هكذا اختطفني (حجّي) المقاومة العراقية! 6
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الجزء السادس والاخير: محكمة عسكرية
تركني "ابو سلام" الذي كان بالنسبة لي المتنفس الوحيد مع الجماعة وحلقة الوصل مع الخارج حتى وقت متأخر من العصر ليخبرني بأن "الحجي" سيكون هنا الليلة وعلي ان اكون مستعدا للاجابة على جملة من الاسئلة. فرددت عليه: الله كريم! أخذ "أبو سلام" الاواني التي كانت تقريبا كما جلبها الا من الماء الذي طلبت ان يجلب لي منه كوبا اخر. تثاقلت جفوني شيئا فشيئا حتى كدت لا اميّز بين صحوتي ونومي ورغم ما امر به من معاناة الا ذلك لم يكن مانعا لي من التفكير باطفالي (ولي العهد والقطة الناعسة). مرّت ساعة تبعتها اخرى ولم يأتي "الحجّي" كما ذكر لي "ابو سلام" حتى شارفت الساعة على الواحدة بعد منتصف الليل! وقتها عادت قرقعة السلاح وثقل اقدام العسكر الى الدار مرة اخرى وهي علامة تعودت ان اقرءها كمقدمة لحضور "الحجّي". لكن من هذا "الحجي" الذي تملّك مصيري فجأة؟ هل هو زعيم عصابة؟ هل هو من رجالات الحكومة؟ هل هو زعيم حزب سياسي طائفي او مليشيا ممقوته؟ هل هو شيخ عشيرة صاعد؟ هل هو اسلامي متشدد ام علماني متهوّر؟ لماذا انا وما علاقته بي؟ ولماذا كل هذا التأخير وما الذي يبغيه مني؟ هل اعرفه شخصيا وهل يعرفني؟ كيف سيتعامل معي وكيف لي ان اعالج الامر؟ هل هو عصبي المزاج وسريع القرارات ام متفهّم ويقبل العذر والاعتذار؟ الى غيرها من الاسئلة التي تواردت دفعة واحدة الى مُختَطف لايعرف عن سبب اختطافه شيئا فضلا عن هوية خاطفيه؟
انقطعت عن ذهني تلك السلسلة حينما دخل علي اثنان من الملثّمين وهم يرتدون قيافات "الحرس الوطني العراقي" والذي شكّل بالنسبة لي صاعقة لم اتوقعها ولم ترد في حساباتي مطلقا! هل يُعقل ان تختطفني الحكومة؟ ما الذي جنيته لتعاملني الحكومة بهذا الشكل؟ عصّبوا عيني وربطوا يدي الى الخلف وأقعدوني على ركبتي. وقتها لا ادري ماالذي حلّ بي ولكن أصبت بشئ من الهستيريا وفقدت اعصابي بشكل كامل ولكن من جملة ما اتذكر انني بادرتهم بقولي: " كلاب والله انكم كلاب، اقسم بالله ان الكلب اشرف منكم فالكلب لايعض اليد التي تحميه وتراعيه. لو كنت خادما لصدام حسين مثلكم لكنت الان امر لواء. اقراني اليوم عقداء وانا والابطال مثلي كثر قررنا رفض عطايا الديكتاتور وخرجنا عليه بانتفاضة شعبان في وقت كنتم فيه انتم فدائيين له وللكسيح عدي". لم يتفوّه احدهم بشئ البتة! يبدو لي حتى الان ان الاوامر كانت مشددة بعدم الاعتداء علي جسديا او لفضيا بكلمات نابية وانما الاقتصار على شد الاذن كما يقولون مهما بدر مني. كان شعوري وقتذاك شعور الانسان المحبط المهزوم امام كل الاخلاق والنوايا الحسنة والشعارات الرنانة. شعورا ممزوجا بحنق على كل الوطن فلطالما سمعت عن ثورة اكلت ابنائها ولكن لم اسمع عن ثورة تفترس فرسانها!
دخل "الحجي" وباشر المحكمة العسكرية واكاد اجزم بانه لم ينبس ببنت شفة نظرا لوجود من يقوم بالنيابة عنه بتلك المهمة ولكن يبدو انه اراد ان يسمع مني الاجابات مباشرة ليحدد مصيري بعد ذلك في وقت يبدو لي انه كان حريصا جدا على الا يحيطني ولو بجزئية بسيطة عن هويته! فلدي احساس قوي بانني ساتعرف على هويته لو نطق! هكذا اراد وهكذا جرى له طالما ان الابواب تفتح له وتخلى له الشوارع وسط صرخات المأجورين وقرقعة سلاح الفدائيين. عموما فقد بدأوا محاكمتي ليس على العادة من الاسم وغيرها من المعلومات التقليدية فبعد تحذير من اخفاء اية معلومات فقد دخلوا مباشرة على النحو التالي:
+ ما علاقتك بالالوسي؟
- اي الوسي؟
+ مثال الالوسي!
- علاقتي به كعلاقتي بالكثير من السياسيين العراقيين طيبة وانا مرشّح ضمن قائمته لعضوية المجلس الوطني.
+ من اين يأتي بالتمويل لحزبه؟
- بالضبط لا اعرف ولكنني ساهمت برفد الحملة الانتخابية ومثلي كثيرون
+ انت تعمل مع الامريكان، اليس كذلك؟
- كلا
+ لم لا؟
- انا اعتبر القوات الامريكية قوات احتلال وليست قوات تحرير
+ ماذا تقول في المقاومة العراقية؟
- المقاومة ضد المحتل واجبة شرعا وعرفا وقانونا
+ كم مرة دخلت المنطقة الخضراء؟
- دخلتها مرات ثلاث مع الاخ ابو ايمن لمناقشة الحملة الانتخابية وسبل التحرك.
+ هل ذهبت الى السفارة الامريكية هناك؟
- كلا
+ لم لا
- ليس لدي مايربطني بالامريكان؟
+ ولكنك مع الالوسي!
- نعم معه في القائمة ولكن ليس متطابقا معه في كل الرؤى السياسية وطرق المعالجة. تماما ككل السياسيين العراقيين. من الصعب ان تجد في الحزب الواحد والجبهة الواحدة رؤى متطابقة ومعالجة واحدة يتفق حولها الجميع فكل انسان له نظرة وموقف وطريق.
+ بمن التقيتم خلال فترة تواجدك في المنطقة الخضراء؟
- لم نزر احد ولم يزرنا احد. كانت اللقاءات تتمحور حول الحلمة الانتخابية
+ علاقتك بقوات بدر؟
- ليس لي علاقة
+ هل ذهبت لزيارة بيان جبر؟
- ذهبت مرتين لزيارته ولم اوفق فاشغاله كثيرة، هكذا اخبرني الحرس.
+ سبب الزيارة؟
- للسلام عليه
+ ماعلاقتك بموفق الربيعي؟
- ليس لي علاقة به
+ لكن معلوماتنا تقول انك على اتصال بهؤلاء
_ ليس لدي اي اتصال
+ وما الاثبات؟
- المفترض انا الذي يسأل هذا السؤال ومع ذلك فسأجيب. لو كنت كما تظنون انني اعمل مع الامريكان او في وزارة الداخلية او وزارة الامن القومي لكانت لي صفة هناك ولما عزمت الرجوع الى كندا. كما ولديكم كل وثائقي ومستمسكاتي الرسمية واظنكم قد اطلعتم عليها! ثم استدركت سائلا اياهم: تخطفونني وتهدرون كرامتي بهذا الشكل من اجل ان تسألونني هذه الاسئلة! هل يُعقل هذا؟
+ أجب فقط على الاسئلة، انت هنا لتجيب لا لتسأل! فهمت؟
- وفي النهاية ماذا
+ سنقرر أمرك
- هكذا بكل بساطة!
+ لاتكثر من الكلام حتى لانضطر لقص لسانك. ثم استدرك قائلا: تذكّر باننا نعرف عنك اكثر مما تعرف انت عنا فكن عاقلا وتصرّف بحكمة فما يصلنا عنك غير مرضٍ تماما. وأضاف: حينما تتوقعون باننا لاندري عما تتحدثون به في مجالسكم الخاصة فانتم واهمون؟! ولمعلوماتك كنت تحت مراقبتنا طوال تواجدك في بغداد ولو اردنا تصفيتك لما اخذت منا اكثر من دقيقة. أتفهم؟!
بعدها تركوني معصب العينين وموثق اليدين مدة حوالي نصف ساعة عاد بعدها احدهم ليخبرني انهم سيفرجون عني وسيوصلونني الى حافظ القاضي لانه يتوجب علي السفر مباشرة وان اي تلكؤ يعني ان حياتي ستكون ثمنا له كما حذروني من استخدام الهاتف او اية وسيلة اخرى يقرأ منها انها محاولة للاتصال باخرين. فسألته عن الوقت، فأجاب انها قد قاربت الرابعة فجرا. عاد بعد ذلك المدعو "ابو سلام" ليفك اسري ويعيد الي محفظتي من دون نقود. سألته عن الموبايل فأنكر معرفته به؟! ثم طلب مني ان ارتب امتعتي وحقائبي التي احضرها لي مبعثرة وغير كاملة فقد كانت دناءة النفس حاضرة لديهم فقد سرقوا قسما من الهدايا وحتى بعضا من ملابس الاطفال! لكن ما أحزنني هو استيلائهم على امانة كانت معي وهي عبارة عن مبلغ نقدي لشخص عزيز علي كان قد ارسله الى بعض ذويه في سوريا لحاجتهم الماسة له. كذلك اكتشفت انهم قد استحوذوا على جميع المصوغات الذهبية التي كانت بحوزتي. مع ذلك حمدت الله على السلامة من بين تلك الايادي القذرة.
قبل خروجي اعطوني ورقة نقدية فئة 25 الف دينار عراقي اعتبروها هدية منهم وسألوني ان كنت بحاجة الى مساعدة اخرى؟! هكذا العهر العربي حينما يتجسد في اروع صوره! وهذه هي المقاومة العراقية حينما تظن انها قادرة على الوصول الى اهدافها بسهولة! وهذه هي الحكومة التي وعدت العائدين بالامان واللقمة الحلال! لكن الحقيقة الميدانية غير ذلك فلا امن ولا امان في عراق اليوم كما التبس على غيرهم الحرام فظّنوه حلال!
يبدو بعد ذلك كله انهم لم يريدوا قتلي ولو شاءوا لفعلوا؟ لكنني وصلت الى قناعة مفادها انهم ارادوا ارهابي سياسيا وابتزازي ماديا فضلا عن انهم ومن خلالي قد اوصلوا رسالة الى اكثر من طرف كما ان المتورط بخطفي ربما اكثر من طرف! لكن حتى الان يعتصر صدري بعض الاسئلة التي تبحث عن اجابات! ترى من حضّر لتلك المحاكمة المزعومة ومن خطط لها ورتبها؟ من كان الذي يسأل وما صفته؟ هل "الحجي" لقب يتخفّى وراءه زنديق ام انه اسم على مسمى؟ اسئلة لها اول وليس لها اخر. لكن من المؤكد ان يوما ما وان طال الزمن ستظهر الحقيقة ولو جزئية فحقوق البشر ليست محط مساومة كما ان الكرامة الادمية ليست دمية للعبث بها من قبل الاخرين وخصوصا المتنفذّين منهم في العراق الجديد.
رياض الحسيني
كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مستقل