أصداء

ميلاد يسوع.. تجسد كلمة الله وخلاص العالم

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

فى مثل هذه الأيام (وتحديدا فى الأسبوع الأخير من ديسمبر والأسبوع الأول من يناير من كل عام) يحتفل العالم المسيحي - غربه وشرقه - بتذكار ميلاد يسوع الناصري. وهو حدث سجلته أسفار العهد الجديد، أن عمل كلمة الله المتجسد فى شخص يسوع الناصري هو من أجل المصالحة بين الله والبشر وإعادة السلام إلى العالم بعد أن كان قد فقده من جراء الفساد الذي دخل إليه. لقد كان التجسد المجيد والعجيب هو النور الساطع الذي أخرج الإنسان من ظلمات موت الضمير. وهذا ما يتضح بجلاء من أقوال المسيح العجيبةوأنبأت عنه أسفار من العهد القديم، حسبما يؤمن المسيحيون فى كل بقاع الأرض. كما سجله المؤرخون من الرومان واليهود الذين عاصروه.


والجدير بالذكر أن ميلاد يسوع المسيح قد ُذكر أيضا فى القرآن الذى ترجع كتابته إلى القرن السابع الميلادي، وهو بذلك أكد للعرب بلغتهم أحداث ميلاد يسوع الناصري، بل عاد وذكر الكثير من المعجزات التي صنعها عبر حياته الأرضية القصيرة زمنيا (أنظر على سبيل المثال سورة آل عمران 45 : 49 ؛ وسورة مريم 22 : 33).


لقد كان ميلاد يسوع وما تلاه من أحداث - كمُلت بصلبه وإنتصاره على الموت - بمثابة نقطة فاصلة فى تاريخ البشرية، ليس فقط على مستوى تحديد الزمن، حيث صار العالم يشير بعباراتي قبل المسيح وبعد المسيح عند التأريخ لكل حدث، إنما الأهم من ذلك هو أثر عمل المسيح ليس فقط فى الفكر الإنساني، بل وفى الحياة البشرية، على كل المستويات الروحية والحضارية والمصير الأبدي للإنسانية. ويكفى هنا ذكر تأثير أقواله عن المحبة والسلام ونبذ العنف التى لاتزال دستورا لكل من يسعي إلى السلام والتعايش مع الآخر.
ولاشك فى أن الإيمان المسيحي المبني على عقيدة التجسد، أي تجسد كلمة الله الأزلي فى شخص الإنسان يسوع الناصري وإتحاده الأبدي معه، بكل ماتعني من معانى روحية، هي فى النهابة سر من الأسرار الإلهية التي منحت للإنسان إمكانية عودته روحيا إلى مصدره الإلهي، الذي كان قد إنفصل عنه نتيجة خطيئة آدم أب البشرية، ومثاله الترابي، وبالتالي فساد الطبيعة البشرية.


حقا.. قال الوحي الإلهي: "عظيم هو سر التقوى، الله ظهر فى الجسد". لقد كان لابد من تجديد الطبيعة البشرية بعد هذا السقوط، ولم يكن هذا التجديد ممكنا إلا من خلال تجسد كلمة الله الخالقة دائما.
ولكي تتضح معاني هذه الكلمات فى ضؤ المفاهيم المسيحية الإنجيلية، يكفي أن نقرأ ونتأمل أولا فيما جاء عن طبيعة "كلمة الله" في الكتاب المقدس:
"فى البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هو فى البدء كان عند الله، به كان كل شئ، وبغيره ما كان شيء مما كان. فيه كانت الحياة، وحياته كانت نور الناس..." (يو1: 1-4). وبتعبير آخر: لقد "خلق الله العالمين بكلمته".


كذلك يعلن الوحي على لسان القديس يوحنا: "والكلمة أخذ جسدا، وعاش بيننا، فرأينا مجده مجدا يفيض بالنعمة والحق، ناله من الآب، كأبن له أوحد... من فيض نعمه نلنا جميعا نعمة على نعمة، لأن الله بموسى أعطانا الشريعة، وأما بيسوع المسيح فوهبنا النعمة والحق. ما من أحد رأى الله الإله. الأوحد الذي فى حضن الآب هو الذي أخبر عنه." (يو1 : 14- 18).


وكما قلت، فى البداية، يرى المسيحيون أن الإشارة إلى تجسد كلمة الله فى شخص يسوع المسيح، قد وردت أيضا فى القرآن، حيث جاء: " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه أسمه المسيح عيسى إبن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين" (البقرة: 45). وهذا ما أعلن عنه أيضا فى سورة النساء: آية 171: " إنما المسيح عيسى إبن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه...".
ونواصل التأمل فى حادثة ميلاد يسوع الناصري فى الزمن وتجسد كلمة الله، حسبما سجلها لوقا البشير، حيث أعلن ملاك الرب عن هذا الميلاد العجيب، قائلا لمجموعة من الرعاة: "لا تخافوا، ها أنا أبشركم بخبر عظيم يفرح له جميع الشعب: وُلد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرَبُ." (لو2: 10- 11).
وسجل متى البشير رؤيا القديس يوسف خطيب العذراء مريم، حيث قال له ملاك الرب: "يا يوسف أبن داود، لا تخف أن تأخذ مريم إمرأة لك، فهي حبلى من الروح القدس، وستلد أبنا تسميه يسوع، لأنه يُخلص شعبه من خطاياهم."


ويعلق القديس متى على هذا، قائلا: حدث هذا كله ليتم ماقال الرَبُ بلسان النبي (أشعياء 7: 14): ستحبل العذراء، فتلد أبنا يُدعى عمانوئيل، أي الله معنا." (مت 1: 20- 23)
وجاء فى القرآن (سورة البقرة: 87 ): "وآتينا عيسى إبن مريم البينات وأيدناه بروح القدس". وقد إستلزم هذا الميلاد المعجزي المبارك إختيار أطهر نساء العالمين: "مباركة أنت فى النساء ومباركة هي ثمرة بطنك" (لو: 42)؛ وحسبما سجل القرآن: "وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله أصطفاك وطهرك وأصطفاك على نساء العالمين." (آل عمران: 42).

أن عمل كلمة الله المتجسد فى شخص يسوع الناصري هو من أجل المصالحة بين الله والبشر وإعادة السلام إلى العالم بعد أن كان قد فقده من جراء الفساد الذي دخل إليه. لقد كان التجسد المجيد والعجيب هو النور الساطع الذي أخرج الإنسان من ظلمات موت الضمير. وهذا ما يتضح بجلاء من أقوال المسيح العجيبة والتى لا يمكن أن تصدر إلا ممن له سلطان أن يقولها ويدعو لها ويحياها، مثالا لمن يدعوهم إليه على مدى التاريخ وإلى آخر الأيام حتى يكمل ملكوته على الأرض كما فى السماء:
"... سمعتم أنه قيل لآبائكم : لا تقتل، فمن يقتل يستوجب حكم القاضي. أما أنا فأقول لكم: من غضب على أخيه أستوجب حكم القاضي....".


"وإذا كنت تقدم قربانك إلى المذبح وتذكرت هناك أن لأخيك شيئا عليك، فأترك قُربانك عند المذبح هناك، وأذهب أولا صالح أخاك، ثم تعال وقدم قُربانك."
"وإذ ا خاصمك أحد، فسارع إلى إرضائه ما دمت معه فى الطريق...".
"أياكم أن تعملوا الخير أمام الناس ليشاهدوكم، وإلا فلا أجر لكم عند أبيكم الذي فى السماوات."
"هنيئا للرحماء، لأنهم يُرحمون."
"هنيئا لأنقياء القلب، لأنهم يشاهدون الله."
"هنيئا لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون."

ما أروعها مبادئ لم نسمعها إلا من فمك الطاهر أيها المعلم الصالح وحدك، وما أعمقها أسس لحياة يعمها السلام الآتي من العلى يوم مولدك يا يسوع المخلص، كلمة الله المتجسد.
وما أعظمك أيها الواحد مع الآب والروح القدس يوم أن أعلنت لنا ولكل المتألمين والمظلومين والمأسورين، أن:
"روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأنادي للأسرى بالحرية، وللعميان بعودة البصر إليهم، لأحرر المظلومين، وأعلن الوقت الذي فيه يقبل الرب شعبه."(لو 3 : 18-19).
ما أعظم مراحمك وطول أناتك - يا رب - إذ قد جعلت يوم ميلادك الفريد دعوة لتحرر كل المأسورين والمظلومين عبر الأجيال، ونورا لمن فقدوا طريقهم نحو السلام الحقيقي.. يا ملك السلام.

نبيل عبد الملك

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف