هكذا اختطفني (حجّي) المقاومة العراقية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الجزء الخامس: أبو سلام وأنا
لم يكن في البيت مصلّى فأتممت صلاتي من دون هذا "الاختراع" الذي يبدو انه لم يعرف لهذا البيت طريق. حينها ايقنت ان "المقاومة" على مشارب عدة ومسالك وعرة! لكن هل يمكن ان يكون هؤلاء حقا جزءا من المقاومة مثلما صرّح لي بذلك "ابو سلام" ام انهم يتقمّصون هذه الصفة لابتزازي وذلك من خلال محاربتي نفسيا اولا وللتغطية على اعمالهم الارهابية ثانيا؟!
تركني ابو سلام لخلوتي التي لم تدم طويلا والتي كانت حقيقة كافية بالنسبة لي لارتّب افكاري واوطّن نفسي للقادم من المفاجئات والاسئلة التي ستطرح عليّ ربما في محاكمة صورية يعتمد عليها بقائي حيا او تصفيتي جسديا ربما! لم استطع خلال خلوتي ان ابعد اي سيناريو محتمل بدءا من الطريقة التي خُطفت بها وانتهاءا بفرضيات القضاء عليّ. تارة القي باللائمة على حكومة الجعفري التي لم تعالج هؤلاء الفاسدين معالجة كافية والقضاء عليهم قضاءا مبرما واخرى اراجع مواقفي السياسية التي ربما هي السبب في خطفي هذا! لكن في الوقت نفسه كنت اسأل نفسي فيما لو طلب هؤلاء فدية كبيرة كيف سيتسنى لي تأمينها؟! لم اكن لاعرف عن هؤلاء الناس شيئا سوى ما يكشفه لي "ابو سلام" لذلك فقد وصلت الى قناعة وضرورة توطيد علاقتي به وتقريره باية وسيلة كانت للحصول على اكبر قدر من المعلومات التي ستكون مفتاح تخليص رقبتي من رصاص الغدر الذي ينتظرني حتما! في غمرة التفكير هذا لم يفارقني حقيقة الشك بكل من اختلفت معهم سياسيا على ان احدهم وراء هذه المصيبة فبدأت اسقط الاحتمالات الواحد تلو الاخر وذلك وفقا للظروف التي يمر بها هؤلاء حتى حصرت الامر في شخصين لم استطع تبرئتهما حتى هذه اللحظة.
بعد ان قرّرت ان استنطق "ابو سلام" ما استطعت ناديته فكان حاضرا امامي كأنه كان معي في الغرفة ولم يفارقها! الا انه لم يكن دائم المحافظة على مسافة بيننا فضلا عن انهم لم يسجّلوا لي شريط فيديو كما يفعلون مع غيري ممن تخطفهم الجماعات الاسلامية الاخرى. أرجعت الاول لسبب ان "الجماعة" ليسوا متخصصين في اعمال الخطف والقتل! أما الثاني فأرجعته الى ان الجماعة ترغب بالمال والسرية في آن واحد وهو ماكان منهم فيما بعد. سألته ان كانوا سيطلقون سراحي قريبا! فأجاب بانه لا يدري. فبادرته وهل ستقتلونني؟ كان هذا سؤالي الثاني، فهز رأسه بالنفي وهو ما أثار استغرابي عن سبب اجابته على السؤال الاول بالكلام وعلى الثاني بالاشارة؟! كان ذلك مشجّعا لي لاستمر بتوطيد العلاقة معه فقاطعني بسؤاله: هل تريد ان تذهب الى الحمّام؟ فأجبته بالنفي! ثم استدرك سائلا اياي: لمن تلك الصورة التي في حقيبتك؟ فصُعقت ولكن جاء استفهامي له بديهيا، اية صورة؟ فأجاب: صورة عسكرية للفيف من ضباط البحرية كُتب على خلفها الدورة 14 لسنة 1988. حينها ايقنت ان "الجماعة" قد عبثوا بحاجياتي وان تأخير محاكمتي لكسب الوقت ليس الا، حتى يكونوا على بينة تامة بما تحويه حقائبي عسى وان يجدوا ما يروي عطشهم ليكون دليلا ضدي. أجبته بانها صورة لي مع بعض الزملاء الطلبة وضباط البحرية بأعتبار انني كنت احد طلاب الكلية البحرية للاعوام 1988-1991. فعقّب على هذه الصورة بقوله " يجب عليك ان تفخر انك ضابط في الجيش العراقي فهذا شرف"، ثم سألني ان كنت اعمل في "التاجي"؟ استغربت حقيقة لمواطن عراقي يدّعي انه خرّيج جامعي ولايعرف ان الكلية البحرية هي جزء من اكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية والتي تتخذ من البصرة مقرا لها منذ تأسيسها. فكان جوابي، كلا في البصرة، فهز رأسه موافقا. بينما نحن كذلك حتى سمعت احدهم ينادي "ابو سلام، تعال". انصرف وتركني في حيرة اكثر من السابق فحقيبتي تحوي كل مايدينني من وجهة نظرهم سواء من مقالات كنت قد تعرّضت من خلالها لوصف "المقاومة" بانها جماعات ارهابية تتحكم بهم جماعات تكفيرية، او من خلال جوازي الكندي وكل المستمسكات الاجنبية والشهادات التي حصلت عليها من قبل والتي جلبتها معي املا في وظيفة محترمة في العراق الجديد. بينما انا في غمرة التحليل والتدبير حتى دخل "ابو سلام" وفي يديه مايوحي بأنه وجبة غذائية دسمة فكانت كذلك. غداء من صحنين الاول كان رزا عليه فخذ صغير من الدجاج والاخر كان مرق فاصولياء. ومن دون ان اسأل مضيّفي فقد عرفت ان الاكل لم يحضّر في داخل الدار وانما يأتي جاهزا من مطعم قريب بسبب ان الاواني كانت ورقية وملفوفة بورق ألمنيوم "مسلفّن"! فهذه الطريقة على غير عادة العراقيين في تقديم الاكل داخل البيوت. وضع "ابو سلام" الاكل امامي وطلب مني الاكل! لا اخفي ان هذه العلامة كانت بالنسبة لي خطوة تطمينية اخرجتني مما انا فيه من الاحتقان والتعب وبعثت فيّ الامل لان اسقط من حساباتي سيناريو التصفية الجسدية. حقيقة لم يكن هذا ليشكّل بالنسبة لي درجة عالية من الاهتمام، فعندما تكون مؤمنا بالله وبقدره وتتوكل عليه يكن هو حسبك، عندها لاتعير للموت اهمية، هكذا ايقنت وآمنت!
طلبت من "ابو سلام" ان يأكل معي فرفض وتركني الا انني احسست هذه المرّة ان هنالك ما يشغله تبين لي فيما بعد انه قد وُبّخ من الاخرين لطريقة تعامله معي فقد كان من المفترض به الا يُكثر الحديث والا يدخل في سجالات مع سجناءه! فقررت ان اواسيه وان احرّك فيه الشهامة والنخوة فقلت له " لاعليك ابو سلام، الله كريم" وأضفت: "يبدو انك ابن عشاير وحمولة فكيف تقبل ان تمارس فعلا مثل هذا النوع خصوصا وانك مثقف ومتعلّم"؟ فأجابني وهو ينصرف: هذه الاعمال هي لتحرير العراق منك ومن امثالك فكف عن الاسئلة ونم ولا تناديني الا حينما تريد الذهاب الى الحمّام"؟ حينها ايقنت ان لافائدة وان أملي في ان استدرجه للكلام قد خاب الا بما جاد به من معلومات كانت شبه كافية على الاقل في الوقت الحاضر، فقررت ان اغمض عيني قليلا رغم برودة الغرفة فالبطانية التي جلبها لي لم تكن كافية.
رياض الحسيني
كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مستقل