أصداء

موت رئيس والضلال الذي كنا فيه

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

في كتاب سيرته الذي وضعه له أمير اسكندر عام ثمانين يوصف صدام حسين بأنه المناضل والمفكر

أي نضال ناضله السيد الرئيس القائد؟ انه لم يناضل حتى للدفاع عن نفسه عندما قبضوا عليه مختبئا كالجرذ في حفرة مهينة.

والإنسان، وجعل نسبه يمتد إلى الأمام علي بن أبي طالب، وجعل من صدام حسين الوجه المشرق للوطن العربي كله، وانه هو الذي يستطيع وبجدارة أن يتصدى لكل مخاطر السبيل الوعر ويتوجه بالمسيرة إلى آفاق الحلم الذي نريده.

قرانا ذلك الكتاب قبل سنوات طويلة وأعجبنا بصدام حسين وحسبناه القائد الفذ الذي تحتاجه الأمة لينقذها من الضلال. أحببنا صدام حسين واستمعنا إلى خطاباته ومحاضراته، فكان يبدو الزعيم القوي الذي يقود ويخطط ولا بد أن يصل في النهاية إلى تحقيق الأهداف التي نسعى إليها جميعا في الحريات والحياة الفضلى والنصر الذي تشوقنا إليه.

والكتاب المذكور كما يقول صاحبه ليس مجرد سيرة ذاتية للرئيس صدام حسين ولكنه أولا وقبل كل شيء سيرة نضالية وفكرية وسياسية لواحد من ابرز قادة العالم العربي والعالم الثالث في هذا العصر.

أي نضال ناضله السيد الرئيس القائد؟ انه لم يناضل حتى للدفاع عن نفسه عندما قبضوا عليه مختبئا كالجرذ في حفرة مهينة.

وأي تفكير مارسه السيد الرئيس القائد؟ انه لأنانيته وجبنه لم يفكر سوى في كيفية قتل معارضيه وتصفية خصومه.

وأي إنسان هو؟ هل يعرف الإنسانية؟ كم حربا ورط فيها بلاده وكم من بشر قتل وشرد ويتم وثكل؟

مسكين أمير اسكندر: هل كان مجرد كاتب مأجور أم كان بالفعل مقتنعا بكل ما يكتبه. أم لعله كان مثل بقية العرب الذين أحبوا صدام حسين ووقفوا له مصفقين ومهللين. الأغلب انه كاتب مأجور قيل انه قبض نصف مليون دولار لقاء أن يؤلف كتابا في تمجيد صدام حسين.

اليوم وصل صدام حسين إلى نهايته المحتومة ودقت رقبته في حبل مشنقة طالما استخدم وفي نفس المكان لدق رقاب معارضيه من الوطنيين العراقيين. كان لا بد أن تكون نهاية صدام هكذا مثل المجرمين وقطاع الطرق فهو قد حكم العراق بطريقة هؤلاء وقاد البلاد مثل قيادة العصابة. لقد كان العراق بالفعل يحكم كمنظمة سرية وكان صدام هو الزعيم.

ومع ذلك ما زال كثيرون يتباكون عليه ويودون لو انه يعود ليحكم العراق. أو يعود لمجده القديم الذي زال واندثر. من تابع بعض الفضائيات وانتبه لبعض المفردات المستخدمة يستطيع أن يستنتج أي موقف تتخذه هذه الفضائيات المأجورة. قناة الجزيرة تشير إلى الإعدام بعبارة إقدام الحكومة على إعدام الرئيس السابق صدام حسين ومذيعات العربية والجزيرة لبس الأسود حدادا على الطاغية.

لحسن الحظ أن معظم الصحف العربية ستكون مغلقة في أيام العيد ولذا ستأتي تعليقات كثيرين من الصحفيين المتعاطفين مع الدكتاتور أو المضللين بسياساته المدمرة متأخرة عدة أيام فاقدة بريقها..

على أي حال، لقد مر علينا زمن أحببنا فيه صدام حسين.

أحببناه؟ نعم.

عرفناه؟ أبدا لم نعرفه على حقيقته.

هل كنا على ضلال؟ نعم. لقد كنا على ضلال.

"نحن " الذين ارتدوا عباءة القومية الوهم، والعروبة الوهم وصفقوا لنظام صدام حسين حينما رفع المذكور بيده صاعق تفجير وقال ها نحن صنعنا الكيماوي وسنحرق نصف إسرائيل.

"نحن" المثقفين الذين صموا آذانهم عن شكاوى العراقيين المنفيين طوعا وكرها عندما كانوا يسردون حكايات الظلم الصدامي في العراقي.

"نحن" هم نحن جميعا عندما غفلنا عما جرى في العراق/ الواقع، وتغزلنا بالعراق الذي يعيش في الأحلام.

سقنا أنفسنا بأنفسنا إلى تلك الضلالة لأننا عشنا وهم العروبة وأسكرتنا كلمات حق أريد بها باطل، وتعامينا عما جرى في العراق لان نظام البعث وصاحبه صدام حسين وشركاه عرفوا كيف يأتون الضمائر خلسة وعنوة ويسرقونها بالأعطيات والهبات والسفرات والفيلات ومشروعات الإسكان.
وإذا استطاع نظام صدام حسين تضليل البعض منا فان أكثرنا انساق وراء طمعه واضعا ضميره في رف عال بعيد. وربما كان البعض منا يدرك انه يخون ضميره ويخون شعبه بالتصفيق لنظام صدام ولكنه مع ذلك قبل أن يصمت ورضي أن يكون شيطانا اخرس، وجعل من نفسه شاهد الزور الجبان.

كنا على ضلال... نعم.

رفضنا أن نكون في مكان العراقيين ولو ليوم واحد نعيشه في ظل حكم صدام حسين.

كان بعض العراقيين يقولون لنا: لو تجربوا حكمه يوما واحدا فقط لكنتم تقولون غير ما تقولون.

وكنا نتعالى على شكواهم، ونسخر من معارضتهم، ونقول في العلن ما لا نقوله في السر.

عندما كنا نأوي إلى فراشنا في الليل امنين مطمئنين، تأتي إلى أذهاننا صور العراقيين الذين، كما كان يقال لنا، يخرجون من بيوتهم ويختفون في ظلمات المقابر الجماعية، أو يذوبون بالأسيد أو بكل بساطة يقتلون. تأتي إلى أذهاننا هذه الصور ولكننا نقول: معقول، هل هذا ممكن؟

لكن الأمر اختلف بعد سقوط النظام. ما كان العراقيون يحكونه لنا عن قصص العذاب والتعذيب والمقابر الجماعية والقتل العشوائي والإبادة بالكيماوي وكان يبدو لنا مجرد أوهام أضحى أمرا متجسدا حيا موثقا غير قابل للإنكار. ما كنا نظنه، باستكبار، مجرد اتهامات للنظام، تبين لنا انه حقيقة كان العراقيون يعيشونها يوميا وما كان لغيرهم أن يصدقها لو لم تر عيونهم بالفعل براهين تلك الاتهامات وأدلة إثباتها.

ومع ذلك فان البعض منا، وهذا البعض كثير، ما زال يستعصي عليه الاعتراف بأنه كان على ضلال. ويستعصي عليه أن يعتذر للعراقيين، ويستعصي عليه أن يقر بان ما كان العراقيون يقولونه له في المنافي كان بالفعل أمرا واقعا وليس محض اتهامات. ما زال هذا البعض يناضل في الفضائيات وفي بعض الصحف بسيوف من خشب دفاعا عن الطاغية والديكتاتور لأنه هذا البعض مريض يريد أن يتعلق بقشة تنقذه من واقعه المتردي فيحلم بديكتاتور عادل ينقذ الأمة ويعيد لها مجد الأوهام الذي تريد أن تعيش فيه بعيدا عن واقع يتطلب جهدا ونضالا وعملا وتفكيرا جادا خلاقا.

لقد حان الوقت لكي نقف ونقول بجرأة: نعم، كنا على ضلال. وحان الوقت لكي نغسل عار الضلال الذي كنا فيه، ونفتح عقولنا وأذهاننا للحقيقة، ونحتضن إخوتنا العراقيين ونعانقهم معتذرين ومعاهدين، معتذرين: عما كنا فيه من ضلالة، وما عشنا فيه من خداع، ومعاهدين: بان لا نسقط في الوهم من جديد.

حسين عبدالله نورالدين
كاتب صحفي
عمان الأردن

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف