التحريض والأزمة العراقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مشهد تاريخي يوثّقه الإعلام - الخليجي بصفة خاصة- يمكن أن يجدد صبّ اللعنات على أحفاد " ابن العلقمي" و أتباع أهل البيت (ع)، إنه التحريض " المسكوت عنه أخلاقياً" ذلك الذي تشهده الأبصار و تسمعه الآذان حالياً، فالتحريض مفهوم بغيض ينتعش في بيئة الخلافات والاختلافات، و هذا المصطلح طُرح في قمة "واي ريفير" في العام 1999 م بين الفلسطينيين والصهاينة ولم يتفق عليه الطرفان حيث اعتبر الصهاينة أن مجرد " تغطية أخبار ممارساتهم الوحشية ضد الفلسطينيين" تحريضاً.!
فالبعض يعتبر التحريض " تعبئة" والآخر يعتبره" إرهابا " و يمكن أن يتداخل هذان المفهومان في مساحة تتحول فيه التعبئة الى " إرهاب ". فالموضوع إذاً محكوم بالموقف والموضوعية ليكون الحكم على التحريض موضوعيا أم لا أيضاً.
ولو عدنا الى الساحة العراقية حيث هناك واقع مؤلم لا يمكن الهروب منه وهو التلازم الموضوعي بين ما حدث يوم الأربعاء " الأسود" بانتهاك حرمة المقام المقدس للإمامين العسكريين (عليهما السلام) و حرمة أهل بيت النبوة الطاهرين (ع) وبين مشاعر طائفة كبرى من المسلمين بدرجة خاصة وبقية المسلمين بصفة عامة فسنجد بلا شك أن هناك حالة تحريضية يقودها الإعلام الخليجي بالخصوص بمشاركة طارق الهاشمي أمين عام الحزب الإسلامي و عدنان الدليمي رئيس مؤتمر أهل العراق والشيخ أحمد الكبيسي و حارث الضاري بمشاركة إعلامية خليجية - مع شديد الأسف - و أول هذه الدلائل هو اعتبارهم الاعتداء على " مقدس شيعي " فقط وليس إسلاميا.
و نعت احدى الصحفلاجراءات الحكومة العراقيةبـ " الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة لحماية السنة ".
أو التعاطي مع العنف بأنه موجه ضد السنة باعتبار أن كل القتلى الذين بلغ عددهم 130هم من أبناء السنة، بينما في الحقيقة أن أكثر من 45 جثة من هؤلاء الضحايا هم من المعزين و أتباع أهل البيت (عع) ولم يكونوا من أبناء الأخوة السنة.!
ويضاف الى تلك الجرائم جريمة قتل الفريق الإعلامي وهم الصحفية أطوار بهجت وزميلاها و هم الذين التي قتلوا على أيدي تكفيريين إرهابيين إلاّ أن وسائل الإعلام الخليجي أثارت الجانب الإنساني في المتلقي و هذه مهنية جادة هذه المرة، إلاّ أن نفس تلك الوسائل الإعلامية أغفلت هذه المهنية في القضية الكبرى وهي تفجير الضريح لتحرف الموضوع عن مساره وتتحول الى أدوات تحريضية من خلال حرف الأذهان عن الجريمة الكبرى ليصبح الحدث هو " حرق مساجد سنية" إذ وصف بيان جبهة التوافق في بيانه رقم 121بأن إحراق عدد من المساجد " جرائم تاريخية " في حين كان بيانه رقم 120 حول " نسف المقام المقدس" لم يكن مكتوباً لإبداء الأذى النفسي الشديد تجاه انتهاك تلك المقدسات! بل كان البيان في خطابه منصباً لنفي التهمة فقط من خلال نقطتين رئيستين تؤكدان براءة السنة من هذه الجريمة فقط ولم يتم الإشارة فيه حتى إلى التكفيريين و الإرهابيين الذين عاثوا قتلاً و إرهاباً في أتباع أهل البيت (عع) بل أن البيان يحاول توجيه اللوم إلى بعض أتباع أهل البيت(عع) بلا حياء ولا خجل، أو ليس في ذلك تحريضاً مرفوضا؟!
و إن لم يكن ذلك تحريضاً يندى منه الجبين فماذا يمكن تسميته إذا؟
و في أي خانة يمكن الحكم على موقف هؤلاء؟
فإن ما شاهده المراقبون من متابعة وتغطية إعلامية لبعض التجاوزات التي حدثت بعد تلكم الجريمة النكراء و ما تبع تلك من مؤتمرات صحفية متشنجة عقدها بعضهم إنما هو رسالة طائفية واضحة مفادها أن غضبتهم لتلك التجاوزات أكبر من غضبتهم للجريمة الكبرى الذين اعتبروا أنفسهم غير مستهدفين بها.!
كما أن غضبتهم لردود الفعل - ويا للعجب - كانت أكبر بوضوح من غضبتهم من الجريمة الكبرى ذاتها، بل كأن المتفحص في ذلك الإزباد والإرعاد البادي على وجوه بعضهم أو في كلماته لا يجد أي أسف لما حدث لتلك الجريمة النكراء!.
وهذا لا يعني القبول بما حدث من تجاوزات و انتهاكات لحرمة بيوت الله أو تبرير سفك دم أحد كما حدث بعد الجريمة بأي صورة، أو تحت أي عذر أو تبرير أبداً.!
و لو عدنا لمفهوم " التحريض " وتشخيص ما يحدث إعلاميا تجاه أحداث العراق خصوصاً السياسية والاجتماعية لوجدنا أنها لا تخرج عن سياق سياسة أمريكية احتلالية و ليست منفكة عن سياسة الكيان الصهيوني بزرع الفتن في جسد الأمة الواحدة عن أمرين :
الأول - هو التحريض لأهداف محلية
وهو احتلال عسكري للعراق تحاول السياسة الأمريكية أن تتغلب فيه على واقع رافض لهيمنتها أياً كانت دوافع هذا الاحتلال ومبرراته من خلال وقائع على الأرض أكدها إصرار غالبية العراقيين على خروج القوات المحتلة وتفعيل بناء الدولة التي تحفظ الإرادة الشعبية متحدين الإرهاب الجارف و الموت والأخطار بالانتخابات الدستورية وإقرار دستور ومرجعية قانونية لكافة العراقيين الذين يعلمون بأن كل ويلاتهم إنما هي من صناعة الإدارة الأمريكية وأن لا سبيل إلى التخلص من هذا الكابوس إلاّ تفعيل دور دولة القانون و احترام إرادة الشعب الذي أدلى بصوته في الانتخابات المتعددة.
إن هذا يعني أن التحريض أحد أهم المناهج المعتمدة لإنجاح هذا المخطط الاستعماري، فلماذا يقبل بعض العراقيين أن يكون لاعباً - أمريكياً - في ساحة التحريض التي يقودها السفير الأمريكي زلماي خليل زاده تجاه طرف معين؟
الثاني - التحريض لأهداف خارجية
تشهد الساحة الدولية تحريضا من نوع آخر له علاقة بالصراع الإسلامي الصهيوني وهو حصر التجربة العراقية الانتخابية في أضيق مساحة ممكنة واستخدامها كسوط موجه لحكومات ترفض بمكوناتها الثقافية التاريخية التواصل مع معطيات التجربة العراقية بغير مبرر، بالإضافة الى رفضها بمكوناتها الثقافية والاجتماعية و العقدية التواصل الكيان الصهيوني، و يراد من هذا التحريض التلويح لحكومات المنطقة بأن الإرادة الشعبية العراقية بالخصوص - والديمقراطية المزعومة - لا تحمل الود للمحيط الإقليمي " العربي" كما أنها ليست هي الأساس لرسم سياسة الحكومات و أن هناك قدرة يستطيع المحتل من خلالها إثبات أنه يملك أدوات خطيرة بالتأثير حتى مع وجود مرجعية قانونية، كما أنه يستطيع توجيه المجتمع الدولي بنفوذه لفرض إرادة تخالف إرادة حتى من يملك التفويض الشعبي أيضاً وهذا يأتي بعد فوز حماس في الانتخابات الأخير التي أوجدت صدمة كبيرة في صالونات السياسة الاستعمارية والاستكبارية، إذ رأت تلك السياسة أن يكون هناك تحريض من الساحة العراقية لخارجها والعكس صحيح أيضاً لإضعاف إمكانية الانسجام - الطبيعي - مع هذا المحيط، فهو انسجام سوف يعرقل بلا أدنى شك كل المشاريع المبيّته والمعدة في ملف الخارجية الأمريكية بعنوان " الفوضى الخلاّقة" والتي أصبح فيها "زلماي خليل زاده" المدير والمسؤول عن إدارتها في تلك الساحة.
وللخروج من إشكالية مفهوم التحريض يمكن الكشف عن أسباب وعوامل تجاوب بعض الأطراف العراقية مع المحتل في تحريضه لطرف ضد طرف آخر بل و الاستفادة من صوته التحريضي كلما كانت الأوضاع تبدو فيه أقرب إلى الحلحلة وتنسجم متطلباتها مع تغييب واقع إرادة الأغلبية.
إن لأتباع محبي أهل البيت (ع) أكثر من مبرر وعذر بإيجاد و تفعيل هيئة اجتثاث البعث، ولهم العذر والمبرر في محاربة الحواضن الاجتماعية للإرهاب التي عانوا منها حتى الان، ولكن ما هي مبررات تلك الأصوات التي تتهم أتباع أهل البيت(ع) بنسف وتفجير مقدساتهم؟
أليس ذلك إهانة و استفزازا و هو أكبر من تحريض؟.! وهل في ذلك أدنى موضوعية لهذا التحريض يمكن أن يحتملها غالبية الشعب العراقي؟
لقد أثبت محبي و أتباع أهل البيت(ع) في العراق حتى الآن مع ما تكبدوه من ظلم وتعسف سابق و مع ما تحملوه من إرهاب لاحق أنهم أبعد ما يكونوا عن التحريض تجاه الأخوة السنة، و ما لا يفهمه العقلاء هذه العقدة - العربية الإنتاج والتسويق والاستهلاك - حتى الآن هو أن أتباع أهل البيت (ع) هم المستهدفون من الإرهاب و أنهم ضحاياه و لكنهم في ذات الوقت إعلامياً هم المتهمون بما يحدث، ومثالا على التحريض " المسكوت عنه أخلاقياً " ما نشره احد المواقع عام 2002م حول جواز الصلاة في مساجد الشيعة فأجاب: " لا يجوز لأنها مساجد ضرار.!"
احمد النمر