أصداء

أبو بكر عزت:مسيرة فنان من الزمن الجميل

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أبو بكر عزت: مسيرة فنان من الزمن الجميل الى الزمن الصعب

النجومية مسألة نسبية.

من الذى يمنح الفنان نجوميته؟ النقاد أم الجمهور؟

هذه قضية جدلية لم تحسم بعد.. زمان قالت الفنانة تحية كاريوكا " عندما يسقط أحد الأفلام ينجح أحد النقاد"

وقد سمعت مرة النجم السينمائى العالمى هاريسون فورد يقول لـ" أوبرا وينفرى "أشهر مقدمة برامج فى أمريكا: " أنا لا أعرف ماذا يعنى لقب " سوبر ستار"- نجم سوبر - الذى يلقبوننى به!!.. عندما أبدأ فى تمثيل دور جديد فإننى أجتهد وأبذل كل ما فى وسعى لتقمص شخصية الدور، وأشعر أننى فى اختبار جديد، وإذا لم أفعل هذا فإن نجوميتى السوبر لن تسعفنى وسيسقط الفيلم".

وما قاله هاريسون فورد ليس غريبا على فنان حقيقى موهوب، ودارسا للفلسفة، فهو لم ينخرط فى حياة مشاهير نجوم السينما فى هوليود وسهراتهم، بل يعيش بعيدا فى مزرعته الخاصة يقضى معظم وقته مستمتعا بالقراءة وبجمال الطبيعة، وممارسة هوايته فى أعمال النجارة، وهى المهنة التى كان يشغلها فى أحد استديوهات هوليود وهو شاب صغيرفى منتصف السبعينات من القرن الماضى، وقبل أن يصبح نجما كبيرا. كان هاريسون فورد زاهدا فى الشهرة، لم يسعى اليها أو يهتم بها فسعت هى اليه.

وهكذا كانت شخصية الفنان الكبير أبو بكر عزت الذى توفى مساء الإثنين الماضى عن عمر ناهز 73 عاما إثر إصابته بأزمة قلبية مفاجئة.

كان أبو بكر عزت فنانا حقيقيا مثقفا وزاهدا فى سعيه الى الشهرة رغم غزارة انتاجه وتنوعه ما بين المسرح والسينما والتليفزيون، لما يزيد على أربعة عقود،ومع ذلك لم يحظى بالتكريم الواجب الذى كان يستحقه كفنان أصيل بدأ حياته الفنية فى الزمن الجميل واستمر يعمل بجهد فى صبر وأناة ومثابرة، حتى فى الزمن الصعب ودون أن يبتذل أو يتنازل.

يعد أبو بكر عزت أحد الفنانين القلائل الذين استطاعوا بذكاء وخبرة أن يطورا من أنفسهم وأدوارهم بما يتلائم مع مراحل أعمارهم الفنية والزمنية المختلفة، فهو كفنان رفض " القولبة " والتقوقع فى أدوار نمطية ثابته، فانتقل من العمل كممثل كوميدى أو ممثل ثانوى " سنيد " لبطل الفيلم الى ممثل دراما يقوم بالعديد من الأدوار المتنوعة، وبذلك استطاع أن يمد فى عمره الفنى كما فعل نجوم كبار مثل فريد شوقى وكمال الشناوى ونور الشريف ومحمود يس.

ولد أبو بكر عزت فى عام 1933 فى حى السيدة زينب الشعبى فى القاهرة، مثله مثل نجوم كبار ولدوا أيضا فى أحياء شعبية مثل محمود المليجى ( المغربلين) وصلاح أبو سيف ( بولاق) ونور الشريف ( الحلمية) وحسن يوسف وعادل امام ( الدرب الأحمر)، ونشأة أى فنان فى حى شعبى هى بلا شك فرصة ذهبية للتعرف عن قرب على شخصيات وأنماط بشرية من قاع المجتمع المصرى التى تعيش فى حواريه وأزقته فتثرى أداء الفنان الممثل وتجعل من تقمصه للشخصية أكثر واقعية.

تخرج أبو بكر عزت من كلية الأداب جامعة القاهرة - قسم اجتماع - فى عام 1955 ثم التحق بمعهد الثمثيل، وبعد تخرجه منه التحق بفرقة المسرح الحر فى عام 1959، وفى العصر الذهبى للمسرح المصرى فى الستينات والسبعينات من القرن الماضى قدم أبو بكر عزت أعمالا مسرحية جيدة وخالدة مثل " قصر الشوق"
و " المفتش العام" و" الدبور" و" سكة السلامة " و" الدخول بالملابس الرسمية " و" البيجاما الحمرا" و" الأرض" و " سنة مع الشغل اللذيذ ".

وكانت مسرحية الدبور فى الستينات هى أول بطولة مسرحية مطلقة للفنان أبو بكر عزت،
وقد حققت هذه المسرحية شهرة واسعة وانتشارا كبيرا لأبو بكر عزت ولنجوم آخرين مثل ابراهيم سعفان وليلى طاهر وفاطمة عمارة، وأثبت أبو بكر عزت فى " الدبور " أنه ممثل كوميدى متفرد فهو لم يقلد أحدا من كبار نجوم الكوميديا فى ذلك الوقت مثل عبد المنعم مدبولى وفؤاد المهندس وأمين الهنيدى ومحمد عوض ومحمد رضا، وقد نجح أبو بكر عزت فى تكوين " دويتو" مسرحى مع قارورة العسل الفنانة الكبيرة ليلى طاهر.

أما فى السينما فقد قدمه الى الشاشة الفضية لأول مرة المخرج حسام الدين مصطفى من خلال دور صغير فى فيلم " النظارة السوداء " بطولة أحمد مظهر ونادية لطفى ( انتاج 1963) عن رواية للكاتب الكبير احسان عبد القدوس، ثم اشترك فيما بعد فى أكثر من خمسين فيلما من أشهرها " معبودة الجماهير"و" زوج فى أجازة "
و 30"يوم فى السجن "و " ميرامار"والذى اشتهر فيه بكلمة " الفريكيكو" التى رددها جمهور السينما كثيرا فيما بعد، و" ضد الحكومة "و "الهروب " و " الامبراطور " و" المرأة والساطور"، وهذا الفيلم الأخير الذى أخرجه سعيد مرزوق حصل أبو بكر عزت على جائزة أفضل ممثل فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، عن دوره الذى كان أول وآخر بطولة مطلقة للفنان الراحل فى السينما، وهو بالفعل كان يستحق الجائزة بإقتدار وإن كانت قد جاءت متأخرة عدة سنوات، فهو كان يستحق جوائز عن أدوار أخرى كثيرة،.. انظر مثلا الى دوره فى فيلم " ضد الحكومة " مع الفنان الكبير الراحل أحمد زكى وإخراج عاطف الطيب.. دور أستاذ القانون ومحامى الحكومة، خاصة فى مشهد اللقاء فى المسجد بينه وبين أحمد زكى للتفاهم وتسوية القضية وديا وقبل صدور حكم المحكمة.. هنا يرى المشاهد مباراة كبيرة فى الأداء بين أحمد زكى وأبو بكر عزت.. بساطة فى الأداء، فهم للشخصية، إعطاء القدر المناسب من التلوين والإنفعال الذى يتطلبه الموقف الدرامى دونما زيادة أو نقصان.

لقد كان الفنان أبو بكر عزت رحمه الله يتمتع بحضور قوى، يتقمص شخصية الدور الذى يؤديه بوعى وحرفية عالية دون مبالغة أو تكلف لتحقيق الدرجة الكافية من الإقناع، كما كان يتمتع بصفة القبول عند الجمهور، وهذه منحة من الله سبحانه وتعالى، وكانت ملامح وجهه وتقاسيمه وقامته الطويلة من المرونة بمكان بحيث مكنته من أداء العديد من الأدوار المختلفة المتباينة وتلك خاصية يتمتع بها عدد قليل من نجوم السينما حتى بمقاييس السينما العالمية، ومن النجوم الذين تمتعوا بهذه الخاصية لورانس أوليفييه وانتونى كوين وجاك نيكلسون من السينما العالمية، وزكى رستم ومحمود المليجى وصلاح منصور وأحمد زكى وأبو بكر عزت - على سبيل المثال لا الحصر.

كان الفنان أبو بكر عزت لا يهتم كغيره من الممثلين بطول الدور أو قصره وإنما بقيمته الفنية وقدرته على تجسيد الشخصية بحرفية وشياكة واقتدار، وعلى سبيل المثال دوره القصير جدا فى نهاية فيلم " صاحبة الجلالة " بطولة وانتاج سمير صبرى فلم يستغرق دور أبو بكر عزت فى هذا الفيلم أكثر من دقيقة واحدة، ولم ينطق فيه بأكثر من جملتين، ومع ذلك كان تقمصه لدور أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة قويا وحاضرا ولا يمكن أن تنساه رغم طول الفيلم، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على أن هذا الفنان الكبير كان فنانا أصيلا وواثقا من قدراته وموهبته.

كان أبو بكر عزت فنانا يدقق فى اختيار أعماله لأنه كان فنانا محترما احترم ذاته وتاريخه الفنى فاحترمه النقاد والجمهور على السواء، وكان يستحق تقديرا وتكريما وأدورا أكثر مما حصل عليه، لكن الزمن الجميل الذى بدأ فيه أبو بكر عزت مسيرته الفنية لم يعد زمنا جميلا بل تحول الى زمن صعب مع التحولات الكبيرة التى شهدها المجتمع المصرى فى الربع قرن الأخير وظهور طبقة من الدخلاء وتجار الخيش والخردة والمقاولات على قطاع الإنتاج السينمائى فى مصر، ولذا كان من الطبيعى أن يركز الفنان الراحل على التليفزيون، فقدم الكثير من الأعمال الجيدة من المسلسلات التليفزيونية مثل على الزيبق وزمن عماد الدين، وهو وهى، وأرابيسك وزيزينيا.

نسأل الله العلى القدير أن يرحم الفنان الكبير أبو بكر عزت ويدخله فسيح جناته وأن يلهم زوجته كاتبة السيناريو المبدعة كوثر هيكل وذويه الصبر والسلوان، كما نشاطر زوج ابنته الزميل الكاتب المبدع د. خالد منتصر أحزانه، فالخسارة كبيرة له ولنا جميعا وللفن المصرى الأصيل.

مسعد حجازى

كاتب وصحفى مصرى - كندى

Mossad_Hegazy@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف