الأزمة اللبنانية منذ البدء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
رسمت إدارة الرئيس الأميركي نيكسون سياستها في الشرق الأوسط في السبعينيات متمثلة بتصفية منظمة التحرير الفلسطينية بهيئاتها المدنية والعسكرية في كافة البلدان المحيطة بإسرائيل. قام الملك حسين بدور في هذا من المؤكد أن ما يفاقم من خطورة الوضع في لبنان هو ميوعة الموقف الذي يقفه تحالف الرابع عشر من آذار وتراجعاته المتوالية أمام صلافة وسعار المتعاونين مع النظام السوري وأولهم التيار العوني وحزب الله بالإضافة إلى نبيه بري وسليمان فرنجية. الهروب من المواجهة الحازمة من شأنه أن يشجع المتآمرين على حرية وسيادة لبنان على التمادي في مطالبتهم بوضع اليد على مختلف السلطات للدولة اللبنانيةالمخطط الأميركي في أيلول الأسود 1970 الأمر الذي أدى من جهة أخرى إلى توسيع نفوذ منظمة التحرير في لبنان خاصة وأن اتفاقاً كان قد وقع في القاهرة برعاية عبد الناصر بين المنظمة والحكومة اللبنانية عام 1969 يسمح بذلك.
مع بداية العام 1975 طلب وزير خارجية أمريكا، هنري كيسنجر من كميل شمعون، العمل على تصفية منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان مثلما كان الملك الأردني قد فعل. كميل شمعون كان يرأس منظمة يمينية صغيرة باسم حزب الوطنيين الأحرار؛ فاتصل برئيس جزب الكتائب المسيحي اليميني بيار الجميل ليتعاون معه في تنفيذ الأمر. رفض الجميل التعاون لأنه ليس في مصلحة لبنان وقاعدة العيش المشترك. فما كان من شمعون إلا الإتصال ببشير الجميل، الإبن الأصغر لبيار، وهو الفتى المتحمس للوجود المسيحي في لبنان ويلتف حوله فتوة الكتائب المتعصبين. خلافاً لرغبة والده وأخيه الأكبر أمين، إنشق بشير عن الكتائب ليشكل ميليشيا " القوات اللبنانية " كي تقوم بالدور المطلوب من قبل كميل شمعون والولايات المتحدة خاصة وأن شمعون كان قد وعد بشير بتنصيبه رئيساً للجمهورية. شكل بشير الجميل وكميل شمعون ما سمي بالجبهة الوطنية اللبنانية وهي قوات مسلحة قامت بشن حرب دامية على الوجود الفلسطيني بكل أشكاله بدءاً بحادثة عين الرمانه في 13 نيسان 1975.
وقف اليسار اللبناني سداً منيعاً أمام القوات اللبنانية وحال دون أن تنال من قوات منظمة التحرير الفلسطينية وشكل الحزب التقدمي الإشتراكي والحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي ميليشيا استطاعت أن تنزل بالقوات اللبنانية هزيمة ساحقة الأمر الذي أسقط في يد الولايات المتحدة التي رأت في حافظ الأسد الجهة القادرة على تحقيق المخطط الأميركي في سحق وإنهاء منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وهي الجهة المقبولة عربياً وليس كإسرائيل العدو التقليدي للعرب. وهكذا فوّضت الإدارة الأميركية وبموافقة إسرائيلية لبنان لحافظ الأسد شرط أن " يطهره " من الفلسطينيين.
فعل حافظ الأسد ما طلب منه وما إن دخلت وحدات الجيش السوري إلى لبنان عام 1976 حتى وجهت نيرانها إلى قوات الحركة الوطنية، التي حمت المنظمات الفلسطينية، وأنزلت بها ضربة قاصمة لتصل بعدئذٍ نيرانها إلى جيش التحرير الفلسطيني. قامت القوات اللبنانية بذبح الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر برعاية جيش حافظ الأسد 1976 فتم قتل 2000 رجل وجرح أكثر من 4000 وسوّي المخيم بالأرض. وفي العام 1985 شنت حركة أمل الشيعية بقيادة نبيه بري بأمر من حافظ الأسد حرباً على الفلسطينيين في الجنوب وانتهى الأمر " بتطهير " جنوب لبنان من الفلسطينيين. وتلا ذلك حرب المخيمات وقام بها المتعاونون مع الأجهزة السورية مثل حركة أمل وفتح الإنتفاضة والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة ضد ما تبقى من قوات منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الموالية لياسر عرفات.
استكمل حافظ الأسد وصايته عل لبنان بثمن " بخس " تمثل بآلاف الشهداء الفلسطينيين قبضته إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. وهكذا أنيخ لبنان الديموقراطي السيد الحر تحت وطأة الدكتاتورية المخابراتية لحافظ الأسد ؛ وبذلك خسر لبنان كل تاريخه المتميز في المنطقة العربية. كان الزعيم السوري خالد العظم قد أنكر على اللبنانيين إستقلالهم في الأربعينيات لكنه لم ينكر عليهم حقوقهم الديموقراطية ؛ أما حافظ الأسد فجاءهم في السبعينيات لينكر عليهم كل شيء، الديموقراطية قبل الإستقلال.
أسوأ ما واجهه لبنان تحت وصاية حافظ الأسد والعصابة الحاكمة هو خلق طبقة سياسية من البورجوازية الوضيعة اللبنانية، وهي الطبقة المماثلة للعصابة الحاكمة في دمشق، طبقة باعت كل لبنان لسلطة الوصاية بأبخس الأثمان، بوظيفة ممتازة تخول صاحبها مد يده إلى المال العام. إرتبط مثل هؤلاء الساسة الموظفون بسلطة الوصاية المخابراتية السورية إرتباطاً وثيقاً. الاستعراض التفصيلي الدقيق لكل الذين تجمعوا في ساحة رياض الصلح في الثامن من آذار لشكر سوريا على كل ما فعلته في لبنان بالطبع، ولو كان مما فعلت اغتيال الحريري، استعراضهم الدقيق يثبت أنهم جميعاً لم يكونوا قبل الإحتلال السوري شيئاً يذكر في التاريخ اللبناني وفي المجتمع اللبناني. استلم هؤلاء الحكم في لبنان تحت الوصاية السورية دون أدنى استحقاق ؛ ولذلك فإنهم مستعدون إلى الذهاب مع الأجهزة السورية إلى حد تفجير لبنان واقتراف أبشع الجرائم فيه. ولعل الأسلحة الحربية المتنوعة التي كشفت عنها قوى الأمن العام في بيوت قيادات الحزب القومي السوري الإجتماعي مؤخراً، وهو حزب ذو تاريخ في الأعمال الإرهابية واغتيالات جريئة على شاكلة اغتيال بيار الجميل، تشير إلى خطورة الأزمة التي يواجهها الشعب اللبناني اليوم.
من المؤكد أن ما يفاقم من خطورة الوضع في لبنان هو ميوعة الموقف الذي يقفه تحالف الرابع عشر من آذار وتراجعاته المتوالية أمام صلافة وسعار المتعاونين مع النظام السوري وأولهم التيار العوني وحزب الله بالإضافة إلى نبيه بري وسليمان فرنجية. الهروب من المواجهة الحازمة من شأنه أن يشجع المتآمرين على حرية وسيادة لبنان على التمادي في مطالبتهم بوضع اليد على مختلف السلطات للدولة اللبنانية وإلى تفريغ المحكمة ذات الطابع الدولي من محتواها حتى منعها من تحقيق العدالة ومحاكمة المجرمين باغتيال الحريري.
حماية الشعب اللبناني والحفاظ على سيادته والتي لا بد وأن تكون من أولويات تحالف 14 آذار تقتضي من هذا التحالف تصليب موقفه والرفض البات لأي مشاركة لما يسمى بالمعارضة في الحكم. لا يحق لأي معارضة المطالبة في الإشتراك في الحكم إلا في حالة الأزمات الخطيرة الناجمة عن تطبيق سياسات خاطئة للحكومة. الأزمة الحالية في لبنان ناجمة أساساً عن سياسات خاطئة للمعارضة بقيادة حزب الله الذي تجاوز الخطوط الدولية ليقتل عدداً من الجنود الإسرائيليين ويخطف اثنين مما استدعى حرباً تدميرية أنزلت بلبنان خسائر فادحة. المعارضة تخطئ ومع ذلك تطالب بمشاركتها في السلطة!! أي مجنون أو أي أحمق يقبل بمثل هذا المنطق!! ما كان يجب أن تقوم به حكومة السنيورة هو محاكمة حسن نصرالله على فعلته الكارثية ثم إقالة وزيري حزب الله، طراد حماده ومحمد فنيش، وتسمية بديلين عنهما وليكن أحدهما من جماعة الشيخ صبحي الطفيلي والآخر من جماعة الشيخ علي الأمين مفتي جبل عامل. وفي تلك الحالة سيكون إميل لحود هو من يناقض العيش المشترك إذا لم يرسم الوزيرين المقترحين. وإذا شاء نبيه بري أن يظل تحت جناح حزب الله فله ذلك وليسمَ ثلاثة وزراء شيعة بدلاً عن وزرائه.
ما على تحالف 14 آذار أن يخشاه ويتحسب له كثيراً هو أن ميوعة موقفه من شأنها أن تفضي إلى تآكل أغلبيته فلا يجد القاعدة الشعبية عندئذٍ الكافية لرفعة إلى رأس السلطة. الشعوب لا تحتمل المساومة في هذه المسائل، فحذار، حذار يا أكثرية 14 آذار!!!
عبد الغني مصطفى