عندما يجوع الإنسان

أين مجتمعنا من الغابة؟ صفحات الحوادث تفيض بجرائم يُقتل فيها الضعفاء عجزاً وطفولة وشيخوخة. لماذا تحولت حياتنا إلي توجس وتربص؟ لماذا قُتلت الأخلاق وساد العنف؟ الأسباب عديدة، من داخلنا، ليست مؤامرات خارجية ولا أزمات عالمية. لنراجع الأسباب بصراحة، بلا بحث عن شماعات الفشل وأعذار العاجزين:
انعدام فرص العمل مع ازدياد في عدد القادرين عليه الراغبين فيه، انسدت الطرق الشريفة ولم يبق لسد الرمق إلا الدناءة والخسة والتحايل بأية صورة.

غول الأمية لم يجعل لشريحة هائلة من المجتمع فرصة للتعايش معه وفهمه، إنها تعيش عالماً بدائياً همجياً لا يعترف بقانون ولا أخلاق، إنها تشد المجتمع للخلف ولأسفل، إنها في أحيان كثيرة تحكمه.
جشع يزدان به الأغنياء ومحتكرو السلطة والنفوذ، ثرواتهم تزداد وتتضخم، بالحرام، بالسطو علي الفقراء وقليلي الحيلة، الأضواء مسلطة عليهم، يبدون كملوك الزمن وملاكه.

مرتبات متدنية ودخول ضامرة لا تتناسب مع حياة باهظة لا تعترف بفقر أو عجز، الأغلبية الساحقة تحيا علي الهامش، تُخدرها كرة القدم أحياناً، تعيش واقعاً لا يتفق مع ما تُظهره بيانات الحكومات، نَست المستقبل من فرط ما استغرقتها الهموم.

مجتمع تسوده الطبقية بعد عشرات السنوات من إعلان إلغائها، من عَلَت طبقاتُهم بفعل السلطة والمال داسوا القيم والفضائل علي مرأى وسمع سلطات الدولة.

أوضاع سياسية تعارضت فيها مصالح أهل الحكم ومعارضيهم مع مصالح الشعب الكادح، غاب الاهتمام الحقيقي بالتواصل مع الجماهير وجس نبضها، بمحو أميتها في كل النواحي؛ المشاكل لا تتولد مصادفة إنما بتراكم طويل من الأخطاء والإهمال والتناسي.

مجتمع متكاسل متخاذل، لا يؤمن بالعلم إنما بالخزعبلات والخرافات، تُغرقه الشكليات والسفاسف عن ملاحقة عصر جديد في كل جزئياته ومفرداته؛ ضيق الأفق لا يتسع للرأي الآخر، يصور المخادعة علي أنها مهارة والفهلوة علي أنها عِلم.