النظام السوري والمعارضة 2 -2
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قال لي محدثي: هنالك عدد من التساؤلات عن النظام والمعارضة تتوارد على لسان العديد من الناس الطيبين منهم على الخصوص ممن يُؤخذ بظاهر الخطاب دون الغوص في أعماقه ولاسيما عندما يُغلَّف هذا الخطاب بدينٍ أو وطن ليُمَوِهُوا على الناس فيضيعوا عليهم دينهم بعد أن أضاعوا لهم دنياهم. قلت له:هي (بروباغندا) تمرَّس عليها الظلامييون المستبدون وفلسفةٌ عرجاء أتقنها أعداء الشمس والحرية والديمقراطية.
فالمعارضة السورية ليست وليده هذه الأيام بل بدأت من الأيام الأولى (قبل 43 عاما) لاستيلاء البعثيين بالقوة العسكرية الباطشة على مقاليد نظام حكمٍ مدنيٍ ديمقراطييٍ تعدديٍ في سورية، ومطالبها معروفة تؤكدها وتتأكد في كل مناسبة من مؤتمرات وندوات ولقاءات ولأكثر من عشرين عاماً خلت على الأقل، والنظام مصرٌ - مع التعمد وسبق الاصرار- على عدم السماع اليها فضلاً عن قبولها، فهي موجودة من قَبلِ حركاته و(أفلاماته الفلمنكية) وماهو فيه من ورطات، وقد أشرت الى هذه المطالب في مقالي الأول.
هذا وكان النظام الباطش خلال سنيِّ حكمه العجاف يوجه ضربةً تلوضربة لمعارضيه، مما أودى بحياة عشرات الآلاف من الناس قتلاً وحرقاً وتصفيةً وقصفاً وتشريداً، وهجَّر أمثالهم، وارتكب أكبر عمليات مجازر وابادة جماعية لمدنيين عزّل في القرن العشرين، والاعلام في غفلةٍ عمّا يجري ويحصل. وعندما رُفع الغطاء الاقليمي والدولي عنه وانكشف المستور بدأ الناس يسمعون من أبواق النظام بل من النظام نفسه عن معارضةٍ له وكأنها تشكلت للتو(طازجة وصناعة أمريكية) وبتوافقٍ وتناسق مع الهجمات والضغوط التي تمارس عليه في السنة الأخيرة لمواقفه الوطنية ونضالاته وصموداته. ثمّ وهو الأهمّ، اذا كان النظام على كل هذا القدر من العزم والتطلع للمنازلة والمصاولة والمجاولة لتحرير فلسطين وارجاع الجولان والدفاع عن العروبة والاسلام، وتكسير رأس(الرايح والجاي) منذ زمنٍ بعيد، فلماذا الضغوط الدولية والأمريكية تمارس عليه الآن ولم تكن من قبل..!؟
اننا لانجادل ولاننكر أن هنالك استحقاقاتٍ اقليميةٍ ودوليةٍ مستجدةٍ وضعت النظام السوري برؤوسه الثلاثة (الرئيس وأخوه وصهره) في عمق العاصفة نتيجةَ سياساتٍ متعجرفةٍ ومستبدةٍ، واستئصاليةٍ حاقدةٍ في الداخل اللبناني ومثلها في الداخل السوري، مما أدى الى انسحابه وبشكلٍ مهينٍ من لبنان، واعلامِهِ لأمريكا ومن لفّ لفّها، أن حماية سورية أمرٌ أَوكَلَه الى الله (سورية الله حاميها) طالما أن هدفها وحلفاءها هو سورية الأرض والناس والمقدسات (على روايته)، كما أوكل لعسكره بعديدهم وعتادهم وجبروتهم حماية السلطة طالما أنها هدف المعارضة في التغيير والتبديل على رواية (الاثنان أخوه وصهره). وما علم الثلاثة أن خبر (تشاوشيسكو الرومان) ليس عنهم ببعيد، وتلك سنة الله في الطغاة من خلقة ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولو دامت لغيرك ماوصلت اليك.
وبهذا يتأكد لكل ذي نظر للقاصي والداني من الناس، أن مطالب المعارضة وحركتَها وضغوطَها ليست حديثةَ عهدٍ كما يُشَوِشون، وليست مرتبطةً أو متوافقةً أو متموسقةً مع من يزعم مُنازلتَهم ومُصاولتَهم ومُجاولتَهم وتحطيمَ مؤامراتهم كما يفترون. وهي مطالب كانت قائمةً منذ سنيّ سِلمِهِ واستقراره فرفضها. فهي اليوم تلاحقه كظلّه في أيام ضيقة وشدته، ولاعلاقة للمعارضة في مثل هكذا أمر.
وأما أن المعارضةَ تريد أن تجعل من سورية عراقاً جديداً وقول الناس يكفينا عراق واحد وما فيه من مصائب، فهذا الأمر هو ما يخطط له النظام السوري بعينه ويسعى اليه بنفسه، وأخبر العالمين عنه جهاراً نهاراً. فالمعارضة بمطالبها ووسائلها تؤكد على التغيير السلمي الداخلي والديمقراطي في سورية، وأكدت ألا حاجة لها بأي عون خارجي لانتفاء الحاجة اليه ابتداءً، وهو تغيير داخلي وسلمي لايعتمد القوة الغاشمة والمسلحة موضوعاً. فأين نحن من العراق الجديد الذي سوف يحصل في سورية. العراق الجديد أو العراق الآخر المحترق فتنةً والمشتعل اضطراباً والفاقد أمنَه وأمانَه هو عراق لاوجود له الا في رأس النظام. كيف !؟ ان مطالب المعارضة ليس فيها مايدعو الى حرائق أو فتن أو غير ذلك ممّا له يروجون، كما أن أحداً من المعارضة لم يتكلم بشيءٍ من هذا أو مثله. وانما النظام وحده وعلى لسان رئيسه الأول هو الذي أكد مراراً وتكراراً أنه سيشعل المنطقة وأن الاقتراب من سورية (طبعاً النظام لاغير) يعني الدمار والفوضى وشيوع الارهاب والأرض المحروقة، وأعطاهم كلاماً أوضح من الواضح ولاغبار عليه بأن من يقترب بسوء أو يهدد سورية (النظام السوري طبعاً) فانه سيلهب المنطقة عليهم وسيشعلها حولهم وحواليهم لأن القضية قضية سيادة. وسيادته بمعية الأخ والصهر سيحرق المنطقة بكاملها ليبعد حبل الحقيقة عن رقابهم ويشغل المجتمع الدولي بأمر له أول وليس له آخر من أجل 3 - 4 أفراد من المشتبه بهم والمطلوبين للتحقيق ليس الا. فهل مطالب المعارضة العادلة ستجعل من سورية عراقاً آخر أم اصرار النظام على عدم تسليم المشتبهين للتحقيق معهم والاستماع الى افاداتهم واصراره على المواجهة الدولية بخطابٍ انقضى عصره وفات أوانه وانكشف زيفه وبطلانه منذ أمد بعيد..؟ فلو أراد الخروج لأعدّ له عدّته، والجولان مضى عليه قرابة أربعين عاماً يشكو بثه وحزنه.
وأما قولك عن شبهة اجتماع المعارضة في دولٍ غربيةٍ من أوروبا الى كندا وأمريكا فهو مردودٌ على النظام نفسه. فاذا كان النظام السوري يقف بالمرصاد لكل اجتماع يضم بضعة أفراد من المعارضة ليمنعه تارةً عن طريق الأمن والمخابرات، وتارةً عن طريق (فتواته وقبضاياته) وتارة بالاعتقال والسجن....الخ. واذا كانت الاجتماعات والتجمعات ممنوعةً في الداخلن، ودول الخارج كلها دول (نعوذ بالله) تضمر السوء للنظام السوري. ومن ثم فانّ اجتماع المعارضة في تلكم الدول أمر فيه شبهة السوء بالتأكيد، وحتى لولم يكن موجوداً لأوجدوه ولتحدثوا عنه. يعني هو في اقتراح أن يذهبوا الى كوكب آخر غير الأرض ويلتقوا هنالك ولكن المشكلة ستبقى قائمة، فمركبات السفر للفضاء كلها مركبات صنعتها دول لاتريد الخير للنظام السوري(حسب زعمه) ونواياها أعوذ بالله كلها شريرة على نظام وديعٍ ومسالم.
وأما عن قولك مع كثير من علماء السلطان أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فهو (على راسنا من فوق) ولايجادلن فيه أحد، وان جاء في سياقٍ غير سياقه. دعني أوضح أكثر:
ألا ترى معي أن تسليم 3 -4 أفراد مشتبهين للتحقيق ابتداءً يدرأ عن سورية خطراً عظيماً وفتنةً كبيرةً ودماراً لايُعرف مداه..!؟ بمعنى آخر، يدرأ مفسدةً كبيرةً وكبيرةً جداً، وهو في كل الأحوال لاضرر منه للنظام، فلئن كانوا متورطين فلسوف ينالون عقابهم (علماً أن الرئيس قال أكثر من مرة أن من تثبت مشاركته في هذا العمل فلسوف نحاكمه كخائن)، ولئن كانوا برآء فلقد انتهى الموضوع وما مسهم من سوء (ويادار مادخللك شر).
ألا ترى معي أن التعاون مع لجنة التحقيق الدولية والدفع بالتي هي أحسن، وذهاب المطلوبين لأداء الشهاة في جرم خطير أخذ أبعاداً دولية (ولايأب الشهداء اذا مادعوا) ومن دون كلام فارغ وعنترياتٍ لاتسمن ولاتغني من جوع يدرأ مفسدةً كبيرةً وكبيرةً جدأً، ويمنع حرق وتدمير وطنٍ بأكمله، ولا يجعل منه عراقاً آخر. ان ماتقدم من درءٍ لمفاسد لايعلم مداها الا الله لهو أهم بلا شك، ومقدم من غير ريبٍ على جلب منافعَ أو مصالحَ لعددٍ محدودٍ من جماعة النظام مهما كان حجم هذه المصالح والمنافع.
وأما ان كان قصدكم - أنتم الذين ترون في النظام همّام الأمة - ماطالبنا به ومانطالب وسنطالب به على الدوام - وبكل الطرق السلمية والديمقراطية تحديداً - للتغيير في سورية الى نظام ديمقراطي تُتَدَاول فيه السلطة وتصان فيه كرامة الانسان وحريته ولقمة عيشه ومستقبل أبنائه بعيداً عن الطغاة وسرّاق ثروة الشعب، اذا كنتم ترون أن هذه المطالبة وبهذا الشكل سيؤخر تحرير فلسطين فلسوف نوقف مطالبنا لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وان كنتم ترون أن عودة الأب الأسير والمختطف الى عائلته، والولد المعتقل الى أمه، والزوج السجين الى زوجته سيعطل الصمود والتصدي للمؤامرات الأمريكية فلسوف نوقف مطالبنا لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. واذا كان الغاء القانون49 القاضي باعدام من انتسب للاخوان سيعطل مسيرة النهوض العربي ومواجهة الهجمة الصليبية على مقر خلافة الأمويين( كما يزعمون) فَليبقَ، وربنا يعيننا على بقية مابقي من أعمار لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. ولئن كنتم ترون أن انفاذ مطالب المعارضة أو بعضاً منها سينال من قوة سورية شعباً وأرضاً وثروةً وجيشاً وشعباً فلسوف نوقف مطالبنا السلمية (كما أشرنا سابقاً) ونحتسب أمرنا، ونرجئها حتى نهاية المعركة والمواجهة وتحرير المحتل من أرضنا في فلسطين والجولان ويطالب بها أحفادنا لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ان نظام القمع والارهاب بالتأكيدغير قادر على كسب معركة مهما كان شكلها. فالنصر - ياعالم..! ياناس..! - له مقوماته وله أسبابه وسننه، فلا تعطله استجابة لمطالب عادلة، ولا اطلاق سراح سجين، ولا عودة مغيَّب الى أهله وأحبابه، ولا تعيقه اعادة الحرية للناس والغاء كل اشكال التعسف والقهر والظلم وايقاف نهب ثروة البلاد ولقمة عيش العباد. ولكن أين الذين يعقلون..!؟
بدرالدين حسن قربي
cbc@hotmail.com