أصداء

العراق: المسؤولية المفقودة وصراع المصالح

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مسلسل ألأتهامات، وألأتهامات المتبادلة بين قادة وزعماء "الطوائف " السياسية في العراق، الحكومية منها أو المانحة لنفسها هذا الحق، حيث هي ألأخرى تمتلك "الجيوش" بمسمياتها المختلفة وملابسها المميزة، ولها من يمثلها على الصعيد الوطني والأقليمي بل وحتى الدولي ولها مقابلاتها الرسمية، وكأنها حكومة للظل، تحت الطلب..! هذه الأتهامات المتبادلة بين هذه ألأطراف المتجانسة المتباينة، المتفقة المتعارضة، التي تلقي اللوم على بعضها البعض عن مسؤولية ما يحدث في العراق، قد وضعت جميع هذه ألأطراف على منصة واحدة من حيث المسؤولية المشتركة أزاء ما يحدق بالشعب العراقي من أخطار وكوارث جسيمة لن يسلم من آثارها الوخيمة حتى أولئك الذين يظنون أنهم في منجى منها..!؟ فالعراق اليوم يغوص في بركة من الدم لا يسبر غورها أحد، ولا يعرف لنهايتها معبود..!!؟
لقد أدعت جميع ألأطراف، ألآ ما ندر منها، ومنذ ولوجها منتدى لندن عام، بأنها عازمة على بناء "عراق جديد" لحمته "التحرر من الكتاتورية" وسداه "الديمقراطية"؛ عراق للمساواة والعدالة والطمأنينة..!؟ وكانت حقائبهم جميعا، وهذا ما أعلنوه ويعلنوه دائما، ناصعة بيضاء من كل سوء، وهم يتقاطرون على قاعة المؤتمر، تحدوهم "مصلحة العراق" ولا غيرها مصلحة أخرى..؟! ألا من روح مصالحهم الخاصة، شخصية كانت أم طائفية، والتي حرصوا على أن يخفوها بعضهم عن البعض الاخر، فيما عدا خاصيتهم وحافظي أسرارهم..!
ليس لأحد من رجال السياسة والحكم والدين، وهم الان كل في مشترك واحد، أن ينفض يده من تداعيات وتبعات ما آلت اليه أوضاع العراق اليوم، ويجرد نفسه من مسؤولية ثلآث سنوات من الفوضى والخراب الأقتصادي وألأنفلات ألأمني ومئات ألألوف من الضحايا. فهم ومنذ بداية ما أطلق عليه ب "العملية السياسية"، كانوا شركاء فيها وقد أخذوا على عاتقهم مسؤولية ما قد تفرزه تلك العملية من نتائج على كافة ألأصعدة الوطنية وألأقليمية والدولية..! وتمسكهم بما يسمى "أنجاح" مسيرة "العملية السياسية" بأي ثمن كان، جعلهم يغمضون أعينهم عن بحر دماء العراقيين ودموع ثكلاهم..!؟

ففي ندوته التلفزيونية يوم 28/2/2006 مع قناة العراقية، كان السيد وزير الداخلية (بيان جبر صولاغ) غاية في الوضوح، عندما أفصح عما في جعبته من معلومات غاية في الأهمية والخطورة على الصعيد ألأمني، ومعرفته بخفايا خطط وشخوص ألأرهاب، وأقراره بعجزه عن القيام بشيء ذي معنى لوقف ذلك، حرصا منه على نجاح "العملية السياسية" أو لأسباب أخرى لا يرغب السيد الوزير ألأفصاح عنها خدمة لهذه "العملية" والله أعلم..!؟ أن هذا بحد ذاته يشكل فضيحة سياسية، أقل ما تستوجبه، اتخاذ موقف حكومي واضح منها، والكشف عن أبعاد وتفاصيل ملابساتها، وليس أقل من أن يتقدم السيد الوزير بأستقالته حفظا لماء الوجه، وهو أضعف ألأيمان..!
فما يجري ألآن في العراق أنما يعكس صراعا حادا مستميتا بين طوائف أجتماعية تدعمها قاعدة أقتصادية هلامية غير واضحة المعالم، و مسيسة بفكر ما قبل المرحلة الصناعية، بتقاليده وقيمه المتوارثة عن الماضي، المستمدة أصولها من أدلجة دينية أو قبلية أو عرقية، والتي من خلالها تؤكد ذاتها ووجودها الطائفي في المجتمع، بعد أن كانت يوما محبطة ومغيبة عن القيام بدورها كسلطة قيادية في المجتمع الذي تعيش فيه، رغم أكثريتها العددية..! وطموحها في الوصول الى السلطة يعتبر من أهدافها المركزية.. وتصبح "ألأغلبية العددية" في أعتبارها، مقياسا شرعيا للأفضلية ألأجتماعية وقاعدة قانونية للحكم، وأيديولوجية للتصور..!
ومن خلال هذا الفهم يجري التعامل مع الطوائف ذات ألأقلية العددية وكأنها طوائف من الدرجة الثانية، ليس أمامها ألا التسليم بأحقية الطائفة ذات "ألأغلبية العددية" في قيادة الدولة، كما لو انها تمتلك هذا الحق بتفويض خاص من تلك ألأكثرية، المبنية على أساس "الطائفة ألأجتماعية" ذات الموروث الديني أو القبلي، أو كليهما معا..؟ وليس لسبب أو أعتبار آخر..؟ وفي كلا الحالين يجري عرض هذا الموروث بصيغة سياسية عصرية تتلائم مع الاوضاع الجديدة..! فالمؤسسة الدينية على سبيل المثال، جرى تسيسها بالشكل الذي وضعها في الموضع المركزي من العملية السياسية، وكأنما الدين نفسه أو المذهب هو المستهدف في عملية الصراع من أجل السلطة..! نفس الشيء يمكن قوله عن المؤسسة العشائرية التي في أحسن أحوالها، تجد قوة تأثيرها حينما تعيد بناء كياناتها تحت خيمة المؤسسة الدينية وحمايتها..!

أما في كردستان، رغم أن ألأغلبية العددية للأكراد تدين بالديانة ألأسلامية، فكان للموروث العرقي ومشاعر ألأضطهاد القومي الدور الأول في التأثير على نتائج ألأنتخابات، وهنا لعبت ألأكثرية العددية للأكراد الدور الحاسم في تحديد النتائج مقارنة بألاقلية العددية لباقي القوميات العرقية التي تعيش ضمن نفس النطاق الجغرافي. وكنتيجة منطقية لهذه العمليةأندرجت هذه ألأقليات في الموقع الثاني على الصعيد المراتبي ألأجتماعي، مما يجعلها عرضة للتهميش طالما ظلت ألأسس التي بنيت عليها "العملية السياسية" مرتهنة لمبدأ "الطائفة" ذي "ألأغلبية العددية"..! وكذلك الحال بالنسبة للأقلية الدينية أو المذهبية..!

وبالنتيجة فأن كافة أفرازات "العملية السياسية" المصنعة وتداعياتها المختلفة على كافة ألأصعدة، أنما هو أنعكاس للواقع السياسي- ألأجتماعي العراقي، لمجتمع أستهلاكي، بقيم وتقاليد موروثة من ماض بعيد، لم تتح له الفرص الطبيعية لتثبيت أقدامه على أرض صلدة من ألأنتاج وأعادة ألأنتاج، لخلق قيمه الجديدة التي تتلائم ومتطلبات هذه ألأرضية، من الديمقراطية الحقة، والتحرر من قيود وأغلال الماضي المتعارضة مع آفاق تطور الحياة على صعيد المستوى العالمي..!

وأعتمادا على ما تقدم يصح القول؛ بأن مبدأ أللامساواة بين ألأغلبية الدينية أو المذهبية من جهة وباقي ألأقليات الدينية أو المذهبية من جهة أخرى هو المبدأ الذي ستكون له الصدارة في السيادة على صعيد الممارسة الفعلية..! كذلك ألأمر فيما يتعلق بألأغلبية القومية والقوميات ألأصغر..!

ومن خلال هذا المنظور لمجمل "العملية السياسية" التي أعقبت أنهيار الدكتاتورية، جاءت النتائج السياسية طبقا لما مرسوم لها سلفا، منتهية بصراع حاد لا يقبل الرحمة والهوادة، بين مختلف الطوائف المنخرطة في هذه العملية، والذي بات يعبر عن أبشع صور ألأحتراب وعدم الشعور بالمسؤولية..! وأصبح التعارض في المصالح المختلفة لجميع فئات المجتمع هو الرائد لمجمل العملية السياسية، أما مصلحة الوطن، وهي التي ينبغي أن تكون المصلحة المشتركة لجميع تلك الطوائف، فقد ركنت في مدارج قاعات مؤتمر لندن منذ يوم مغادرته..؟ وما أزمة الحكم الحالية المجسدة في تشكيل الحكومة، ألا أحدى صور هذا الصراع المقيت..!؟
"فالديمقراطية الجديدة" قد كشفت سقم ما تخفيه، من طائفية فضة، لا تجسد الا مصالح فئوية ومكاسب شخصية، وأذلال وأضطهاد جديدين..!؟

أن التداعيات المريرة للعملية السياسية في العراق، قد وضعت الجميع في موضع المسؤولية التأريخية للخروج من هذا المأزق المأزوم وتلك النتيجة الوخيمة. وأزاء هذا الوضع المأساوي، فليس هناك من مخرج أمام القوى المتصارعة، الا التعايش السلمي فيما بينها من خللال التنازلات المتبادلة، لتجنيب الوطن كارثة ألأنزلاق في ما هو أعظم.. وقطع الطريق على كافة المتربصين بالعراق أقليميا أو دوليا..

باقر الفضلي

bsa.2005@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف