ثيران تنطح بعضا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يجوز أن يکون هناک شاعر عربي آخر تفوق على الاسلوب الواقعي الإنطباعي المکثف للشاعر العراقي إذا ماکان البعض قد أخذ على النواب تعاطيه لمفردات بذيئة تجتاز کل الحدود في سوقيتها، لکنها وقياسا الى واقع الحال العراقي و العربي، بمثابة أفضل بارومتر لقياس رداءة الواقع المعاش، النواب کان يجلد نفسه أولا ومن ثم يجلد الجميع، کان يدين ذاته أولا ومن ثم يدين المجتمعالکبير مظفر النواب، لکنني لم أقرأ لحد الان لشاعر بزه في تعبيره الصميمي الذي يضرب أعماق الفرد ککائن مجرد و ککائن إجتماعي يتواصل مع أقرانه.
مظفر النواب الذي کان في السبعينيات بشکل خاص، الشغل الشاغل للشباب العراقي بل وقد لا أبالغ إطلاقا فيما لو سميته"متنبي العراق"لما کانت في قصائده من أوصاف و صور رائعة الشکل و المحتوى بحيث کانت تذهب مثلا بين الناس. أوصاف النواب بحق الحکام العرب کانت من القسوة و الصدق في التعبير الى الحد الذي لم يدانيه أي شاعر آخر في هذا المضمار إذ کان هناک"قاضي .... بخصيتيه" و"جرذ الاوساخ المتضخم في .." و"ديوث .."، کما إن وصفه للواقع العراقي بکل صوره و تداعياته"کإنسان و کبيئة" کان هو الاخر مجسدا بصورة غير عادية لکل أحداثيات الفرد و المجتمع العراقي.
وإذا ماکان البعض قد أخذ على النواب تعاطيه لمفردات بذيئة تجتاز کل الحدود في سوقيتها، لکنها وقياسا الى واقع الحال العراقي و العربي، بمثابة أفضل بارومتر لقياس رداءة الواقع المعاش، النواب کان يجلد نفسه أولا ومن ثم يجلد الجميع، کان يدين ذاته أولا ومن ثم يدين المجتمع، کان يعلن عجزه في البدء و يشهر بذلک إحساسه بالاحباط، ومن ثم کان يدفع المجتمع للإعتراف بعجزه و إنهزاميته أمام الواقع المر.
مظفر النواب، الذي أجاد في شعره باللهجة العراقية الدارجة فإنه قد إمتلک ناصية اللغة العربية الفصحى بشکل غير عادي وإستطاع أن يديف الکلمات في خبز أشعاره لتطعم الجوع و خواء الموقف الفکري للأنسان، وحتى إنه من فرط صدق تعامله مع ذاته أولا و واقعه الموضوعي ثانيا تحمل سياط الغربة بعيدا عن نسائم دجلة و الفرات وبعيدا عن"الغراف"و"المشرح"و"الهور"و طيور"الگارور"و"بشوش السحر"و"الگنبرة"لينشر من غربته أکثر من مارش حماسي رغم إن رائعته"وتريات ليلية"تظل عالقة في الذهن و الوجدان لما فيها من صدق و صميمية في التناول و الطرح و التجسيد.
وقد أفاجأ البعض فيما لو قلت بأن شاعرنا الکبير قد کان أفضل من وصف بشاعة الإقتتال الطائفي و حدد شکله و محتواه "الحيواني"الحقيقي، رغم إنه في نفس الوقت قد ميز تماما بين حالة الدين الاسلامي بشکله العام وتناول الجوانب المضيئة و الايجابية من الدين، فإنه کذلک قد أدان و بشدة الجوانب السلبية الاخرى منها وعلى رأسها المسألة الطائفية، ورغم إنني سمعت الکثير من الاوصاف المعبرة عن الحالة الطائفية، لکنني لا أدري لماذا لم أجد وصفا أقوى و أفضل من المقطع التالي للنواب الکبير في شعره و موقفه و إنسانيته:
"إقتتلوا بإسم السنة و الشيعة و العلويين وحتى المنقرضين ثيران تنطح بعضا"
نزار جاف
nezarjaff@gmail.com