أصداء

يا أطوار هل قرأتِ الدون الهادئ؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

قلت لها أبحث عن نسخة من الترجمة العربية لكتاب " كنزا ربَّا " الكتاب المقدس للصابئة المندائيين، وقالت إنَّ لديها نسخة أهداها لها أحد المراجعين للكتاب، ثم جاءت بالكتاب لكي أقرأه ثم أعيده لها.
كنت أتمنى الاحتفاظ بالكتاب، وطلبت ذلك منها فقالت إنه إهداء، ورجوتها أن تتركه لي مقابل أن أعطيها رواية الدون الهادئ لشولوخوف، وقد وافقت مبتسمة واشترطت أن تأخذ من كتاب كنزا ربَّا صفحة بيضاء في البداية عليه الإهداء لها.
وهكذا.. كلما فتحت كتاب " كنزا ربَّا " لقراءته أو حتى لرؤيته، تذكرت مباشرة.. الزميلة أطوار بهجت.. التي راحت هي أيضاً ضحية إرهاب أعمي يعمل بكدح لا يتوقف على تحويل العراق كله إلى محرقة.
أطوار بهجت.. الشابة العراقية والإعلامية، التي تعرفت عليها أول مرة في إبريل نسيان من عام 2003 في بغداد، وعملنا معا لمدة شهرين تقريباً، قبل أن أغادر متذكراً أيضاً ابتسامتها وضحكتها الساخرة من.. العلوج.. كما كانت تطلق على الجنود الأمريكيين، وكانت أطوار أحد العراقيين الذين تمنوا أن يزول النظام السابق بوسيلة أخرى غير الاحتلال الأمريكي، ولما حدث الغزو لم تخفِ مشاعر العداء تجاهه.
أطوار تكتب الشعر، وهل ثمة عراقي خارج الشعر، وقد قابلتها مرة ثانية في يوليوـ تموز من عام 2004 في بغداد أيضاً وكانت أطوار تعمل مراسلة لقناة الجزيرة، قبل أن تنتقل للعمل في قناة العربية، لتذهب شهيدة الحرص على أداء واجبها تجاه ما حدث في مدينة سامراء تلك المدينة التي تنتمي إليها أطوار بهجت السامرائي، لكن القتلة وضعوا حداً لحياتها بإطلاق الرصاص عليها، في لحظةٍ تجسد همجيةً طالما عانينا منها في حياتنا العربية ومازلنا نعاني بأشكال مختلفة أشهرها وأكثرها بروزاً هو.. القتل.
كنتُ قد تعرضت لحادث في بغداد، كاد أن ينتهي بالموت ذبحاً أو بالرصاص، وكان قدري أن أنجو، وزارتني أطوار وذهبنا معاً إلى مقهى بغدادي وشربنا شاياً وقرأنا شعراً، في لحظةٍ كنا نحاول فيها كبشر أن نشعر ببعض الطمأنينة في محيط شاسع من الرعب والخوف.
صباح يوم استشهاد أطوار دخلت مكان عملي وما أن شاهدتني الزميلة رفاه العراقية أيضاً حتى بادرتني متسائلة : هل ماتت أطوار ؟ فكلانا يعرفها، وعلى الفور قمت بالاتصال برقم أطوار بهجت المحمول، ورن الهاتف ولكن الأمل انقطع تماماً فقد انقطع الرنين وعلمنا بعد ذلك أن أطوار قد أصبحت في معيِّة الضوء مع زميلين لها.
طفرت دموعي مرهقة بالتعب من كل شيء ومن الحزن ومر كالعادة هذا الشريط الذي يمر على أحد الأحياء كلما فقد قريباً أو صديقاً أو زميلاً، ورأيت أطوار في ضحكتها وفي إطلالتها على الشاشة مراسلة لأخبار المحرقة في العراق، حتى طالتها نيران هذه المحرقة وذهبت بها إلى الخفاء، حيث لا يمكن لنا أن نهاتفها أو نتحدث معها.
يا أطوار بهجت، يؤلمني أن أحذف رقمك من قائمة هاتفي وأنا الذي كنت أود أن أسألك دائماً وأنسى.. هل قرأتِ الدون الهادئ ؟
لقد قرأت أنا " كنزا ربا " وأحتسبك يا أطوار شهيدة ولتكن روحك النبيلة سلاماً لبلدك النبيل.

إبراهيم المصري

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف