عفوية ألحدث و المنطق..!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تداعيات الرسوم الكاريكاتورية المسيئة
صيحة الغضب وألأستنكار وألأدانة؛ التي عمت الشارع العربي وألأسلامي من أقصاه الى أقصاه، ضد "ألرسوم ألأستفزازية" المشينة والتي تناولت شخصية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، قد كان لها مايبررها من حيث كونها جاءت معبرة عن موقف طبيعي من الحدث ألأستفزازي الذي أستهدف المشاعر الدينية لملايين المسلمين في عقيدتهم، وبصفة خاصة رمز تلك العقيدة نبي ألأسلام محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..! وما يميز هذا الموقف، كونه فاق في حدوده كل التصورات المتوقعة، من حيث سعته المكانية، أذ شمل كل أرجاء العالم التي يتواجد فيها المسلمون؛ ومن حيث حجمه ومستوى المشاركين فيه، أذ تميز بشموليته لكل الطوائف الأسلامية وعلى كافة المستويات الشعبية منها والرسمية..!؟
كما ولأول مرة تقريبا، يمكن القول؛ بأن هذا التلاحم الجماهيري الشعبي والرسمي، قلما كان له نظير فيما سبق..اللهم الا في تلك المراحل وألأوقات، التي تكون فيها ألأمم والشعوب في مواجهة حقيقية بعضها ضد البعض ألآخر، أو في حالة دريء خطر داهم أو كارثة طبيعية، حيث يتهادى الجميع لأتخاذ موقف واحد موحد..!
ردة الفعل تلك، كانت بمستوى الغليان والهيجان العارم، الذي أستحال معه، بل وأستعصت كل أمكانيات وقفه أوحتى التخفيف من حدته..!؟
فهل ردة الفعل هذه كانت فعلا "عفوية"، كما يروج لها..؟ السؤال حمال أوجه وألأجابة عليه اكثر تعقيدا من السؤال نفسه..! فلو كان ألأمر حقا كذلك، فأن ثمة سؤال آخر يطرح نفسه بألحاح، وهو سؤال يبطن في طياته عوامل الشك وألارتياب في المقاصد التي تقف وراء ذلك..! لو أن ردة الفعل هذه كانت عفوية فعلا، وما يفهم عن ردة الفعل العفوية ؛ أنها تحدث، وفي اغلب ألأحوال، مباشرة بعد الفعل نفسه، وكعمل مضاد له في ألأتجاه والفعالية.. فالمعروف أن هذا الفعل والذي أسميه "بالخبيث" قد خطط له وجرى تنفيذه منذ شهر أيلول 2005 وكان عملا ظاهرا للعيان، والكل يقر بذلك من مسؤولي حكومات أو ممثلي منظمات أجتماعية، أو قادة سياسيين، أو رجال دين و..الخ من منظمات المجتمع المدني ورجال ألصحافة وألأعلام، وأخيرا التجمعات ألأسلامية التي تقطن الدنمارك ولها وجود فعال فيه، فكيف ياترى، يصاب الجميع بنوع من الغشاوة في البصر والوقر في السمع، وكأن ما حدث لا يمت بقرابة أو صلة لكل ما يتعلق "بردة الفعل" التي هزت العالم من أقصاه الى أقصاه... ولكن، ( بعد ما يقرب من نصف عام..)!!؟
وتأسيسا على ذلك تنفي مقولة "ردة الفعل العفوية" نفسها، لعدم أستنادها لمقومات منطقية أو أدلة مادية، فالفعل "الخبيث" قد أستوفى شروطه من حيث مقاصده ومراميه، أما "عفوية" ردة الفعل عليه - أذا ما أفترضناها- فجاءت ليس فقط متأخرة في الزمان، بل ومنقطعة في التسبيب، وظهرت على السطح وكأنها فعل منفرد قائم بذاته، بل ومفاجيء في حدوثه، ومبالغ في حجمه، وفعاليته، وأتجاهه..! أن توجه ألأساءة - وهي أساءة فاقت في حدودها كل ألأعتبارات ألأخلاقية والقانونية- في أيلول من العام الماضي، ويأتي ألرد عليها في شباط من العام الحالي، فذلك ما يضع مسألة القول "بعفوية" ردة الفعل، في موضع التساؤل وألأستغراب..!!؟
فألأحداث التي عصفت في العالمين العربي وألأسلامي خلال ألأسبوعين الماضيين جاءت وكأنها قد وقتت لأن تحصل ألآن، وما قيل بأن محاولات لأحتواء ذلك، قد جرت في حينه، أي حين ظهور تلك ألأساءة، مع السلطات الرسمية الدنماركية من قبل بعض الهيئات الحكومية العربية وبعض الهيئات ألأسلامية في البلدان العربية، أنما يعزز القول بأن تلك ألأحداث لم تكن أحداثا عفوية، بقدر ماتكون عن فعل مقرر ومؤجل حتى تحين ساعته المناسبة للتنفيذ..!
ومن زاوية نظر المواطن المسلم الذي شارك فيها، فهي بالنسبة له وكما عبرنا في ما تقدم، تمثل تعبيرا عن مشاعره الرافضة والمستنكرة للأساءة، ولا صلة لمشروعية ألأحداث نفسها، بالتوقيت الذي حصلت فيه تلك ألأحداث..! وأن دعوة المواطن المسلم للمشاركة في أستنكار مثل تلك ألأفعال ألأستفزازية، هي دعوة مستجابة لأنها تضرب في صميم مشاعره ألأعتقادية، وهو جاهز أبدا للأستجابة لرد أي فعل يستهدف تلك المعتقدات.. ولا غرو القول بأن المظاهرات المليونية، يمكن أستنهاضها حيثما تكون هناك الفرصة المناسبة لذلك.. فليس الملايين من المسلمين كلهم يمتلكون ذات الوعي الذي يمتلكه ألأخرون سواء كانوا حكاما أو رؤساء دول أو قادة سياسين أو وزراء أو فقهاء في الدين..أو رهطا من المثقفين..!! أنهم عامة الناس من عمال وفلاحين وكسبة وجماهير غفيرة من الكادحين، بل والغالبية منهم تنقصه أمكانية القراءة والكتابة، أو تفسير "الكاريكتير".. وهم أبعد ما ان يكونوا ذو صلة بما يدعى ب(حرب الثقافات، صدام الحضارات، حوار الحضارات، وغيرها من المسميات..)، حتى يمكنهم أن يستحضروا ردة الفعل المنشودة حسب مشيئتهم وأرادتهم العفوية..!
ولعل في المشاركة الرسمية للسلطات الحكومية في العديد من الدول العربية وألأسلامية وكذلك مشاركة رموز دينية معروفة على صعيد العالم العربي وألأسلامي في أحداث الغضب وألأستنكار، ما أضفى عليها، طابعا مميزا أفقدها صفة العفوية والفجائية، أو ما يدعى أحيانا بحالة الهيجان المنفلت..!
لقد شارك الملايين من المسلمين في ردة الفعل المقررة لا لأنهم تابعين فقط، ولكن لأن( الفعلة المنكرة) قد مست صميم مشاعرهم، المقدسة لديهم، فجاءت تلبيتهم لدعوة الأحتجاج وألأستنكار على هذه الفعلة، ممتزجة مع هذه "التابعية" التي كانوا وما زالوا يعتبرونها الطريق الى أرشادهم وتقويم أعوجاجهم ووضعهم في الصراط المستقيم.. أو هكذا هم يعتقدون..!! وهم لا يجدون أنهم مسؤولون عن تداعيات عمليات ألأستنكار وما رافقها من أعمال شغب وأعتداء على ممثليات الدول ألأجنبية وحرق أعلامها، كالدنمارك والنروج وفرنسا، أو حرق الكنائس والتجاوزات على المواطنين المسيحين..؟! ففي أعتقادهم انهم قاموا بواجب كانوا ملزمين بأدائه، وهم لبوا نداءات أولياء أمورهم الشرعيين، والتي تدعوهم ليل نار لأستنكار الهجمة الغربية على مقدساتهم...! ومن غير المنطقي وألمألوف أن رئيس دولة أو وزيرا أو رجل دين..قادر أن يتسلق جدارا لسفارة أو يرمي حجرا أو قنينة حارقة لأحراقها.. فالجماهير الغاضبة أولى بالقيام بكل ذلك.. أليس ذلك هو الغضب بعينه..؟؟؟!
أليست قرون من ألأذلال وألأضطهاد التي عاش في ظلها ملايين العرب والمسلمين كفيلة بأن تجد لها متنفسا في أعمال العنف التي سادت العالمين العربي وألأسلامي..؟ أليس التخلف الضارب بأطنابه في العالم العربي وألأسلامي، دافعا لأنقياد تلك الجموع الغفيرة من المسلمين الى مثل تلك الدعوات، بعيون مغمضة وعقول مغلقة..؟!
الحرب المستعرة اليوم، هي حرب من طرف واحد، في شكلها لا تعدو ان تكون ألا هيجان بحر عصفت به الريح، فتعالت أمواجه لتغرق سفن الجنود، وتمزق أشرعة التضليل..! و في محتواها، لا تعبر الا عن مسعى لأسترداد مجد غاب، للثأر من قهر طال قرونا من السنين، وها هو ألأحتلال يشبعها أذلالا يوما بعد يوم...!
المهم في أمر "ردة الفعل العفوية " هو أنه بقدر ما تعبر عنه من حق في ألأستنكار وألأدانة لعمل مسيء لمشاعر المسلمين المقدسة، وما تمتلكه هذه الجماهير أو الدول التي تمثلها من حق مقاضاة القائمين بهذه ألأساءة، فأنها بنفس القدر قد تسببت في ردود فعل آنية ضد سلوكية وتصرفات غير محمودة لا شرعا ولا أنسانيا، مما كان له أثر سلبي على العلاقات بين العالمين، ألأسلامي والغربي..! ولعل في مظاهر ألأحتجاج والتخندق ضد الجاليات العربية وألأسلامية في الدول ألأوربية، وسماع صيحات وزعيق المتطرفين في هذه الدول بأعادة المسلمين الى بلدانهم، ووصمهم بألأرهابيين، بعض من ردود الفعل تلك على الصعيد ألأجتماعي..! أما على الصعيد الرسمي؛ فقد لوحت بعض دول ألأتحاد ألأوربي:بمعاقبة تلك الدول التي تدعوا الى "مقاطعة" البضائع الدنماركية أو النرويجية..!! ومن ردود الفعل ايضا؛ هو بدلا من توقف عملية التشهير وألأساءة الى المقدسات ألأسلامية، قامت العديد من الصحف ألأوروبية بل وحتى بعض الصحف العربية بأعادة نشر تلك الرسوم المسيئة.. تحت التذرع بالدفاع عن حرية النشر وأبداء الرأي..؟!
فهل أن أحدا من شيوخنا ألأفاضل، من رجال الدين وأئمة المساجد، من قادة سياسيين أو رجال سلطة.. من دقق في ألأمر..؟ من أوقد ذهنه وأعاد ألأمر الى أصله..!!؟ هل من سأل نفسه عن دوافع وأهداف هذه ألأساءة..!؟ هل أن أحدا منهم من أرجع أمر هذه ألأثارة الخبيثة الى من يقف من ورائها، ومن يسندها، ومن له مصلحة في تأجيجها..؟؟! ولماذا غلب أمر تلك الرسوم البذيئة والمسيئة، على أصل المسألة وأهدافها..!؟ أم أن الجمع يقود ألأمر على هواه، وحسب ما تقرره مصالحه النفعية في أستثمار الحدث "العفوي"..!؟ فالخاسر الوحيد في اللعبة هي تلك الجموع الغفيرة التي لبت النداء ولا تعرف الهدف..؟؟!
فلا غرابة أن تستفز مشاعر الملايين من المسلمين في عقيدتها، جراء فعل أنكرته كل القوانين بما فيها قوانين دولة الفاعل (الدنمارك)، والتي يجب أن يكون لها موقف واضح من ألأساءة، فحرية الرأي والنشر لها حدودها في عدم المس وألأضرار بسمعة ألآخرين أو التعرض للمعتقدات والرموز الدينية..!
ولكن وجه الغرابة أن تترجم هذه المشاعر الحقة لملايين المسلمين، بأفعال فاقت في حدودها حد التعبير المنطقي والمشروع عن ردة الفعل وألأستنكار وألأدانة لذلك الفعل ألبغيض ؛ الفعل الذي أستهدف المشاعر الدينية للمسلمين، بغرض تحقيق أهداف مرسومة سلفا أذا ما توخينا الدقة في تحديد ألأهداف المتواخاة من وراء هذه ألأثارة المقصودة لتأجيج المشاعر المقدسة لأكثر من مليار أنسان..!!
لو عرف الجميع بأن ( الدنمارك) وهي البلد ألأسكندنافي الصغير والمشهور بتصنيع منتجات ألألبان، قد حققت أكبر نجاح أقتصادي لها خلال أكثر من عقد من الزمان، حيث اصبحت ألأسواق العربية في مقدمة ألأسواق العالمية المستهلكة لمنتجاتها، والشرق الأوسط أكبر سوق لشركة (آرلا ) الدنماركية خارج أوروبا وتبلغ إيراداته السنوية نحو 500 مليون دولار. وتصل حصة السعودية إلى60 في المئة من هذه المبيعات.* فهل أن دولة تحقق مثل تلك الأرباح، الى هذا الحد من" البطر"، حتى تعرض مصالحها ألأقتصادية الى الخطر، فتقدم على مثل هذا الفعل "المشين" الذي نفذه أحد رعاياها..!؟ أليس في ألأمر ما يبعث على الشك وألألتباس في حقيقة من يقف وراء ذلك..؟ وبأن ألأمر يتعدى عن كونه مجرد "هواية" عنصرية مرفوضة ومدانة..؟ أليس من منطق العقل والتروي والعدل، أن لا يربط ألمرء بين " عملية نشر الرسوم المسيئة "، _ رغم ما تركته من آثار سلبية على العلاقات بين هذه الدولة الصديقة ومجمل العالم ألأسلامي_ وبين العلاقة الحميمة التي تربط العالمين ألأسلامي والمسيحي على مد العصور..!؟ أليس من الواجب الشرعي الدعوة الى التسامح وضبط النفس..؟ أليس من العدل التفريق بين الحق والبهتان..!؟؟
أما الدعوة الى "المقاطعة"، فالمستفيد ألأول منها هو ذلك الذي كان يقف وراء هذه الفتنة اللئيمة، وهي عقوبة أقتصادية أكثر منها رد على ألأساءة، ولا تخدم مصالح الألوف من العاملين في المصانع الدانماركية من المسلمين..!؟ والسؤال الذي يطرح نفسه هو متى سنصنع جبنتنا بأيدينا يا ترى..؟؟
أن ألأدانة وألأستنكار "لفعل التشهير وألأساءة" الذي أستهدف شخص الرسول(ص) عمل مشروع، ولكن في الحدود التي لا تخرج عن أهداف هذه ألأدانة، أو تسيء الى الوجه المشرق والمشرف للدين ألأسلامي كدين للتسامح والمحبة والتآخي والسلام..! كما هو مشروع ومطلوب أيضا، أدانة وأستنكار أعمال الحرق والتجاوز على الكنائس و على رموز الدول ألأجنبية من أعلام وسفارات..!
أما الدعوة الى "العالم الغربي" بتغير "قوانينه"، ففيها من العسف السياسي ما يخرج ألأحتجاج وألأستنكار عن أهدافه الطبيعية، ويحمل ألأمر أكثر مما يحتمل، ويصب في خانة من يريد ان يخلق من ألأزمة طريقا الى تحقيق أهداف سياسية لا ترتبط بأي حال من ألأحوال بالهدف من أدانة التشهير وألأساءة..؟! هذا إذا اغفلنا الكراهية المتزايدة لأمريكا في العالم بسبب ممارساتها التدميرية، وهشاشة الموقف الغربي وتحالفاته في مواجهة العنف وهذا ما يشجع دعاة العنف إلى مواصلة الاحتجاجات بل وطرح مطاليب تتزايد كما ونوعا على لسان هذا او ذاك من دعاة التصعيد مستفيدين من الزخم الجماهيري الواسع والعنيف في الاحتجاج على الرسوم، فهم يريدون الحصول على قرار من الامم المتحدة بمنع مثل هذه الاعمال مستقبلا وهذا يعني في مضمونه الحقيقي وضع الامم المتحدة وحرية التعبير رهن إرادة بعض المرجعيات الدينية المتخلفة التي لا تخفي مطامحها في استعادة مجدا مفقودا مضى عليه مئات السنين دون ان تتعب نفسها في الاستفادة من دروس التاريخ وعبره..!؟
فللغضب حدوده، "ولا يؤخذ سعد بجريرة عمر ".."وكل ما زاد عن حده أنقلب ضده"... وحكمة العقل هي الفاصل ما بين ألأشياء..!؟
باقر ألفضلي