أصداء

هل علينا أن نعتذر من السيد خدام؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

هل علينا أن نعتذر من السيد خدام؟ لنغفر له ذنوبه!

كنت ولا زلت ممن يرون ضرورة مقابلة انشقاق ـ ونضع كلمة انشقاق بين قوسين ـ السيد عبد الحليم خدام عن السلطة السورية بالعقل السياسي الذي يرى ضرورة وأهمية توسيع القاعدة التي تتعارض والنظام فضلا عن أهمية فتح ثغرة مهما كانت هامشية في هذا الجدار المترامي لهذه السلطة المتهالكة على الاستبداد.

ولقد كتبت في ذلك مؤيدا، للسيد المراقب العام لحركة الأخوان المسلمين، الأستاذ علي صدر الدين البيانوني بهذه الرؤية، وباحثت فيها أكثر من جهة، وصديق، وتلك قناعتي لليوم وستبقى سواء أكان المعني عبد الحليم خدام أن غيره.

لكن الحوار المنشور للسيد عبد الحليم خدام، على موقع شفاف المتوسط، يثير أكثر من سؤال ورغبة للكتابة في هذه المسألة، لأنني شعرت بأن السيد خدام لم يستطع إلى اليوم ـ وربما لن يستطع ـ الانفصال عن الأسرة التي قضى في كنفها خمسا وثلاثين سنة وأكثر، وقد يكون الأمر خارجا عن إرادته وللكينونة الإنسانية ضعفها باعتبار أن من شب على شيء شاب عليه، وهو الرجل الذي أمضى ما أمضى في متع دهاليز الحكم والسلطة السورية، ومع ذلك السنين وحدها قادرة على أن تزود من كان دون ذكاء السيد خدام بحكمة تجعل من الحنكة مطيتها وليس العكس.

لا نعرف مالذي يدور في رأس السيد خدام وهو ينطق ب: "لو كان بشّار الأسد عقلانياً، لكان عيّن رفيق الحريري رئيساً لحكومة سوريا"!.
هل هذه هي المشكلة في سوريا؟ أهو الخلاف على الحريري باعتباره ثروة أم باعتباره شخصية وطنية لبنانية ضحى بحياته من أجل استقلال وسيادة وحرية بلده لبنان؟

ويضيف:
"منذ السبعينات، خرج الجيش من السياسة. خلال 35 سنة، لم يكن الجيش يتدخّل، بعكس ما كان يحصل في السابق. ولا يجوز إعادة زجّه بالسياسة، لأن هذا يضعف الجيش والبلاد."

ألا يعرف السيد خدام أكثر منا الدول الذي كان مناطا بالجنرالات والأولوية هشام بختيار وحسن خليل وغازي كنعان وعزالدين إسماعيل وفاروق عيسى وتوفيق جلول وابراهيم صافي وأحمد عبد النبي وعبد الرحمن الصياد باعتبارهم مجلس وصاية الخلافة في حال وفاة الرئيس الأسد، وأن دوره هو ومصطفى طلاس ومجلس الشعب، لم يكن سوى الديكور الذي يرافق الاحتفال؟
رغم اعتراف السيد خدام أن النظام السوري متماه في شخص الرئيس كائنا من كان، حتى لو كان بشار الأسد على الرغم من النقائص التي خلعها عليه هو بلسانه في أكثر من حديث لا داعي لتكراره، وأن هذا النظام غير قابل للإصلاح ولا للتطور ولذا يلزم تغيره كنظام وأدوات وشخوص وديكور، دون أن يقول لنا كيف وصل هذا الرجل بشار الأسد إلى السلطة؟ ولمن كان الدور؟ أكان هو النائب للرئيس المتوفى تنازل عن رضى وقناعة لأهمية شخص الرئيس بشار الفذ؟ وهل بنفس الرؤية يقيم ضرورة اختيار الرئيس الحريري لرئاسة الوزراء؟ أم أنه كان مأمورا في إجراء الخرق الدستوري والتنازل عن حقه الطبيعي في الرئاسة باعتبارها مسؤولية دستورية وإذا كان الأمر كذلك لماذا لم يستقو بالجيش الوطني باعتباره حكما القائد العام للجيش الحامي لدستور البلاد أم أن في المسألة ما فيها ويريد السيد خدام أن يقنعنا بما لا يقتنع به هو، في قوله هو:

"المطلوب تغيير النظام، والنظام هو بشّار الأسد. هل تعتقد أن النظام هم هؤلاء البؤساء الذي يدورون في فلكه؟ هؤلاء أدوات. إن النظام غير قابل للتغيير. حاولت وحاول غيري إصلاحه منذ مطلع السبعينات. ولكن طبيعة النظام وآليات عمله لا تساعد في إصلاحه، أو تطويره. وبالتالي لا بد من رحيله وبناء نظام جديد يرتكز على قواعد جديدة.
النظام الحالي يقوم على تمركز السلطة لدى رئيس الجمهورية. والمؤسسات الدستورية مجرّد واجهة لتغطية قراراته وتصرّفاته.

لكن السيد خدام يعود في جواب على سؤال آخر يدافع عن النظام ذاته وفي أسوأ محطاته أي دخوله ومخازيه في لبنان حين يردد الكليشة الإعلامية الرسمية السورية يقول:

أبداً، هذا الكلام غير صحيح. دخلنا إلى لبنان لوقف الحرب الأهلية، وبمناشدة من الجميع، ولا سيما من المسيحيين. وكانت هنالك احتجاجات أميركية متعددة، وسأشرح ذلك في مذكراتي. طبعاً، الولايات المتحدة لم تتّخذ إجراءات ضد الدخول السوري، وقد تكون ارتاحت رغم ذلك لأنه في تلك المرحلة كانت هنالك مفاوضات بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة حول "سيناء 2". وربما اعتقدوا أن انشغال سوريا في لبنان يسهّل عليهم التوصّل إلى اتفاقات. وهذا ما حدث فعلا.

لكن السيد خدام أكثر إطلاعا منا جميعا ولا يخفى عليه أن هذا النظام توج أول ما توج به دخوله سحق مخيم تل الزعتر ودخل لسحق الحركة الوطنية اللبنانية المتحالفة مع المقاومة الفلسطينية ودخل دعما للقوى الكتائبية التي كانت تتعاون مع إسرائيل على المكشوف ونعيده إلى الحوار الذي دار بين كيسينجر واسحق رابين آنذاك وأن هذا النظام ارتكب مجازر وهو بالتأكيد يعرف وصية حافظ الأسد لضباطه في شتورة موصيا إياهم بوصية ميكيافيللي للأمير، ولا ندري لماذا يصر السيد خدام على أن كل شيء في هذا النظام كان دح، ولكنه أصبح سيئا يوم تخلى عن خدماته هو بدلالة قوله أنه وغيره حاولوا الإصلاح منذ سنة 1970 نعرف أن غيره حاول ما حاول بشكل أو بآخر أما هو فيا ريت لو يدلنا على محطة من محطات محاولاته الإصلاحية تلك خاصة وأننا نعرف أن كل من حاول أن يخرج قيد أنملة عن هذا النظام أصبح في الهاوية ( خليفاوي، ناجي جميل، رفعت الأسد، علي حيدر، ومحمد سلمان، شفيق فياض، أحمد اسكندر، الكسم و الزعبي وغيرهم..) فما السر في بقاء السيد خدام كل هذه المدة لحينما قبض كل تعويضاته، و ذهابه الى استسماح السيد الرئيس بشار الأسد السفر إلى الخارج لكتابة مذكراته.

خدّام:
"منذ السبعينات، خرج الجيش من السياسة. خلال 35 سنة، لم يكن الجيش يتدخّل، بعكس ما كان يحصل في السابق. ولا يجوز إعادة زجّه بالسياسة، لأن هذا يضعف الجيش والبلاد."

كان من المفروض ألا يحاول السيد خدام أن يراوغنا بالقول أن الجيش في سوريا خرج من السياسة، وهو يطمح اليوم إلى مكان له غير الذي كان في هذا الوطن السوري. مكان يختلف عن اليوم إلي سبق خروجه من سوريا، مكان بين الوطنيين الشرفاء على ضعفهم ومهيض جناحهم وتخلخل قواهم، وهو يعرف بالتأكيد سبب كل هذا الضعف وسبب هذا الدمار الذي ألحق بالوطنيين الشرفاء، فالمسؤول الأول هو النظام الذي خدمه بالرمق الأخير ليومه الأخير، وهو يعرف أن قوة هذا النظام الأساسية من التركيب الذي ركب به الجيش السوري وعليه أن يكون شجاعا ويقول لنا لماذا هذا الجيش لم يحرك ساكنا من العام 1967 ولا لمهم وطنية واحدة لماذا لم يرفض ولا ضابط ولا كتيبة أمرا بالمجازر التي ارتكبت في لبنان وبحق الفلسطينيين لماذا لم تتمرد ولا قطعة عسكرية واحدة ولا ضابط واحد على أوامر قادته المجرمين في المشارقة وحلب وحماه وجسر الشغور ولماذا لم يطلق ولا مجنون واحد من هذا الجيش العرمرم بقيادة السيد مصطفى طلاس الديكورية والسلطة الفعلية كانت ل:لجنرالات: آل الأسد والمخلوف واصلان ودوبا والخولي وكنعان وحيدر وجلول والمعلا وشفيق فياض وحسن خليل وعلي حبيب وابراهيم صافي وهشام بختيار وغيرهم ممن نجهلهم نحن ويعرفه هو علم اليقين ـ ولا طلقة عبر الحدود مع جولان المحتل وهذا الجيش الذي يستهلك ثلثي ميزانية البلد.ومع ذلك فهذا الجيش ضعيف أيها السيد النائب حيث يجب أن يكون قويا في مواجهة الأعداء الخارجيين، وقوي حيث يجب أن يكون ضعيفا أي بمواجهة الشعب أم عند السيد خدام رأيا آخر؟

خدام: الرئيس حافظ الأسد انتخب أول مرة بإجماع شعبي. كان هنالك خنق للمجتمع فجاء هو بانفراج، استقبل بجماهيرية في أنحاء البلاد في السبعينات. ولكن النظام في سوريا قسم الشعب إلى طائفتين: الأولى طائفة الموالين للنظام، والثانية طائفة غير الموالين.. باب المنافع كان مفتوحاً لجميع الانتهازيين من مختلف الطوائف. ولكن الأخطاء المتراكمة والاستئثار بالسلطة والعنف والفساد والعجز الاقتصادي جعل طائفة غير الموالين هي الأقوى.

الصراحة الوطنية تلزم السيد خدام الاعتراف، أن حافظ الأسد أتى إلى السلطة بقوة الانقلاب العسكري وبقوة الوحدات الطائفية والعشائرية التي كان قد ركبها داخل مؤسسة البعث العسكرية وبهذه القطعات العسكرية استولى على مؤسسة الجيش، وبمؤسسة الجيش احتل البلد وأفسد من أفسد ووالى من رضي بالموالاة ودمر من حاول المقاومة، والإجماع الشعبي الذي يتحدث عنه هو بالضبط ذلك الإجماع الذي اجتمع عليه في البرلمان يوم قرر ابنه التشهير بالسيد نفسه

خدام:
... الفقر في الساحل السوري مثله مثل أي منطقة أخرى. حملة الشهادات الجامعية يعملون في أي عمل..!

هل يصدق السيد خدام ما يقول؟ ويريدنا أن نصدق كلامه في أن كل سوءات النظام تتمثل بفاروق الشرع، وهل صحيح أن الفقر في دير الزور والجزيرة والرقة مثلها مثل الساحل السوري ويريدنا أن نصدقه أم أنه يفترض أن هذه الأحاديث يعطيها لصحيفة البعث أو يرددها في الاجتماعات الحزبية؟

خدام:
نشأت علاقات جيدة بين سوريا والثورة الإسلامية كانت تقوم على المصالح المشتركة. وكان ذلك بسبب الصراع بين دمشق وبغداد، وبسبب حرب العراق مع إيران. في مرحلة بشّار، لم يكن عنده رؤية سياسية حول الوضع بالمنطقة، فتصرّف كطالب في ثانوية أو في جامعة، واستخدم خطاباً متوتّراً في حين كان يقدّم التنازلات.

لنا أن نسأل السيد خدام وهو يغدو واحدا منا ومرشح لأن يصبح قطبا من أقطاب المعارضة هذا إذا لم تكن تطمح لأن تتزعمها، إذا كان بشار الأسد يتصرف تصرف طالب في ثانوية ونضيف طالب ومدلل فماذا كنت تفعل منذ العام 2000 إلى يوم إعفائك وتوديعك عند طالب ثانوية غير نبيه/ ونسأل إذا كانت العلاقات السورية مع الثورة الإسلامية كانت جيدة وتقوم على المصالح المشتركة منذ العام 1979، وضد العراق هل لك إن تقول لنا ماذا كانت تفعل عندك العشائر العربية العراقية والتي بدأت باستقدامها إلى مكتبك منذ سقوط نظام صدام حسين؟ وأي هدف وطني كانت لتلك النزعات العشائرية التي أوكلت مهمة إثارتها إليكم بين عشائر الشامية والبوكمال والزور والجزيرة؟

نضع هذه الأسئلة أيها السيد النائب، وينتابنا خوف، من أن تأتينا بعد مدة وتطلب من الشهداء وأسرهم ومن المعتقلين الذين أمضوا في سجون السلطة ـ حيث خدمت باستقامةـ سنوات العذاب الطويلة المحرومين من حقوقهم المدنية حتى بعد مرور عشرين سنة، ومن المنفيين والهاربين أن يعتذروا منك لأنهم أفشلوا وعرقلوا الخدمات التي حاولت وغيرك إصلاح السلطة به فأفسدوا عليك متعة النيابة كما فسدت عليك بطولات لبنان.


نطرح هذه الأسئلة ونعلم أن السيد خدام وكثيرون غيره، مثل قيادة الجبهة الوطنية التقدمية لم يكن لهم لا حول ولا قوة سوى تجميل وجه النظام القبيح وأنهم بالضبط كانوا من الفئة التي يقول عنها السيد عبد الحليم خدام بعظمة لسانه:
....والمؤسسات الدستورية مجرّد واجهة لتغطية قراراته وتصرّفاته.

وهو وغيره ممن انتموا إلى الفئة المحظية التي يشرحها بلسانه:
خدام:
.ولكن النظام في سوريا قسم الشعب إلى طائفتين: الأولى طائفة الموالين للنظام، والثانية طائفة غير الموالين.. باب المنافع كان مفتوحاً لجميع الانتهازيين من مختلف الطوائف. ولكن الأخطاء المتراكمة والاستئثار بالسلطة والعنف والفساد والعجز الاقتصادي جعل طائفة غير الموالين هي الأقوى.

نريد منهم الالتزام بفضيلة الاعتراف بالحقيقة فقط لا غير، إذا كانوا يريدون فعلا أن نصبح شركاء.
ربما ينسى السيد عبد الحليم أن معارضة النظام السوري لم تشرعها ضرورات حادث الاغتيال الذي تعرض له السيد رفيق الحريري، على أهميته، بل أنه يكتسب مشروعيته من المهمة الوطنية الداخلية إنقاذ الوطن من الفئة التي سخرت مصالح البلد منذ سنة 1970. والتغيير في الداخل السوري لوكان قد تم بجهود السيد خدام والغيورين أمثاله، ممن حاولوا وفشلوا، لكن برخاء العيش، لما استشهد رفيق الحريري ولما تدمر لبنان إلى الحد الذي تدمر ولما انتهبت الثروة الوطنية بالشكل الذي أنتهبت ولما شاع الفساد ولما نزلت مؤسسة الجيش إلى حضيض العسكر المأمور ولما فشل شرفاء الوطن وبتضحياتهم الكبيرة في السجون والمنافي والملاجيء وشظف العيش أيها السيد، شرفاء بلدك بفضل خدماتك يعيشون على حافة الموت والجوع ويرفضون ذل الاستكانة أن يسكتواعلى أن يحكم الوطنيين أمثالك من رؤساء بمرتبة طلبة الثانوية غير النبهاء فعليك أن ترتقي بصراحتك وتواضعك إلى المرتبة التي أعطاك السيد البيانوني شرف الصعود إليها وهو يتكيء على الجراح الكبيرة، الكثيرة، ويتحمل بشجاعة مسؤولية المغامرة التي أملت عليه فتح صفحة المصلحة الوطنية على آخرها.

نقول هذا الكلام ونقول بأن مصلحة الوطن وضرورة التغيير تقتضي أن تفتح المعارضة الجادة محيطها ويتسع عفوها لكل من دخل بيت أبو سفيان آمنا، لكل الطلقاء، شرط أن يتعلموا أن للقطع مع الطغيان والفساد والظلم شروطا أولها استغفار الله والعباد، وثانيها تعلم فضيلة السكوت بحضور أهل الحق والمظالم وأن يستتروا بما فعلوا.

بشار العيسى

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف