قومنة الماركسية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مثلما اكتشف دارون قوانين تطور الحياة الطبيعية على الأرض، اكتشف ماركس قوانين تطور الحياة الاجتماعية وذلك من خلال الإلتفات إلى حقيقة بديهية وهي أن إنسانية الإنسان تتحقق قبل كل شيء عن أن عبدالناصر تحدث في بدايات الثورة المصرية عن مجال حيوي لمصر في البلدان العربية ـ ولو أنه ساوى ما بين البلدان العربية والبلدان الإقريقية غير العربية ـ لكنه سرعان ما اكتشف أن هذا مجرد أوهام خاصة بعد انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961 وهو نفس العام الذي أصدر فيه عبدالناصر المراسيم الاشتراكية وميثاق الاتحاد الاشتراكي حيث بدا واضحا أن الهم الناصري قد انعطف نحو الثورة الاجتماعية والتنمية الشاملة للمجتمع المصري اعتمادا على القوى الحقيقية للانتاج وهي العمال والفلاحون والرأسمالية الوطنيةطريق الإنتاج الذي هو عصب الحياة في المجتمع، أي مجتمع مهما كانت هويته أو قوميته. وبذلك يكون شرط الإنتاج سابقا لكل خصائص الإنسانية الأخرى كالقومية مثلاً، وسابقا لتشكل المجتمعات البشرية وتشكل الأمم. ولما كان الإنتاج بهذه الأهمية فقد أولاه ماركس كل اهتمامه طيلة حياته الغنية بالبحث والتحليل ليكتشف خلال ذلك قوانين تطور الإنتاج وأساليبه وتبعا له تطور الحياة الاجتماعية بكل جوانبها.
لقد وجد ماركس أن تقدم المجتمعات البشرية يتحقق في خط مواز تماما لتطور وسائل الإنتاج وأن القانون العام لتطورها، تطور وسائل الإنتاج كما تطور سائر الأشياء الأخرى، يقوم على تطورات كمية بسيطة مستمرة وغير مدركة آنيا تتراكم لتصل إلى نقطة حرجة حيث يتعذر التقدم إلى ما بعدها قبل أن ينفجر التناقض الرئيسي داخل هذه الوسائل في ثورة عاصفة تطيح بكل الثوابت لتبرز من وسط أوارها وسائل جديدة مختلفة نوعا قادرة على استئناف مسيرة التقدم كما تقضي سنة الحياة. وتتشكل في موازاة ذلك مجتمعات جديدة تتهيكل وفقا لمقتضيات الوسائل الجديدة للإنتاج. هذه هي االماركسية في الشمال كما في الجنوب، في الشرق كما في الغرب. إنها نظرية علمية بدون قومية وبدون وطن، بدون هوية اجتماعية سواء كانت إقطاعية أم رأسمالية أم اشتراكية.
وبعد تحليل دقيق وشامل لوسائل الإنتاج الرأسمالية وجد ماركس أن النظام الرأسمالي نظام عالمي بخلاف كل الأنظمة السابقة له، لا ينمو ولا يعيش إلا إذا تيسر له مد أذرعه الطويلة خارج حدوده القومية ليطوي بها العالم كله وذلك بسبب فائض القيمة المتحقق قوميا والذي يجب تصديره إلى خارج الحدود، إلى البلدان التابعة، قبل أن يتراكم ويخنق النظام نفسه، مثله مثل الأجسام المضادة التي من شأنها أن تقتل البكتيريا التي أنتجتها أو أفرزتها. وهكذا يبدو واضحا بصورة جلية لا غبار عليها أن التناقض الأساسي في وسائل الإنتاج، بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، بين العمال والرأسماليين، يعبر الحدود بصورة فائض الإنتاج المصدر ليأخذ صورة أخرى تتمثل بالتناقض بين شعوب البلدان التابعة والمستعمرة من جهة والاستعمار من جهة أخرى. الخطوط البارزة لهذه الصورة تبين بوضوح عالمية الرأسمالية وتبعا لذلك عالمية الصراع، تلك العالمية التي عبر عنها ماركس بندائه الشهير : يا عمال العالم اتحدوا
تناول ماركس ولينين للعالم كله كمسرح واحد يجري فوقه صراع واحد موحد بين العمال والرأسماليين، بين الشعوب والاستعمار، هذا التناول ليس رواية مسرحية أبدعها ماركس أو لينين، بل هو الوصف الدقيق والمباشر لواقع الحال ـ الرأسماليون يراكمون أرباحهم من خلال دفعهم لأجور أقل من قيمة العمل الموظف لديهم وبذلك يتوجب عليهم تصدير السلع التي تمثل الفرق بين مجمل الأجور من جهة وقيمة العمل من جهة أخرى إلى أسواق شعوب ليس لديها القدرة المستمرة على دفع تلك الفروق طالما أن كل ما لديها هو المواد الخام التي تعود عليها بفروق أخرى وبقيمة العمل المضاف، ناهيك عن أن رأسماليي المركز يستطيعون أن يفرضوا أسعار أجور عمالهم بصورة تمكنهم من المحافظة على استمرار علاقات الإنتاج الرأسمالية في الوطن أو المتروبول. هذه الحلقة الاستعمارية العالمية ليست من تصميم أحد بل إنها من طبيعة التكوين لبنى النظام الرأسمالي والاستجابة الإنسانية الايجابية لهذا النظام. لذلك فإن التحرر أو الإفلات من هذه الحلقة إن هو إلا ضرب من الأوهام طالما أن حلقة بديلة، حلقة عالمية ديموقراطية تتجه بتصميم ثوري إلى تنمية البلدان المتخلفة، لا وجود لها في عالم نهاية القرن العشرين وإطلالة القرن الحادي والعشرين. مثل هذه الحلقة الثورية الديموقراطية لا يمكن أن يصنعها أي مشروع تحرري نهضوي في أي بلد أو أكثر من بلدان المحيط كالبلدان العربية وذلك بسبب القدرة الكامنة المحدودة في هذه البلدان.
لم يتوصل الماركسيون إلى مثل هذه المفاهيم من خلال التحليل الدقيق للاقتصاد السياسي فقط بل إن الفلسفة الماركسية أيضا تصل بنا إلى نفس المفاهيم. فالقانون العام فيها يقول أن الأشياء تنحل وتتلاشى بانفجار التناقض الأساسي فيها في ثورة مدمرة والتناقض الأساسي في النظام الرأسمالي هو التناقض بين قـوى الإنتاج من جهة وعلاقات الإنتاج من جهة أخرى، بين العمال والرأسماليين. المهندس الذي درس النظام الرأسمالي الشامخ الراسخ دراسة مفصلة وعرف كيف يتم تدمـيره بلغم واحد في أضعف حـلقاته كان لينين، مهندس ثورة أكتوبر الاشـتراكية.
كان ضروريا الاستهلال بهذه المقدمة المختصرة قبل التعرض لمداخلة أحد الذين يدعون أنهم من " الماركسيين المجددين " والتي نشرها في إحدى الصحف المحلية تحت عنوان " الماركسية..فلسفة الثورة القومية البورجوازية ". المثقفون العرب لا تأخذهم العزة بالإثم، لكن عندما تأخـذهم العزة يأثمون. يأثمون وهم يتحدثون عن دولة قومية عربية في عصر الخلافة الأموية، يأثمون وهم يتحدثون عن دولة القومية العربية في عصر الخلافة االعباسية. أخونا الماركسي المجدد أخذته العزة.. " بدولة السوق القومية القائمة على المؤسسات والحق والحق العام والبنية القادرة على إنتاج وإعادة إنتاج الديموقراطية البورجوازية " فأثم إثمين غليظين ـ أثم باستغبائه لينين وأثم باستخطائه ماركس. استغبى لينين حين زعم أن مسؤولية فشل التجربة السوفياتية تقع على.. " القراءة الملتبسة للاشتراكية وإمكانية نجاحها عبر كسر الحلقة الضعيفة وبقية الأوهام ( !! ) التي رافقتها "، واستخطأ ماركس حين أعلن أن الماركسية ليست فلسفة " دكتاتورية البروليتاريا الموهومة ". لن تعيقنا هذه الآثام الاستفزازية والتي سنتعرض لها فيما بعد عن التعامل مباشرة مع مشروع أخينا الماركسي المجدد، مشروع " الثورة القومية البورجوازية " الذي أقامه على قاعدة ما أسماه ب " الضرورة القومية " خاصة وأنه اقترف آثاما غليظة من أجله.
يوافق أخونا على أن ما أسماه ب " الضرورة القومية " هو تحديدا حاجة البورجوازية المتطورة نحو الرأسمالية إلى سوق قادرة على تصريف منتوجاتها. هذا يعني أن تطور الرأسمالية الوطنية في أقطارها العربية المختلفة بلغ حدا تضيق به هذه الأقطار. فهل هذا هو ما لدينا اليوم؟! الجـواب بالطبع هو النفي التام بل العكس تماما هو الصحـيح. فالنشوء والارتقاء العضويان الطبيعيان للرأسمالية الوطنية العربية ـ وغير العربية في البلدان الموازية ـ كانا قد توقفا في سبيعينيات القرن العشرين حين بدت علائم الانهيار واضحة على المعسكر الاشتراكي وتلا ذلك بالطبع الذبول والتلاشي. بل لقد جرى ذلك في البلدان العربية بصورة دراماتيكية مجلجلة. جميعنا يتذكر تسليم أنور السادات، وارث المشروع الناصري، جميع أوراقه إلى الإمبريالية الأمريكية. البورجوازيات في العالم العربي وفي دول العالم الثالث عموما باعت ثوراتها إلى الإمبريالية وقبضت ثمنها من صندوق النقد الدولي فتحولت بذلك إلى كومـبرادور وضيع مطواع لا يلوي حراكا بل يشد بكل عزيمته على الروابط مع السوق الدولية أو سوق التجارة الحرة كما في أبجديات منظمة التجارة العالمية ( WTO ). اليـوم وبعد انهيار معسكر الثورة الوطنية في السبعينيات ثم انهيار معسكر الثورة الاشتراكية في الثمانينيات لم يعد بوسع أحد حتى مجرد الحديث عن ثورة قومية أو حتى وطنية. أما أصداء الماضي التي ما زال البعض من السياسيين قصيري النظر يصر على ترديدها فإنها وكما نرى على أرض الواقـع لا تجد أذانا صاغية ويعرض عنها العامة بعفوية صادقة. ومع كل ذلـك فما زلنا نجد من يصفون أنفسهم ب " الماركسيين المجددين " يتحدثون عن " ثورة قومية " !!
أما إذا تعدت " الضرورة القومية " مفهوم السوق وقاربت مفاهيم المثقفين القوميين عن الوحدة العربية فيلزم التأكيد هنا على أن الوحدة ليست ضرورة قومية طالما أنها خارج حسابات السوق وضروراته وأقوى دليل على ذلك هو أن التناظر الاقتصادي بين الدول العربية هو أكبر عقبة الآن أمام تنفيذ أي مشروع سياسي وحدوي. وما فشل الوحدة المصرية السورية إلا بسبب ذلك. أما إدعاء المثقفين والساسة القوميين بأن العرب كانوا أمة واحدة متحدة إلى أن جاء الاستعمار الحديث وقسمهم فإنما هو شهادة زور يتبرع بها البعض لصالح الحكم الأسود البغيض الذي أذل العرب لعدة قرون حكمها المماليك والعثمانيون. لم يكن يوحد العرب خلال تلك القرون الطويلة السوداء سوى البطش والقمع العرقي العنصري. الدولة التي كانتها الدولة المملوكية والدولة العثمانية هي الدولة البطريركية الريعية. والصورة البشعة لهذه الدولة تقول أن الحكم الأوتوقراطي فيها ينحصر في عرق معين أو الأحرى في عائلة محددة. وأن علاقة الدولة بمواطنيها من خارج جلدتها تنحصر في أمرين فقط ـ دفع الضرائب وحتى الأتاوات بغير حساب، ثم التجنيد في الحروب التي لا تنتهي بحكم عدوانية الدولة. يستحيل من خلال هذه الصورة البشعة تصور الشعوب العربية في ظل العثمانيين أو المماليك تقيم تواصلا من أي نوع سواء كان اقتصادياً أم ثقافياً أم سياسياً. الدولة الريعية تمتص ريع العملية الانتاجية من الأطراف إلى المركز حيث يستهلك كله ولا يعود أي جزء منه وبأية صورة إلى أي طرف من الأطراف. من هنا علينا أن ندرك استحالة وجود أي رابط ايجابي يربط الطرف بالمركز بل العكس هو الصحيح حيث يرفض الطرف ارتباطه بالمركز. في مثل هذه العلاقات فقط كان يمكن للدولة الريعية أن تبسط حـدودها إلى ما هـو أبعد من الوجـود القومي. كانت حـدودها تتجاوز حدود القوميات والأجناس.
دول الخلافـة الراشدة ثم الأموية ثم العباسية كانت أيضا دولا ريعية. أساس الخلافة الراشدة الذي وضع في " سقيفة بني ساعدة " نص بكل صراحة على أن.. " الخلافة في قريش ". قبائـل قريش هي التي تحـكم وليس أي قبيلة عربية أخرى. ولنا أن نذكر هنا أن قريش هي العائلة التي وقفت بقوة ضد الدعوة للإسلام بخلاف أهل المدينة من الأوس والخزرج الذين انتصر الإسلام بهم ورغم ذلك طردهم القرشيون من السقيفة. لم تعمر الخلافة الراشدة لثلاثة عقود حتى انتقل الحكم إلى بني أمية الذين بالتالي افترسهم بنو عباس. كيف يمكن أن توصف مثل هذه الصورة العرقية القبلية أنها صورة قومية من قريب أو بعيد؟ انتهت دولة بني العباس إلى دول عرقية مختلفة ـ دولة للبويهيين وأخرى للسلاجقة وثالثة للفاطميين ورابعة للحمدانيين.. دول بأسماء قبائل ! بل ما زال بعض الدول العربية يعرف رسميا حتى يومنا هذا بأسماء قبائل كالهاشميين والسعوديين والبعض الآخر يعرف فعليا بأسماء العائلات الحاكمة. لم يتقدم العرب أبداً إلى مرحلة الدولة القومية. يستطيع من لا يزال يشك بقومية دولة الخلافة أن يعود إلى تفاصيل توزيع الريع على عائلـة الخـليفة ليتأكد نهائيا بأن أي شعور قومي لم يكن واردا إطلاقا في تلـك الكيانات.
أمام هذه الحقائق التاريخية التي لا سبيل إلى إنكارها يمكن القول بكل ثقة أن العرب في القرن العشرين أمسوا أقرب إلى الوحدة منهم إليها في أي وقت مضى. لقد برزت " الضرورة القومية " على سطح التاريخ العربي كله مرة واحدة ووحيدة وكان ذلك حين أعلنت البورجوازية الشامية ثورتها القومية في المشرق العربي فقط وسلمت قيادة الثورة إلى الشريف حسين بن علي. ولأن هذه الثورة هي الثورة القومية الوحيدة التي قام بها العرب فقد سموها بحق " الثورة العربية الكبرى " بالرغم من أن مشروعها استثنى كلا من مصر والسودان وشمال أفريقيا الأمر الذي يقطع بالتأكيد أن الروح القومية لم تكن حتى مطلع القرن العشرين قد اكتملت بعد. البورجوازية الشامية الرثة لم تستطع حماية ثورتها مع أن قائدها الشريف حسين دافع عنها بكل بطولة وتضحية.
بعد سايكس ـ بيكو وخضوع البلدان العربية إلى الاستعمار الأنجلو ـ فرنسي ممثلا بمركزي الرأسمالية الأقوى آنذاك، لندن وباريس، قامت في البلدان العربية اقتصادات مستقلة عن بعضها البعض بسبب ارتباطها محوريا بالمركز الرأسمالي الاستعماري. وهذا يعني أن الاقتصادات العر بية قامت أصلا كأنصاف حلقات يستحيل أن يكمل النصف منها أي نصف آخر حيث أن الأنصاف المكملة لها قائمة في مراكز الدول الرأسمالية الامبريالية. ولذلك تأسست الاقتصادات العربية جميعها على الصناعات التعدينية والصناعات التكميلية وطبيعة هاتين الصناعتين هي الاعتماد على إنتاج المركز الإمبريالي وعدم القدرة على الاستقلال. في مثل هذه الحالة من العولمة، أي عالمية عملية الإنتاج الرأسمالي، ينتفي نهائيا ما يمكن أن يسمى ب " الضرورة القومية ".
صحيح أن عبدالناصر تحدث في بدايات الثورة المصرية عن مجال حيوي لمصر في البلدان العربية ـ ولو أنه ساوى ما بين البلدان العربية والبلدان الإقريقية غير العربية ـ لكنه سرعان ما اكتشف أن هذا مجرد أوهام خاصة بعد انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961 وهو نفس العام الذي أصدر فيه عبدالناصر المراسيم الاشتراكية وميثاق الاتحاد الاشتراكي حيث بدا واضحا أن الهم الناصري قد انعطف نحو الثورة الاجتماعية والتنمية الشاملة للمجتمع المصري اعتمادا على القوى الحقيقية للانتاج وهي العمال والفلاحون والرأسمالية الوطنية وأن وهـم ضغط الإنـتاج الرأسـمالي المصري على السوق المحلية ومعه وهم المجالات الحيوية قد انقشعا تماما.
إدراك كنه " الضرورة القومية " يقتضينا العودة إلى التاريخ. لقد قدم التاريخ " الضرورة القومية " كحالة تتهيأ حال اجتياز البورجوازية النامية عتبة النظام الرأسمالي المكتمل. واليوم وبعد سيادة قانون " القطيعة الرأسمالية " في العالم كله واستحالة تطور أي بلد غير رأسمالي إلى رأسمالي مكتمل فإن صفحـة " الضرورة القومية " قد طويت تماما في سجل التاريخ، والتاريخ بالطبع لا يعود إلى الوراء. أما أولئك القوميون الذين يعتقدون أن الفعل القومي يظل ثابتا في التاريخ كما يبدو عليه الحال مع الجنس واللغة والدين ـ علما بأن هذه العناصر للهوية القومية ليست ثابتة أبدا كما تبدو في الظاهر ـ فعليهم أن يعتبروا من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا واستراليا حيث شعوب هذه البلدان تنحدر من عرق واحد بصورة عامة وتتكلم ذات اللغة وهي الانجليزية وتدين بدين واحد وهو البروتستانتية الأنجليكانية، إلا أنها مع ذلك ترفض رفضا باتا الإنخراط في قومية واحدة وتظل أفعالها القومية متضادة.
أخونا الماركسي المجدد رأى في اقتراف تجـاوزات عديدة لما يـعتبره حتى رفاقه خطوطا حـمراء إنما هو انتصار مستحق لمشروع " الثورة القومية البورجوازية ". لقد وصل به الأمر إلى أن يستغبي لينين ويخطىء ماركس.
يرى ماركس أن الطبقة الوسطى من فلاحين وصناع وحرفيين ـ ويضيف إليهم إنجلز المثقفين ـ هي رجعية بحكم طبيعة أساليب إنتاجها. إنها تبدأ بالوقوف في وجه البورجوازية الكبيرة المتطورة نحو الرأسمالية المكتملة وذلك دفاعا عن تقسيم العمل الذي يكرس لها انتماءها الطبقي، وتنتهي بالوقوف في وجه الطبقة العاملة المتطورة نحو الشيوعية ولذات السبب. فما إن بدت علائم الانهيار على المعسكر الاشتراكي حتى تدافع المثقفون المتمركسون مستلين خناجرهم لإعمالها في جسد الماركسية بحجة تجديدها أو تحديثها أو أحيانا أنسنتها يساعدهم على ذلك أن العالم لم يدرك بعد أن الانهيار الاشتراكي كان من صناعتهم وحدهم دون سواهم. هم الذين اغتالوا الاشتراكية وهم الذين يتدافعون اليوم لإجراء عمليات الإنقاذ للاشتراكية ـ بهدف الإجهاز عليها في غرفة العمليات ! أي نفاق هذا؟! إنهم الأدهى مناورة في حـربهم دفاعا عن تقسيم العمل.
وهكذا يذيع أخونا الماركسي المجدد بيانه الثوري للعالم يعلن فيه ( غباء ) لينين و ( خطأ ) ماركس. فلينين كما يفاجئنا إعلانه لم يكن على مستوى فهم ماركس والتبست عليه قراءة الماركسية (كذا!) حتى توهم أن كسر السلسلة الرأسمالية العالمية في أضعف حلقاتها يمكن أن يكون انطلاقة الثورة الاشتراكية العالمية. فكانت ثورة أكتوبر 1917 قي روسيا التي، كما أعلن، لم تستطع أن توفر شروطا تتجاوز الشروط التي توفرها الحلقات الرأسمالية المتطورة ـ معللا أن الإيديولوجيا لا تحل محل الآليات ( وهو الكلام الحق لكن في غير محله ). وهو لذلك يتمنى لو لم يؤيد الاشتراكيون لينين والبلاشفة بل كاوتسكي والمناشفة ـ إن أمنيته ليست في محلها فعامة الاشتراكيين الأوروبيين لم يؤيدوا لينين والبلاشفة بل كاوتسكي والمناشفة ولا عجب فهؤلاء قومنوا الماركسية مثله وأيدوا الاشتراك في الحرب العالمية الأولى لإعادة تقسيم المستعمرات ـ ثم تمنى أخيرا لو أن ثورة أكتوبر لم تقم أصلا ! ! ـ ولعل أخانا لم يفطن هنا إلى أن دهاقنة الإمبريالية وزعماء النازية والفاشية كانوا بالطبع قد شاركوه في هذه الأمنية
فؤاد النمري