الجعفري يذهب الى تركيا بلا بغداد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الجعفري أول رئيس وزراء عراقي يذهب الى تركيا وبغداد ليست معه
تنظر بغداد بشيء من القلق الى زيارة الجعفري المفاجئة لأنقره التي تفترض ان تنتهي في غضون هذه الايام. ومبعث القلق ان بغداد تشعر وكأن الزيارة تتم من خلف ظهرها وعلى حسابها، بسبب موقف أبراهيم الجعفري منها وموقفها منه.
فأبراهيم الجعفري سيكون اول رئيس وزراء عراقي يذهب والقيادة العراقية ليست معه بل هو مضطر الى تجنب المرور فيها في الذهاب والاياب، تماما كما هو مضطر الى تجنب المرور على الطريق الطبيعي عبر زاخو وصولا عبر بوابات الحدود التي جعلت من الوهم تخما جغرافيا.
أن اي رئيس وزراء عراقي يذهب الى أنقره بلا بغداد سيبدأ حديثه ويختمه بالشكوى من بغداد والتحريض عليها والمطالبة بتنبيهها من خلال محاولة تصوير خروجها على المصالح المتبادلة -هو الذاهب الى أنقره بدون علم بغداد وكأنه خروج على بغداد والقيادة فيها.
لا أحد يستطيع أن ينكر أواصر العلاقات التاريخية والمتشابكة والمتداخلة مع تركيا إلا ان بغداد وأنقره تعانيان منذ زمن بعيد مرضا خطيرا يكاد ينغص عليهما الحياة فهما محكومتان بأستحالتين معا
لاتقدران: على حسن الجوار، ولا تعيشان بالوئام والسلام، وهكذا تتذبب العلاقات في ما بينهما صعودا وهبوطا مدموغة بمجموعة من العقد المزمن بينهما الخجل بالماضي ما وقع فيه، بالرغم منهما أو بقصورهما وبينهما الضيق بالحاضر والعجز عن صياغته بما يتناسب والتصور الاحب للمستقبل.
لقد صرح ابراهيم الجعفري في خضم لقائه بالرئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردوغان بأنه يشيد بالعلاقات المميزة.والعلاقا ت(المميزة سياسة خاصة فيه! (وليست سياسة حكومية منسقة تخفي أو تغطي قمع أو ألغاء أو طمس وقائع الحياة والجغرافيا وتتيح أمام رئيس الحكومة فرصة اتهام من قال غير قوله في في هذا الامر بنقص الولاء للعراق وأن الانتقادات لا يعنيه لأنه هو فقط يمثل الشعب والدولة العراقية.
فالقول بوجود الكرد والعرب مكون موحد يمثل ألانتماء القومي والوطني، وما يزال على صعيد الدولة الجعفرية وتوجهاتها تمردا خطرا على الكيان الطائفي الازلي، أي ان تاريخ الكيان الطائفي هو دائما خروج على البيئة والمحيط والانتماء الوطني وربما لهذا كانت الطائفة هي الاساس في أداء حكو مة الجعفري لا الوطنية، وكان الولاء للكيان الطائفي شرطا لنيل رضاء السيد أبراهيم الجعفري، لأن التذكير بحقيقة الانتماء القومي الكردي والعربي يهدد الكيان الذي يخطط له هو ومن خلفه من التيار الصدري بالزوال ويفضح الزور والتزوير ودور الادارة الاجنبية والاقليمية في صنعه او اصطناعه.
وهكذا تصبح عراقيا صميما بقدر ما تبتعد عن الوطن الواحد والوطنية (الا عن ثرواتهم ونفطهم وكركوكهم ومصادر الرزق لديهم ومصادر الانتفاع عندهم) في داخل الدولة العراقية!
ولقد أدى هذا المنطق المشوه الى اعتبار القرب من الدولة التركية وطلب المساعدة منه والتعامل معه في هذه الظروف الحساسة ايغالا في العراقية وحماية للكرامة والسيادة وشرف الاستقلال الوطني عن الشعب العراقي وليست طائفة معينة بعينه!
صارت الوطنية لا مكان لها وصار الايمان بها خروج على الكيان الطائفي وتهديدا للنظام الطائفي وعملا معاديا للحكم والحكومة والعالم الحر في نظرهم!
وتيسر للسيد أبراهيم الجعفري أن يستفيد من زمن التراجع العراقي فيمارس الابتزاز على جبهتين: يبتز شيعة العراق الضعفاء والمهزومين والهاربين من القتال والنضال ومواجهة أعدائهم التكفيريين والصداميين، فينتزع منهم الاقرار بغربة العراق عنهم،،وتفرده،، بقدر من الغربية،، والصلة الحميمة و المشروعة بالغرب تجعله بأحسن الحالات في موقع المترجم والوسيط بينهم وبينه، ويبتز أهل السنة والمنطقةالغربية المستعضفين بتخلي أخوانهم عنهم وبرداءة النماذج الرسمية للعروبة اي تلك الانظمة البائسة المتسمة بمختلف سمات التخلف والقمع والاقتتال على السلطة والتفريط بمصالح الوطن العربي او حتى سيادته والاستسلام امام الغاصب والطامع فينتزع منهم الواقع الانتدابي او الاحتلالي كحقيقة نهائية وبالتالي الاقتراب أكثر فأكثر من النموذج الايراني واعتباره المطمح و القدوة وجار الرضا والنصير على أهل السوء والطامعين بالعراق!
ومؤلمة هي المفارقة هنا ان يتمكن مثل هذا الرجل القادم أجداده من كربلاء، لأجداد عرف عنهم أنهم من التابعين لأل البيت في الفرات الاوسط، ويقولون أخرون انهم من اصول عربية طيبة،من تحقيق هذا النجاح الباهر في انكار هوية العراق الحقيقية العربية منها والكردية وان ينتزع من عراق زمن الهزيمة اقرارا بهذا الهراء.
فالعراقيةهي الانتماء الحضاري والثقافي و التاريخي لهذه الارض ولهذه الامة. وهي الثورة وحلم التغيير والطموح والمشروع الى غد أفضل لا يمكن ان يبني بغير ان تلحق الهزيمة بأعداء هؤلاء جميعا كائنة ما كانت أسمائهم والصفات.
هل شردنا مع الايديولوجيا؟
لنعد الى أرض الواقع، والى حقائق السياسة والحياة اليومية،
وأولى: تلك الحقائق ان تراجع الوطنية في العراق يعني تقدم القاعدة- الشيعية والتشييع فيه، وان التوكيد على هويته الكردية والعربية أيظا ليس ترفا، بل هو تحديد ضروري ونهائي لموقعه في خريطة الشرق الاوسط الحديثة.. فهو يكون من العرب والكرد ومعهم وبهم ولهم او يتحول الى محمية فارسية تحل الطوائف والمذاهب والعناصر والعشائر محل الوطن والامة العراقية والانتماء القومي الكردي والعربي الموحد.
وتشكل جسر عبور لسرطان الفتنة والاقتتال الاهلي الى كل ارض سالمة مجاورة.
وحين يكون عراق الكردي والعربي الهوية كما هي في حقيقته لايكون تفضلا من رئيس حكومته ان يلغي اتفاقات مع تركيا، بل يكون في أحسن الحالات رجوعا الى جادة الصواب وتراجعا عن خطيئة مميتة ما كان ممكنا ان تكتب لها الحياة وافتداء للذات وللموقع الممتاز ومعه الامتيازات المشهورة.!
ثم ان الالغاء لا يكفي لتوكيد الهوية، بل لا بد من توفير الضمانات لعدم انجراف هذا الحكم او اي حكم اخر نحو مثل الخطأ القاتل، والضمانات تكون من الداخل وفيه اولا وقبل ان تكون خارجية، الكرد العنصر الاساسي في العراق، الوطنيون حتى النخاع،المقاتلون والمستشهدون من عراق الوطن، هم الضمانة ا لاولى والاهم،ويجب أن تتأكد صفتهم هذه مرة والى الابد، ان لا يظلوا مدانين بالداخل بتهمة الولاء للولايات المتحدة الامريكية، ومتهمين في بعض دول الاقليمية بالقصور والطمع بحيث يحتاجون الى وصي او الى ضامن!
ثانية تلك الحقائق ان قوة العراق تكون بقوة تمثيل الكرد فيه تمثيلا قويا،- ومهما كانت الدولة قوية في بغداد فستظل ناقصة بقدر النقص او الضعف في أدارة أقليم كردستان فكيف اذا وصل بهم الامر الى انكار هذه الحقيقة الحيوية؟!
ثالثة تلك الحقائق انه لايجوز ان يكتفى من العراق بالحكم فيه، كائنا من- رئيس الحكومة أو الحاكم فالحكم وحده طرف في صفقة يعقدها مع الاقوى مع تركيا اذا كانت لها الغلبة، ومع أيران حين تتوفر لها شروط النهوض والقوة، أما الشعب، الناس في بغداد والموصل وكردستان والبصرة فهو الباقي وهو الذي لا يغير موقفه وموقعه مع تقلب الريح ودوران الفلك.
وتبقى حقائق اخرى منثورة على طريق بغداد- أنقره، ومن زاخو أقصر الطرق بين عاصمتين والتي تبدوا في بعض الحالات والازمان وكأنها أطول من الطريق الى القمر، سنعود للحديث عنها مع نهاية زيارة الجعفري المفاجئة التي نأمل ونريدها في كل حال من الاحوال ان تكون بداية جيدة لمرحلة جديدة اكثر تقدما واكثرا خيرا للعراق وتركيا، وليس مجرد محطة تفصل بين فترتين من فترات عدم الاستقرار الحرب التي لا تنتهي وبين أسبابها اننا نتوه عن الطريق الصحيح احيانا او نتوه عن الهدف او عن الامرين معا.