جاتنا عـالطبطاب و احنا ضيعناها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جاتنا ع الطبطاب و احنا ضيعناها... مَن يشجب أفعالنا؟
كانت "ماما" تقول لي: "إذا عدوك غلط عليك قدام الناس، فجاتك ع الطبطاب. سامحي. وخليك الأحسن". حينما كنت شابة صغيرة، لم أقتنع بكلامها. كيف أسمح لأحد أن يهينني أما الملأ، ويخرج منتصراً. "الأنا" عندي لا تقبل، حتى لو قبل العقل. أنا أفعل ذلك مع زوجي، حين يضرب ضربته أرد له الصاع صاعين، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بأهلي مثلاً، ولو كان هو لم يقصد و حورت أنا هذا الكلام.
لا مجال هنا للحديث عن خصوصيات، فالحدث جلل، وأكبر من الكتابة الساخرة المتهكمة، وسرد قصص أم وزوجة وزوج، وزميلات في الثانوية.
سجلت التلفزيونات، خصوصاً اللبنانية، مأثرة طوال الأيام الماضية. نقلت تظاهرات "عنيفة" كان هدفها "التنديد" بما اقترفته صحيفة دنماركية من إساءة الى المقدسات الاسلامية، وتحديداً إساءة إلى الرسول الأعظم.
في تلك التلفزيونات يقولون: "إن فئات "تسللت" إلى التظاهرة لغايات سياسية. أي أن التظاهرة من أجل الرسول سُيست لمصالح لا علاقة لها أصلاً بموضوع التنديد، بحسب ما يقولون".
راحت حملات الشجب والاستنكار تتوالى من الأطراف كافة. شجب واستنكار لما حصل، وليس لما نشر في الدنمارك. الأمر انقلب الآن. تحمل وزير داخلية "مسكين" كل ما حدث. في تلك التلفزيونات يقولون: "إن الأضرار اقتصرت على الماديات"، إذاً، ماذا عن صورة أولئك الذين قيل إن الزرقاوي أميرهم، وأنه ومن معه سيقتلون وينتقمون؟ تلك الصورة تُرجمت لا محال. نقلت تلك الصورة بالصوت المترجم إلى بيوت أناس لا ناقة لهم ولا جمل بما حدث في الدنمارك، ليشاهدوا ويسمعوا بقتل وانتقام كرد فعل!
ظهر في تلك التلفزيونات شيخ مسلم معمّم. وقف يحاول تهدئة المنفعلين المتظاهرين! تحمّل الحجارة والألم من دفع ذاك وشد هذا. كأنه يقول: "لم نرد أن نتظاهر بهذه الصورة". كان الشيخ يدافع عن المسلمين من أنفسهم، من انفعالهم الذي يشاهده آخرون. كان يدافع بطريقته عكس التيار.
نعم... دافع الشيخ المسلم بطريقة أخرى غير تلك التي دافع بها المخربون، الذين لم يدركوا أن ما يفعلونه الآن لا علاقة له بالإساءة التي وُجهت للرسول. لم يدركوا هم أنهم يسيئون مثل الصحيفة الدنماركية. يسيئون إلى الإسلام. لم يدركوا أنهم يستطيعون أن يردوا بوسائل أخرى عدة. لا يعرف أولئك معنى الاعتصام بأخلاق إسلامية، والشجب والاستنكار من دون ضرر ولا ضرار. لا يعرفون كيف يعترضون. لا يعرفون كيف يظهرون حقيقة الإسلام ديناً سمحاً ينبذ الإرهاب.
لا أتنازل أبداً عن حق الدفاع عن الرسول. بل ربما أطالب باعتصام كل المسلمين في يوم جمعة مثلاً من دون تخريب، ومن دون إرهاب، وتذكير بالقتل والدم. هل هذا مستحيل؟ طبعاً مستحيل؟!
كل هذا الكلام له علاقة بـ "هنا" السعودية. له علاقة بطلابنا وأطفالنا، له علاقة بعقولنا. صحيح لم نخرب ولم ندمر وقاطعنا بكل حضارة. لكن ماذا وراء عقول هذه الحضارة؟
وصلتني قبل أيام رسالة من "طالب سعودي في السنة الأخيرة من الثانوية العامة"، تعقيباً على مقالة كتبتها بعنوان "الدعاء والصلاة... واتفاق التنوع الثقافي". كتب الطالب:
"من الطبيعي أن أتابع الجامعات وأخبارها (...) كان من الواضح في مقالك أنك لست مرتاحة لمكانة الثقافة العربية في العالم. أتساءل: ماذا بإمكاني أن افعل تجاهها؟ وجامعاتنا لا تدخل في أصغر مقارنة بين جامعات العالم؟ بصراحة أنا احترمك، لكنك أتيت بالداء ولم تتبعيه بدواء، إنما زدتيني - كطالب - هماً وغماً وتحطيماً. ماذا سأجني لو حصلت على الترتيب الأول على مستوى المملكة في ترتيب الطلاب في الثانوية العامة؟ فهنا في بلادنا العربية، لا يهتمون بالأوائل كما ينبغي، وبالتالي: "ندخل وين ما ندخل، ونتخرج ونجلس في بيوت زوجاتنا، من دون وظيفة أو بوظيفة غير مناسبة لتخصصاتنا"، أرجو أن تعرفي أننا - العرب- دوماً متخاذلون، فها نحن اليوم نتخاذل عن نصرة خير الورى ومخرجنا من الظلمات - يقصد ما حصل من نشر رسوم كاريكاتورية في الدنمارك (...)، فوالله لو أن لنا قلوباً صادقة ونكون على قدر مسؤولية الدين الذي حملناه، لانتصرنا لرسولنا الأعظم، ونلنا من أعدائنا الحاقدين، ولكن لا أملك سوى دعاء الله أن يسلطني ويمكنني منهم لأنتقم لمن أراني طريق الهدى والصواب"!
طالب سينتقم وينال من "الأعداء الحاقدين"! هل أشم رائحة قتل فيما كُتب؟ هل تشمون أنتم ذلك؟ وحتى دعاؤه، توقف عند تسليط الله له على "أعدائه الحاقدين" كي ينتقم!
من المسلم الذي لم يغضب للرسوم التي نشرت في صحيفة دنماركية؟ لكن، هل "طريق الهدى والصواب" هو الانتقام؟! وما نوع الانتقام؟ ماذا عما حصل في سورية ولبنان، هل هذا هو الانتقام الذي يطلبه منا ديننا؟!
بينما كان على هذا الطالب أن يعد العدة لاختباره ويرتقي بمستوى تعليمه، خصوصاً في سنة حاسمة بالنسبة إليه، يشعر بالإحباط من جامعته ومستواها التعليمي بالنسبة إلى دول العالم الأخرى! لا بد من أنه يقصد الجامعات الغربية. أليست تلك الجامعات في بلاد "أعدائه الحاقدين"، وإذا كان الأعداء حاقدين، هل نكون نحن "المسلمين" حاقدين وننتظر أن يسلطنا الله عليهم؟ كيف يسلطنا؟ بالقوة أم بالمدافع كي نسفك الدماء؟! أم يسلطنا بالعلم؟! لا أعرف، وأشعر بالإحباط أنا الأخرى من حال هذا الطالب.
أسأله وأسأل من يشعر بشعوره ذاته - وأسأل المحبطين من مستوى الثقافة والعلم العربيين: هل عملتم على قراءة أو دراسة لتلك الشعوب؟ هل قرأتم ثقافتهم؟ هل عرفتم اختراعاتهم؟ أم أنكم تعدون العدة كصاحبنا الطالب المحبط، للانتقام؟! هذا الطالب لا يريد أن يحصل على الترتيب الأول، يريد أن ينتقم!
كل ما أقول: "جاتنا ع الطبطاب" واحنا ضيعناها... وليست المرة الأولى التي نضيع فيها فرصة. نددنا وشجبنا واستنكرنا وكسرنا وخربنا... فمن يستنكر أفعالنا؟
فاطمة إبراهيم