أصداء

المسيخ الدجال يظهر في العراق!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

قبل أيام كتبت مقالة بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح تحت عنوان في عيد الميلاد: من يُخَلِّصُ شعوبنا من أتراحها؟ طرحت فيها مسألة حاجة شعوب المنطقة العربية المنكوبة وبخاصة في العراق ولبنان والسودان لم يؤثر حكم الإعدام في رؤية صدام حسين لنفسه فمضى يستكمل مسلسل أكاذيبه المضللة. ولكن الغالبية العظمى من العراقيين لن تصدق بالطبع إدعاءات الفداء التي أخذ يهذي بها صدام حسين، وبالطبع لن تنطلي مواعظ الطاغية السابق الجوفاء على أحد من عقلاء العراقيين. صدام حسين لم يكن ولن يكون أبداً المخلص الذي يفتدي العراقيين وينقذهم من محنتهم المزمنة التي يخوضونها، ولكن صدام حسين هو المسيخ الدجال العراقي،والصومال لمن يخلصها من حروبها وصراعاتها ومآزقها ومتاعبها وآلامها وظروفها المقعدة التي تقدوها بخطى متسارعة نحو السقوط في الهاوية السحيقة. المخلِّص الذي تمنيت في المقالة مجيئه لإنقاذ الشعوب المغلوبة على أمرها يحمل سمات خاصة تقترب من أو تشبه سمات صاحب المناسبة التي كنت كتبت المقالة بسببها، وهي سمات الحب والسلام والعدل والمساواة والطهارة والشفافية. هذه السمات بالطبع تكاد لا تتوافر في العديدين من الزعماء والقادة والسياسيين العرب في الوقت الراهن، لذا لم يكن غريباً أن تختفي الديمقراطية وتنتفي الحرية وتندثر العدالة في معظم الدول العربية.

بالأمس فوجئت، كغيري، بالدكاتور العراقي السابق صدام حسين يخرج علينا مدعياً بأنه "المسيح المخلِّص" الذي سيذهب فداءً لشعبه. زعم صدام حسين في رسالة نقلتها وكالة أنباء رويترز عن محاميه إن تنفيذ حكم الأعدام بحقه ينبغي أن ينظر اليه على اعتبار أنه تضحية من أجل العراق! مضيفاً "ها أنا أقدم نفسي فداء فاذا أراد الرحمن هذا صعد بها الى حيث يأمر سبحانه مع الصديقين والشهداء." وعلى طريقة السيد المسيح الرائعة والغير مسبوقة في مطالبة تلاميذه ومريديه بمحبة أعدائهم والإحسان إلى من يبغضهم ومباركة أعِنِيهم والصلاة من أجل الذين يسيئون إليهم (لوقا 6 : 27 - 28) مضى صدام حسين إلى مطالبة العراقيين بعدم "أيها الرفاق المجاهدون..أدعوكم.. أن لاتكرهوا شعوب الدول التي اعتدت علينا.. وفرقوا بين أهل القرار والشعوب."

لم يكتف الدكتاتور السابق بادعاء أنه "مسيح" يحمل رسالة الفداء والخلاص للعراقيين، وإنما اتخذ أيضاً في إطار ما يتطلبه دور "المخلص" شكل رجل الدين والواعظ الحكيم الذي يقدم النصائح للعراقيين حيث قال " أيّها الشعب العظيم... أدعوكم أن تحافظوا على المعاني التي جعلتكم تحملون الايمان بجدارة وأن تكونوا القنديل المشع في الحضارة.......... أيّها الاخوة أيّها المجاهدون أدعوكم الى عدم الحقد، ذلك لان الحقد لا يترك فرصة لصاحبه لينصف ويعدل، ولانه يعمي البصر والبصيرة ويغلق منافذ التفكير فيبعد صاحبه عن التفكير المتوازن واختيار الاصح وتجنب المنحرف ويسد أمامه رؤية المتغيرات في ذهن من يتصور عدواً."

لست ادري على من يضحك الدكتاتور السابق وبأي عقلية يستخف حين يدعي الشهادة وحين يعظ. المعروف أن حكماً بالإعدام، صادقت عليه مؤخراً محكمة التمييز العراقية، صدر بحق الدكتاتور السابق بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قضية المجزرة التي راح ضحيتها 148 شيعيا من بلدة الدجيل والتي أعقبت محاولة الاغتيال التي تعرض لها صدام حسين عام 1982. لم يكن الحكم إلا تحقيقاً للعدالة بحسب الغالبية العظمى من الشعب العراقي الذي انتهكت كرامته على أيادي الطاغية السابق ورجال نظامه الوحشي الفاسد. لم تكن قضية الدجيل التي حكم فيها بالإعدام على صدام حسين إلا واحدة من قضايا عديدة اتهم فيها الدكتاتور بقتل أو التسبب في قتل عشرات الألاف من العراقيين وبخاصة الاكراد منهم، وكان ينتظر أن تكون الأحكام النهائية في هذه القضايا ممائلة للحكم في قضية الدجيل.

ما كان صدام حسين طوال فترة حكمه للعراق إلا زعيم عصابة إجرامية تمكن عبر انقلاب عسكري من الاستيلاء على زمام الامور في بلاد الرافدين لسنوات طويلة أمعن خلالها في استباحة أعراض العراقيين ومقدراتهم وممتلكاتهم، وحوُّل خلالها العراق إلى دولة عدوانية لا تحترم جيرانها ولا تقيم وزناً للقوانين التي تحكم العلاقات الدولية، وخرُّب خلالها الاقتصاد العراقي عن طريق تبديد مصادر الدخل القومي العراقي، وأعاد خلالها المجتمع العراقي إلى القرون الوسطى بسبب السنوات الطويلة التي قضاها العراقيون في الحرب الهزلية مع إيران أو تحت الحصار الاقتصادي الذي فرضه المجتمع الدولي على العراق بعد الغزو الإجرامي للكويت.

تساءلت كثيراً حين قرأت تصريحات صدام حسين الأخيرة ألم يكن من الأجدى بصدام حسين، إذا كان صادقاً في مشاعره نحو العراق والعراقيين، أن يدعو "المجاهدين المزيفين" من رجال عصابته البعثية وغيرهم من حلفائهم من إرهابيي تنظيم القاعدة الذين يقتلون ويروعون ويفجِرون ويدمرون لوقف الإرهاب الطائفي الذي يمارسونه ضد العراقيين الشيعة والكرد والمسيحيين والصابئة؟ ولكن يبدو أن لحظة الانفصال الكامل عن الماضي قد حانت في العراق. هذه اللحظة هي لحظة إعدام الدكتاتور السابق التي يدرك معظم العراقيين أنها لحظة تحقيق العدالة على الرغم من أن الإعدام بمختلف صوره يبدو لي شخصياً عملاً إجرامياً لا إنسانياً يتعارض مع المباديء الأساسية لحقوق الإنسان، وهي من سخرية القدر نفس المباديء التي كنت رفضت بقوة نظام حكم صدام حسين بسبب عدم احترامه إياها.

لم يؤثر حكم الإعدام في رؤية صدام حسين لنفسه فمضى يستكمل مسلسل أكاذيبه المضللة. ولكن الغالبية العظمى من العراقيين لن تصدق بالطبع إدعاءات الفداء التي أخذ يهذي بها صدام حسين، وبالطبع لن تنطلي مواعظ الطاغية السابق الجوفاء على أحد من عقلاء العراقيين. صدام حسين لم يكن ولن يكون أبداً المخلص الذي يفتدي العراقيين وينقذهم من محنتهم المزمنة التي يخوضونها، ولكن صدام حسين هو المسيخ الدجال العراقي، وهو الذئب الذي يتخفى في ثياب الحملان حين يسعى إلى خداع البسطاء من العراقيين بتبني لهجة دينية ووطنية. لقد كان صدام حسين شخصياً الجاني الأول في ما آلت إليه الأوضاع في العراق في الوقت الراهن. فلو لم يكن صدام حسين دكتاتوراً لما انفرد باتخاذ القرارات السياسية الخاطئة التي أسفرت بالنهاية عن حرب الإطاحة بنظامة التي قادتها الولايات المتحدة. أيضاً لو لم يكن صدام حسين دكتاتوراً لما عانت الطوائف العراقية من الجهل وفوائد الديمقراطية ولنضج العراقيون المتناحرون على وعي بأهمية تقديس مباديء التسامح واحترام الأخر ولما اقتتلوا فيما بينهم.

ولكن بما أن تنفيذ حكم الإعدام بحق المسيخ الدجال العراقي أصبح متوقعاً في خلال الأيام أو ربما الساعات القليلة القادمة فقد حان الوقت أمام صدام حسين للتوقف تماماً عن أكاذيبه الخائبة وادعاءاته عديمة الجدوى بالشهادة فداءً للشعب العراقي. لقد جاء الوقت الذي يجب فيه على صدام حسين أن يظهر على الملأ للإعراب عن ندمه عما اقترفه نظام حكمه من حروب واعتداءات وإبادات عنصرية، وللاعتذار عن جرائمه التي ارتكبها بحق العراقيين وغيرهم من شعوب دول الجوار طوال سنوات حكمه الطويلة، ولطلب الصفح والمغفرة من أولئك الذين عانوا وعذبوا واضطهدوا وقتلوا وفقدوا حبيب او عزيز على يديه الملطختين بالدماء. لن يذكر التاريخ مطلقاً أن صدام حسين استشهد فداءً للشعب العراقي كما يدعي المسيخ الدجال العراقي، ولكن الاعتذار ربما يكون النقطة الإيجابية الوحيدة التي يمكن أن يذكرها التاريخ لصدام حسين.

جوزيف بشارة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف