فقد أمضى هو الأخر سنوات من عمره في سجن "الجفر " الصحراوي " بلغت ست سنوات و نيف ثم خرج وزيرا في حكومة أخرى اتهمت المتظاهرين في مدينة معان الجنوبية ضد ارتفاع الأسعار و الغلاء بأنها "انتفاضة سائقي سيارات أجرة ".

و هو ما يذكر السياسيين بما قاله السادات عن متظاهرة 18 و 19 يناير ضد ارتفاع الأسعار و الغلاء بأنها" انتفاضة حرامية ".

في الحالتين فأن المتظاهرين المصريين و الأردنيين كانوا يطلقون صيحاتهم تعبيرا عن الغضب من ارتفاع الأسعار في الوقت الذي كان المسئولون الأردنيون يتذوقون ترياق الحياة الوزارية بعد فترات علاج أمضوها في سجن الجفر يستعدون لتولى مراكز وزارية، على حد ادعاء البعض، و كان الوزراء المصريون يبررون الاعتقالات و يضربون المتظاهرين بيد من حديد وصلت إلى حد حظر التجول..

و على حد زعم أمين عام حزب و الذي أمضى فترة من حياته في السجن الصحراوي في الجفر، ثم خرج طليقا حرا بعد سنوات ليقول أن السجن كان يزوره ضباط ألمان للمساعدة في نزع الاعترافات في الخمسينيات، و أن هنالك الكثير ممن أودعوا السجن دون أي تحقيق.

فيما يرى بعض المحليين السياسيين الآخرين أن الطريق من السجن الصحراوي في منطقة الجفر إلي الوزارة المكيفة في الدوار الرابع بمدينة عمان يبدو انه كان المستشفى الذي يعالج به المعارضون للنظام، وعلي مدي أكثر من أربعين عاما.

كان السجن الصحراوي يُخرج كل بضعة سنوات تقريباً وزراء و مسئولون مروا علي مبني المخابرات في مدينة عمان، فضلاً عن أنه الطريق الأقصر لمن أراد الذهاب إلي مواقع وزارية في الأردن..و قد تخرج منه بامتياز وزراء ذكرت منهم وزير داخلية ووزير إعلام في حكومات سابقة و لكن هنالك آخرون لا مجال للحديث عنهم هنا فلا يزال هنالك شوط آخر في الديمقراطية على الأردن أن يقطعه قبل الحديث في الممنوع.

و تجدر الإشارة إلى أن نفس الجلسة التي أعلن فيها ملك الأردن إغلاق سجن " الجفر " أكد أن تضمينه للقوانين المرتبطة بالإعلام في خطاب العرش جاء من منطلق رعايته ودعمه لتطوير العمل الإعلامي ولحرية الإعلام. انتهى الاقتباس.

ملك يغلق سجونا و يفتح عقولا في حراك سياسي غير مسبوق، على الإعلام الأردني أن يتماشى معه بعكس ما هو الحال: سجونا تفتح و لا يزال الإعلام المحلي يغلق " بالضبة و المفتاح الالكتروني "!!، فهذه خطوة تختلف عن سجن أبو زعبل المصري و تجربة هدم سجن المخابرات في منطقة العبد لي و تحويلها إلى منطقة استثمارية جاذبة ليست عن الاردنيين ببعيد.

و اقصد هنا أن هذه الحرية هي ما يجب أن تلامس أحلام المواطنين في وطن أمن مستقر ذو مستقبل مشرق مبنى على العلم و المعرفة و ألأخلاق و حرية الإبداع الصحفي و المهني، لا على "وطنية نزلاء السجون و التحرك تحت الأرض " مثلما أورد وزير الداخلية منذ عشرين عاما في محاضرته.

يعتقد البعض انه إذا أراد الإعلام الأردني أن يتعامل بمنتهى الصدق و الشفافية في توضيح الحقائق... فقط عليه أن يقوم بتصوير زنازين الجفر وان يلتقي ببعض ممن امضوا حياتهم هنالك و منهم وزير الداخلية ووزير الأعلام ورئيس تحرير صحيفة أردنية أولى وغيرهم ممن مكثوا خلق القضبان، و أن يرى العالم بما لم يعلمه عن الصور من الداخل الصحراوي.

و أن يكون إغلاق سجن "الجفر" حقيقة على ارض الواقع لا خطاب إعلامي للغرب، و أن يلغى طابع البريد في عصر المخاطبة الالكترونية.

د.عبد الفتاح طوقان
aftoukan@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف