الدانمارك والفتح الإسلامي الجديد!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في العالم المتحضر هناك قوانين ومحاكمات على تهم القذف وذلك عندما يتقدم شخص أو جهة بشكوى قانونية ممحصة. والعلمانية الغربية هي التي تفسح أوسع مجال للحريات الدينية ومنها للمسلمين، الذين يقدرون بالملايين ولهم جوامعهم وحوانيتهم ولحومهم "الحلال، بل وأحياؤهم المليئة بالحجاب ونسخ القرآن. ومن الخطأ القول إن الدول الغربية ليست عندها قوانين تحاسب من يمس دينا أو عرقا أو لونا بشريا، فاحترام الأديان والمعتقدات والأعراق البشرية من صلب العلمانية العصرية.
في عاصفة الهرج والمرج اليوم عن الدانيمارك، وحيث انجرت حكومات خليجية بالتمام وحكومات غيرها لسوق المزايدات الأصولية، لم نسمع عن جهة إسلامية في الغرب أو جهة حكومية في العالم الإسلامي كانت قد تقدمت قبل هذه المقاطعات والاحتجاجات بشكوى للمحاكم الدانيماركية ضد الرسوم إياها، مع حيثيات كافية للبرهنة على الإساءة والقذف بحق نبي المسلمين. أليست هذه هي الطريقة الحضارية للتعامل مع قضايا كهذه؟ ثم إذا أساءت صحيفة ما غربية في البلدان التي تقدس حرية الصحافة، لهذه الحرية، فما هو ذنب الدول نفسها؟ هل الدول الغربية هي كمعظم دولنا تحتكر وسائل الإعلام أو باسطة سيف الرقابة عليها لنحاسبهم على ما تقوله هذه الصحيفة أو تلك؟ ثم لم هذا الخوف على الإسلام والضجة الصاعدة في كل مرة نجعل من قضية ما رمزا لحروب صليبية على المسلمين؟ لا اللعبة باربي ولا الهمبرغر ولا بنطلونات الجنز سلمت من سيوف التكفير والتحريم بوصفها أدوات شر وسلاح عداء للإسلام.
في هذه الزوبعة العربانية ـ الإسلاموية الجديدة هناك الكثير من النفاق والازدواجية والعبث، وكثير مما سيهبط أكثر فأكثر بسمعة العرب والمسلمين في دول الغرب وغيرها. وقد أحسن زميلنا سامي بحيري بالإشارة لهذا النفاق من خلال التعامل العربي مع الصين التي تقوم إيديولوجيتها على رفض الدين أصلا، مع أن النفط الخليجي يقدم لها بسخاء. فأين دولة لا تعترف بأي دين من عبث صحيفة ما في بلد الحريات الصحفية ولأكثريته دين يمارسه؟ كما يذكرنا بالعلاقات الوثيقة سابقا مع الاتحاد السوفيتي رغم أنه كان يضطهد المسلمين وبقية الأديان؛ ومع ذلك لم تصدر أية فتوى إسلامية لمقاطعتهم بل العكس كان هو الجاري.
في الثمانينات هيج خميني العالم الإسلامي ضد رواية رشدي، فارتفع غبار الجهاد الإسلامي مناديا بالموت لرشدي وبريطاني أمريكا وإسرائيل معهما. وقد تبين أنه لا خميني ولا أكثر من 99 بالمائة من المتهيجين كانوا قد رأوا الكتاب ناهيكم أن يكونوا قد تصفحوه. وفي التسعينيات أثار الأزهر ضجة مماثلة ضد رواية حيدر حيدر التي كانت قد صدرت وانتشرت قبل ذلك بعشرين عاما. خرج طلبة الأزهر في مظاهرات ومواكب "الله أكبر"، منذرين ومتوعدين. وقد بينت التحقيقات الصحفية المتعددة أن أيا من أولئك الطلبة لم يكن قد رأى الكتاب وغلافه! هكذا تسيّر الأصولية وعلماء الدين المتزمتون الناس وحتى الكثيرين من المثقفين وتسوقهم باسم الجهاد تحت راية الإسلام. إنها لغوغائية مستمرة وانغلاق فكري وإنساني تام.
هذا هو تفسير لماذا نتقدم دوما في مقدمة العالم وحضارته! ولماذا نواصل "فتوحاتنا" الإسلامية فتحا بعد فتح. وإنا لله وإنا إليه راجعون. ولو أسمعت حيا!
مراد مصطفى