مشكلة الأقباط فى الواقع وليس فقط فى القانون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جميع المجتمعات الإنسانية لها قوانين تحكم تحركها. يمكن أن يكون القانون راقيا وعادلا، ويمكن ايضا ان يكون قانونا ظالما وحقيرا. ولا يمكن فصل القانون عن تطبيقه، وقديما قال الفقيه القانونى الفرنسى "روسو" إعطنى قانونا ظالما وقاضيا عادلا فأعطيك عدلا. وكذلك يمكن أن يكون القانون عادلا ولكن تطبيقه يتم بطريقة ظالمة وإنتقائية، أما أسوأ الحالات فعندا يكون القانون ظالما ويطبق بأسوأ ما يكون التطبيق.
أمثلة القوانين الراقية العادلة لم تعرفها المجتمعات الإنسانية إلا مؤخرا جدا ومن بعد الثورة الفرنسية. وعادة تتمثل تلك القوانين القيم العليا للإنسان من حق وخير وجمال، ويندرج تحت تلك القيم المساواة والعدالة وحماية النشاط الإنسانى الخلاق. أما القوانين الظالمة فهى القوانين التى تتعارض مع القيم والمواثيق التى توصل الإنسان إلى أهميتها وعدالتها كمثل القوانين التى تفرق بين البشر على اساس الجنس أو اللون أو العقيدة.
يمكن أن يكون القانون عادلا وغير متعارض مع المواثيق الحقوقية العالمية وفى ذات الوقت يسفر تطبيقه "أو عدم تطبيقه" عن ظلم مبين. والأسباب التى تؤدى لذلك التطبيق المعيب متعددة، فمثلا قانون ممارسة الحريات السياسية فى أمريكا لم يتغير منذ إصداره ولكنه وحتى العشرينات من القرن الماضى لم يكن يطبق على النساء، ولم يطبق فى حق السود حتى ستينات القرن الماضى! وأحيانا! ايضا جميع قوانين البلاد العربية تقريبا توجد قوانين إما مهجورة أو عاملة ولكن تطبيقها إنتقائى وأحيانا تنطوى القوانين ذاتها على إستثناء يقول مثلا "حسب رأى الوزير المختص". واحيانا تحيل القوانين على قوانين أخرى لم تصدر كمثل قانون محاكمة الوزراء فى مصر الذى يشترط إتباع قواعد لم يصدر بها قانون بعد.
وأسوأ الأمثلة أيضا على وجود قانون عادل ولكن تطبيقه إنتقائيا يؤدى إلى الظلم المبين، هو وجود قانون كمثل القانون الذى يعاقب على القتل العمد فى مصر ولكن نتيجة تواطىء الإدراة أو إهمالها لا يقبض على المتهم الحقيقى أو يتم التكاسل فى جمع الأدلة أو تقع القضية فى يد قاض ظالم فيبرىء الجانى ويعاقب المظلوم. وقد حدث ذلك فى مذبحة أو جريمة قتل فيها واحدا وعشرين قبطيا فى بلدة الكشح ذبحوا وحرقوا فى مطلع القرن الحالى ولم يعاقب جان واحد على تلك الجريمة على رغم وجود قانون!!!
ومن هنا نصل أسوأ الإفتراضات وهو عندما يكون القانون ظالم وتطبيقه أيضا أظلم وأذل سبيلا. وغنى عن البيان أن تعبير القانون هنا يتسع ليشمل القرارات التى لها قوة القانون. فمثلا قانون بناء الكنائس فى مصر هو قانون ظالم بكل المقاييس إذ يشتمل على تمييز عنصرى بين بناء المساجد التى لها طريق معين سهل ومبسط ويتجاوز حتى قوانين البناء العادية، وبين بناء الكنائس التى تخضع للخط الهمايونى وشروط العزبى باشا وهو القانون الذى يشترط موافقة رئيس الجهورية شخصيا على ترميم حتى دورة مياه لأى كنيسة، وقد قام رئيس جمهورية مصر من بعد أن تحولت القرارات الجمهورية إلى مسخة مضحكة وفضيحة دولية بتفويض المحافظين تلك السلطة ولكن القتانون ذاته لا زال معمولا به ولم يلغ.
الأسوأ وأذل سبيلا أنه حتى ذلك القانون المجحف الظالم لا يطبق تطبيقا سويا. فعادة تصدر قرارات بترميم أو إنشاء كنائس ولكن تتقاعس جهة الإدارة عن تنفيذ تلك القوانين، أو يوعز رجال الإدراة للغوغاء وذوى الغرض بالإعتراض وتجييش الدهماء فتظل تلك القوانين على ظلمها قيد التجميد أو تطبق مع ضحايا قتل وإحراق للبشر والممتلكات. شخصيا لست مشجعا للإنفاق المبالغ فيه سواء على المساجد أو الكنائس فى بلد يشحذ قوته كمصر. ولكن يبقى التمييز بين البشر على حسب المعتقد مما يؤلم الضمير والإحساس.
مثال الظلم الآخر الذى ينطوى على فضيحة ستنفجر حتما فى وجه الحكومة المصرية مع وصول الشكوى للمجتمع الدولى هو حرمان الأقباط من الوظائف العامة. لا أعرف كيف ستدافع الحكومة المصرية عن عدم وجود مدير أمن أو رئيس جهاز أو رئيس جامعة أو عميد لكلية حكومية أو رئيس مدينة أو حتى حى من الأقباط! هل ستدعى أن العيب فى القانون أو أن الأقباط ليسوا مؤهلين لتولى تلك الوظائف لعيب وراثى مثلا فى جيناتهم؟ كيف ستفسر إستقالة الدكتور سلام إحتجاجا على الغبن الذى طال باحثة قبطية لمجرد أنها قبطية؟ كيف ستفسر كمية الدعاية والإعلام المبرمج لمعتقد واحد بين معتقدين رئيسيين فى مصر؟
المصيبة الكبرى لو حمل الأقباط عند مناقشة ملف إضطهادهم فى الأمم المتحدة ملفات تحايل الحكومة على مواثيق حقوق الإنسان التى وقعت عليها والتى ليس لها أى اثر على حياة المواطنين فى مصر. كيف سترد الحكومة المصرية لو حمل الأقباط للأمم المتحدة ملفات إضطهاد النوبيين والشيعة والبهائيين بقوانين وبتطبيقات من أحكام قضائية ما أنزل الله بها من سلطان؟ نعم الأمور تتحلحل فى مصر بما لا يغيب عن بصر المراقب المحايد، ولكن لربما ليس بالسرعة المناسبة. أيضا مع غياب الحوار من جانب القيادة السياسية ربما لإستكبار أن تتحاور مع فئة طال ظلمها، أو لعدم قطع خط الرجعة فيما قد يتوصل إليه الحوار من حلول وفى الحالتين يظل السبب غير متلائم مع إستحقاقات المرحلة.
عادل حزين
نيويورك
adel.hazeen@gmail.com