مغامرات سلاطة في مترو الأنفاق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كنت قد عاهدت نفسي أني طالما أعيش في ذلك البلد سأكون مغمضة العين.. مغيّبة العقل.. مكتومة الفم و الأذن و الحنجرة!!
أذهب لعملي و منه للجامعة.. و الاثنين و لله الحمد بهم أناس محترمة أقنع نفسي بأنهم أغلبية المجتمع و أن مصر بخير و الدنيا وردي.. و الزبالة مسيرها تتشال.. و الإنتخابات مسيرها تتعمل.. و المواطنة جاية في السكة أهيه.. و أدندن في حب جارف "حلوة يا بلدي"..
إلي أن جاء اليوم الذي عرفت فيه معني "القشة التي قسمت ظهر البعير".. و كنت أنا طبعا البعير بلا فخر..
أصبح من الطبيعي في السنة الأخيرة أن تقل عربة السيدات في مترو الأنفاق فتشجيك راكبة "بدعاء الركوب" و تطلب من الراكبات أن تردده خلفها!!
"بسم الله و الحمد لله سبحان الذي سخّر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و إنا إلي ربنا لمنقلبون.. الحمد لله الحمد لله الحمد لله.. الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. سبحانك اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت."
الحمد لله حفظته بعد سنه من الترديد اليومي.. ما هو لو محفظتوش أبقي غبية..
تأقلمت عليه و اعتدته.. و أصبحت لا أستنكره.. و اليوم الذي لا أجد شابة أو اثنتين يرددنه ينتابني قلق و أدعو الله لهم بالخير و أقول "الغائب حجته معاه"..
إلي أن جاء يوم مشئوم تخليت فيه عن حكمتي و رصانتي..
قالت دعاء الركوب... عادي... ثم استأذنت الراكبات أن تذكرهم بحديث لرسول الله... ماشي...
ثم بدأت تخطب!!!!!!!
لأ مش ماشي بقي.... قلت يا بت أسكتي.. دول لو قاموا عليكي هياكلوكي و مش هيبانلك صاحب... يا بت اعقلي.. يا بت..!!!
و لم أدر بنفسي غير و أنا متجهة إليها أسألها بكل سذاجة عما تفعله!!!
قلت لها حضرتك بتتكلمي في الدين و إحنا في مرفق عام.. من فضلك كفاية كدة..
قالت -بلهجة تقوي مصطنعة- يا "أختي" أنا أتكلم فيما يفيد الناس و لم أجرح أحد..
قلت لها بنفس الاحترام و أنا أقدرك و أحترمك لكن هذا الوعظ الديني مكانه الجامع و ليس مرفق عام لجميع الناس.. نحن في مترو الأنفاق..
قالت "يا أختي" (و هي تمسك يدي) الناس دي كلها عايزة تستفيد.. و أكملت خطبتها دون أدني اعتبار لتلك الإنسانة المعترضة.
قلت لها بصبر نافذ "لا يا سيدتي أو آنستي" أنا لست أختك.. أنا مسيحية و مش عايزة أسمع الكلام ده..
و هاجت العربة و ماجت.. و كنت كمن يلبس أحمر في حلبة ثيران هائجة..
و وجدت تلك الوجوه السمراء التي يتغنون بها و لها و "الشمس اللي في سماري و الشكل اللي في ملامحي" كل هذا تحول إلي أنياب و أسنان دارسة (أول مرة أشوف وش كله أسنان).. و بصوت كهدير الطاحون "لو مش عاجبك إنزلي أو إتلقحي في آخر العربية!!".. و لم أدر من أين جاءتني تلك الحماقة.. بس قلت يا بت "لو سرقتي اسرقي جمل"..
صرخت في وجوههم.. "لا هنزل ولا هتلقح في الآخر.. اللي عايز يسمعها يأخذها و ينزلوا يسمعوا زي ما هما عايزيين"..
و توجهت إليها بحزم لا أعتقد أنه سيأتيني ثانية.. "عايزة تتكلمي.. إديني اسمك و رقم بطاقتك و قولي اللي أنت عايزاه".. صرخت فيّ عجوز شمطاء "ليس من حقك أن تأخذي رقم بطاقتها" قلت لها "إذن ليس من حقها أن تطربني بكلام لا أبغي سماعه"..
طبعا هي أكملت كلامها دونما أي وجل أو تردد.. و أنا أكملت بقية حديثي أكلم نفسي..
كان هذا من الهموم المضحكة.. أما من الهموم المحزنة هو موقف بعض المسيحيين في العربة.. لاموني و عنّفوني علي موقفي الذي أسمعهم من الكلام أحطه و أنالهم من النظرات أدناها.
"أنتِ مبتقريش الإنجيل؟! المسيح قالنا أنكم هتتعبوا و هيكون لكم ضيق.. اسمعي من هنا و طلّعي من الودن التانية.. إحنا مالنا!!"
قلت لهم أنا لم أفعل ذلك لأنها مسلمة، لو كانت مسيحية و تتكلم في الدين في مكان عام لن يختلف ردي..
نعم المسيح قال أنه سيكون لكم ضيق.. لكن لم يقل أبداً ألبسوا الباطل ثوب الحق.. بل قال أن "مبرئ المذنب و مذنب البريء كلاهما مكرهة الرب"
كان مسالما محباً.. نعم.. وديعا و متواضعا.. نعم و ألف نعم.. لكن لم يكن ضعيفا و لم يكن سلبياً، و كيف لسلبي أن يغير حياة ملايين البشر يا خلق ياهوه؟؟؟
متي سيعي الأقليات أنهم هم من يزيدوا الطين بلة؟؟ قال له "يا فرعون مين فرعنك؟؟ قاله ملقيتش حد يلمني.."
لم أقل أني أنا من "سيّلم" كل الفراعين.. لكني أرفض أن أكون -في بلدي- كماً مهملاً لا يعتد بوجوده.. أرفض أن يكون الاعتراف بي منّاً و عطفاًً.. أرفض أن أستعبد لقانون "اسمعي و أسكتي".. أرفض أن أكون مواطنة ترسو (إذ أن الدرجة الثانية أصبحت رفاهية.. بعدما رضينا بها لم ترض هي بنا)
نزلت في محطة "أنور السادات" و قمت بعمل شكوى..
بعد هذا العرض الشيق للفيلم المصري "مغامرات سلاطة في مترو الأنفاق" الذي تفوق علي صديقة الهندي "شلاطة في الأدغال" و ضربه علي عينه.. أجد أسئلة أود من أولي الأمر أن يجيبوا عليها..
- هل تعلم الدولة بما يحدث؟؟
إن كانت لا تعلم فهذه مصيبة، و إن كانت تعلم و "مطنشة أو مصهينة" فهذه مصيبة أكبر..
- و سؤالي هو لمصلحة من؟؟
هل لمصلحتها هي حتى تكون الخيار الأكثر أمناَ؟؟ أم أن هذا التيار المتشدد تسرب داخلها؟؟
ما الحل فيمن يحب تلك البلد؟؟
القرفان و الزهقان و العيان.. بيسافروا.. انما الولهان يعمل إيه؟؟
اللي بيحبها يعمل إيه في نفسه؟
ماذا تفعل حينما تحب من يدمي قلبك و يجرح كرامتك و يسلبك أبسط حقوقك؟؟
جدتي كانت تنشد لي أغنية عفاف راضي "مصر هي أمي".. صدقت أنها أمي.. لم يخبرني أهلي أنها ستكون مراة أبويا مش أمي..
لو كانوا أخبروني ما كنت عشقت غروبها و نيلها و أداعبها بكل وله قائلة "عمار يا مصر".. ما كنت سأكن لها كل هذا الحنين و الشوق.. ما كنت سأصدق كل من يتغني بحبها "و أغني معاه زي الهبلة"...
لو كانوا أخبروني ما كنت تنشقت هوائها ملئ رئتي..
لو كانوا أخبروني ما كنت أحببتها.. و كنت هيأت لي وطناً آخر.. وطناً يصون كرامتي و يأبه لوجودي..
و دي جزاة اللي يسمع كلام ماما و بابا..
ماريا جورج
مصر