أصداء

أثر الأم في حياة عزيز نيسين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كانت العلاقة بين عزيز نيسين وأمه تشوبها الدراماتيكية، حيث تركت أثرها في مخيلته منذ كان طفلاً و سطرت منهجه الفكري بخطوط حزينة أخذت شكل السخرية السوداء الناقمة على التخلف البغيض و النفاق المستشري في المجتمع التركي آنذاك..

لقد جاءت كتابات "عزيز نيسين" عن أمه بقدر عظيم من التبجيل و الحب الذي وصل إلى درجة عالية من القدسية يتجلى ذلك من خلال منحها هالة ملائكية جميلة، فقد كانت هذه الهالة الملائكية المحفز القوي له في معترك كفاحه الطويل ضد قوى الظلام و الجهل و التخلف.

ما بين المساحة الملائكية المقدسة التي أحاطها بها و ما بين قلة الحيلة و جلد الذات لتقصيره بحقها حيث الوقت الذي لم يسعفه كما ينبغي لكي يمنحها حقها كما يجب في زمن كانت المرأة فيه لا شيء سوى وعاء إنجاب..

يبدو جلياً حجم جلد الذات و الشعور بأن والدته ضحية مجتمع أهان كينونتها و إنسانيتها عندما قال نيسين "اعتدت تخيل أمي البالغة من العمر الثامنة عشر عاماً فقط وهي تطرز و لكن ليس بالخيوط الملونة، بل كانت تطرز بدموعها والنور المشع من عينيها. لكم تمنيت لو أعطي مقابل كل قطعة واحدة من تلك القطع التي طرزتها يدا أمي، كل كتبي وكل ما سأكتبه".

لقد تجلى وضع "عزيز نيسين" أمه في الإطار الملائكي في سرده عن حادثة الزهور، حيث يقول:

"لم تكن أمي تستطيع القراءة ولا الكتابة. إلا أنها كانت سيدة غاية في رقة المشاعر والإحساس. إن كل الأمهات هن أفضل نساء العالم.

وأمي، لأنها أمي، كانت أفضل امرأة في العالم.

في إحدى المرات، قطفت زهوراً من الحديقة وأحضرتهم لها.

كانت سعيدة بتلك الزهور.

قالت لي:" تعال، دعنا نقطف المزيد".

ذهبنا إلى الحديقة التي بها أشرت إلى بعض الزهور. قالت لي:" أنظر، لجمال الزهور، إن تلك الزهور تعيش كما نعيش نحن أيضاً. إذا قطفناها تموت. إنها ستكون أجمل وهي هكذا واقفة على ساقها. ولن يبدو عليها الجمال وهي في كوبٍ زجاجي.

كلما مررنا بكل زهرة كانت تخبرني:" أقتلها، أقطفها لو أردت ذلك ".

مهما تعلمت وما من شيء جيدٍ أعرفه، فأعزوه إلى أمي.

أما الغضب و قلة الحيلة و الثورة على التخلف و الجهل الذي عامل المجتمع التركي النساء فإنه تجلى في إحدى قصائده "نيسين" النادرة...

أنت الأجمل من بين كل الأمهات..

أنت الأجمل من بين أجمل الأمهات..

في الثالثة عشر كان زواجك

في الخامسة عشر كانت أمومتك..

في السادسة والعشرين جاءت منيتك..

هكذا قبل أن تعيشي

كم أدين إليك بهذا القلب المليء بالحب

فأنا لا أملك حتى صورتك

كانت خطيئة أن تكون لكِ صورةً فوتوغرافية

لم تشاهدي الأفلام ولا المسرحيات

ولم تشهدي الكهرباء ولا الغاز ولا الموقد الكهربائي

ولم توجد أغراض البيت ومستلزماته لديك

لم تسبحي في البحر يوماً

لم تستطيعي القراءة ولا الكتابة

ولكن من وراء حجابٍ أسود

كانت عيناك الجميلتان تنظران إلى العالم.

أتتك المنية وأنتي في السادسة والعشرين، قبل أن تعيشي

من هنا أقول: لن تموت الأمهات قبل أن يعشن

هذا ما كان عليه الأمر أما الآن فهذا ما يصير إليه الأمر.


" لكم تمنيت لو أعطي مقابل كل قطعة واحدة من تلك القطع التي طرزتها يدا أمي، كل كتبي وكل ما سأكتبه".

Ozjan Yeshar

ذكرياتٌ،عن حلبجة، ألهبت افق خيالي

خلدون جاويد

مقدمة ومقتبس

الصمت في الأحداث الجسام ذل، وكل من يبرر صمته بالخوف او بدواعي مجافاة السياسة فانه معزول بشريا وكل من يدعي شاعرية العزلة سبيلا مضادا للوطن والنكبات الوطنية انما هو وشعره وشاعريته صفر على الشمال في ذاكرة الشعوب.

صدر لي، منذ أعوام، الكتاب لماذا هجوت الجواهري ورثيته، في لبنان عن دار أضواء ووزع في بلدان عربية عديدة ولم يتح لي أن اكتب عنه او اروّج له اذ ليس لي علاقة كما يعرف القاصي والداني،لا بالمال ولا الشهرة ايمانا مني بأن الكاتب او الشاعر كلما ركز في التفكير على ورشة عمله وأشاح بوجهه عن ادران الحياة فانه يجد طريقه الى قلب وجوهر المعاني الفاضلة لها وهذا هو المنار الوحيد الذي نبحر بإتجاهه. قال الإمام علي بن أبي طالب - ع -: " ان الأديب إذا زلت به قدم ٌ..... يهوي الى فرش الديباج والسُرر ِ ".
في ذلك الاصدار وردت قصيدة هامة في تاريخ حلبجة العظيم، واليوم ذهبت لاعيد قراءة الإطار الذي وضعت فيه وادناه مقطع من يوميات مثبته بتواريخ عملي مع الجواهري قارئاً ومصححا وقد وردت في الكتاب إياه ص 115:

المقتبس

" في بداية اكتوبر 1989 قرأت في الصحافة أنه حصل على وسام الفاتح - وسام ليبي -، وجوبيتر الآن لاشيء شعريا بينما تتقاطر عليه الأوسمة والمشاريع والهدايا.
طلب الفنان الرسام " ف... ي " من جوبيتر ان يضع توقيعه فقط على لوحات يقوم هو نفسه برسمها، مقابل ذلك يحصل جوبيتر على كذا ألف دولار أو فرنك فرنسي للوحة الواحدة، انه متحرق لهذا المشروع وقد ترك فكرة طباعة الكتب.
لم أتابع ما آل اليه المشروع.... واذا أُهمّش هنا فإني أقول انه بعد سنوات من كتابة هذه السطور يحصل الجواهري على جائزة الإنجاز الثقافي التي تكرم بها السلطان العويس، وذرف الشاعر المدوي الدميعات لذلك الحدث! وأيضا ً قصيدة مدح رائية بالصدد....
يا أيها القمرُ!..... اللعنة.
بعد شهر أو آخر التقيت جواد الأسدي في المقهى السياحي قرب ساحة المرجة.... وكان جواد يطفح بالعراق والعراقية... ويتابع بحرقة قضية العفو - كان مشتاقا الى والدته الكريمة، حبيبي جودي - ومدى جدية نزاهة السلطة العراقية فيها، كأنه ليس يدري ( بالبير وغطاه ) وتماما كما يقول أحد الشعراء ربما كان أبو تمام

وتراه يصغي للحديث بلبه
وبقلبه ولعلّه أدرى به ْ

ومع ذلك فشفيع جواد هو المتنبي أكثر من أبي تمام بإعتبار ان المتنبي أبا محسّد الفطن قد قال:

نحن أدرى بدربنا وسألنا
أقصير ٌ طريقنا أم يطول ُ

ألمهم أخبرني جواد الفنان والشاعر أيضا ذو القصائد الحنون... قال - ظللت أبكي لأكثر من نصف ساعة... أي والله! كنت مستلقيا وقتها على السرير وجفني مبلول وللدمع مسار في خدي وأنا أصغي لقصيدة أبي فرات هذا والمغناة من قبل ميادة الحناوي... كانت القصيدة - شممت تربك لازلفى ولا ملقا - فتمنيت مثلها بحق العراقيين الضائعين في المنافي، بحق حلبجة المغدورة، قصيدة ولو مبتسرة ضد الجريمة والفاشية.
ظلّت هذه الكلمات معي... بل كانت سفودا ً اذكى النار في ّ َ.
رحت بعد أيام، وأنا أتوه في الشوارع، ادندن ببعض الأبيات.. فاذا بي أهتدي الى مستهل شعري هو على غرار:

" أتعلم أم أنت لا تعلم ُ
بأن جراح الضحايا فم ُ "

لقد حوّرت هذا المطلع... فصار عندي: " أتشعر أم أنت لاتشعر ُ "... لزمت بيتي لثلاثة أيام بلياليها فكانت هذه القصيدة:
عراق المسلات والعتاب


أتشعرُ أَمْ أنتَ لاتشعرُ
بأنَّ سكوتكَ ذا
مضجرُ
وجرح الضحايا فم صادحٌ
على جانبيه الدِما
تقطر
وانك بالشعر ذو صولةٍ
لأنكَ من غمده
الخنجرُ
فماذا دهى عبقري الدنا
تبرأ من صمته
عبقرُ
تساوى مع الماء
تهْطالُهُ
وقد كان من وحلِه الكوثرُ
عهدناه شمسا
لديجورنا
وأفقا على صبحنا يقمرُ
توفي
ولمّا يزل طاعنا
حضورا مع الضيم
لايحضرُ
بعيدا عن المجد في صمته
تعامى
ومن فضله نبصرُ!
أيغدو سلاحا بلا ومضة
اذا مسَّه ظله يُكسرُ
أينسى الفراتَ
أخو كرمةٍ
وأُمَّ البساتين لايذكرُ
بليلَ القروحِ
قعيدا ذوى
ندَّ يَ الجروح ولايُزهرُ
سلام ٌ
على قامةٍ تُفتدى
أرتآها لقبلته السُكَّرُ
أغاني الفرزدق
من ثغره
جريرٌ على كفّه أظفرُ
وسحر النبيين
في شعره
وأيُّ النبيين لا يشعرُ
بأن نزيف العراق انتضى
سحائبَ
من روحنا تقطرُ
وجفن لعشتار عن دمعة
تمزّق
والقلب والأبهرُ
فكم من حسين بكت كربلا
وكم من عليٍّ
بها يُغدرُ
وكم (حسن )سمّهُ مارقٌ
وكم (مسلمٍ)
مرغما يكفرُ
وكم جبهة خضّبَت أرضَها
وباسَ نضارتها
الأحمرُ
وجفَّ ولم تكترثْ ثاكلٌ
من الصبر خافقُها أصبُر
وأضنى الثواكل
من لم تجدْ
ثرى ً للفقيد به يُقبَر
فراحَ كما طائر
في الفضا
جريحا ومن نصلهم يسخرُ
فأقوى من الموت
نسر الحياة
وأعلى من الموت بل أكبُر

لمن شاعر حيث لايشعرُ
وذو ناظر
حين لاينظرُ
أأنجب تموز عشّاقَنا
على لحن صمتك
كي يُنحروا
لماذا سكوتك في نكبةٍ
كسقم
بأجسادنا يحفرُ
تغاضيت خوفا فقد تجتنى
رقاب
دماها غدا تُهدرُ
وخفتَ على سنواتٍ ذوتْ
اذا هزَّها الذابلُ الأصفرُ
تباخلت شعرا!
وصيرته
على قدر ( قوتك ) لاتكثرُ
ولو شئتَ شوقا تدانى فمٌ
وسار لأقدامك
المنبُر
تغاضيتَ حين استجرنا أسى
وغيظا
بمن فكرهم أجدرُ
عسى (دجلة الخير)تصغي لنا
وتحنو علينا
-أخي جعفر-
فأنتَ اله القريض الذي
أذا قامَ في بوقه
المحشرُ
هو الشوك لوجئته وردةٌ
هو الرمل
لو دستَه أخضرُ
لماذا سكوتك أن البذيءَ
سيأبى ويستنكف المنكرُ
فذي قبلات العراق
ارتمتْ
شفاها بمحرقةٍ تُسجرُ
هي الحرب أوحى بها مجرمٌ
ذميمٌ
ووغد ًٌ ومستهترُ
)حلبجة) مئذنةً
ناشدتْ
وناداكَ ناقوسُها الخّيُر
ولا زاجل منك يهفو لها
مع الحلم
او غفلة تخطرُ
تُشد على جنحه
قبلة
وتدمع في كفّه الأسطر
قصيدك لايفتدي
موطنا
ومهدي زمانِك لايحضرُ
هباءٌ مكوثك
من دونه
سواءٌ أذا عشت أو تُقبُر

ولبنانك الفذ
لايفتدى
ببيتين؟ لبنانك النّيُر
وقد كنت من أرزه
نجمة
شراعا على جرفه تُبحرُ
وشقراء ليل
على كفّها
تعبُّ ومن ثغرها تسكرُ
فتباً لخنسائها
فارس
وسحقا لخولته الأزورُ
وتعسا لأحفادنا
أنكروا
جسورا معاركها تُذكرُ
نهاجر يؤنسنا
المهجرُ
وطاولة النرد والميسرُ

عراق بخور لمجد الدنا
على النار
من رفعةٍ ينثرُ
كليث تناهبه
مارقٌ
بسفكٍ ورغم الدنا يزأرُ

وشعبي يشق
على ركبتيه
طريقا وعن كبوة يُعذرُ
اذا نام فارسُه،
مهرةً
بنبلٍ على ظمأٍ يصبُر
وأن شاح عن خطبه
شاعرُ
هو القائل الشعرَ والأَشعرُ
وفي معصميه
مفاتيحه
تضيق وفي وثبةٍ تُكسرُ
كنسر بكف النصير
الأَبيْ
وفي حقدِ (كرديةٍ) تُؤْسَرُ
كما نخلة
حيث أهواره
برغم جراحاتها تُزهرُ
ومن فوهة الكيمياءِ
ارتأتْ
فصائلُنا خلسةً تعبُر
لتوصل بالرحم
من شُرِّدوا
وبالوطن الأُم من بُعثروا
وان كسرتنا صروف
هَوَتْ
ولم يسقط الوحش والقيصرُ
فلا ترمقونا
بوخزاتهن
الَأحَدِّ من السيف لو تبتُر
نموت وكم من شهيد
قضى
تمنى على موته يُعذرُ
شهيد ومن عيشنا
أجدرُ
ومن فخر امجادنا أفخرُ
سلاطيننا
لوتدانى ثراه
أقلُّ ومن كعبه أصغرُ
اذا قلتُ شعرا هو الاشعر
ورمتُ اشتهارا
هو الأشهرُ
عراق تجسّد من لحمه
ومن دمه النخلُ
يخضوضرُ
شهيد وأِما صغرنا غدا
بعين،
بوقع اسمه نكبُر
تهاوى ومن صدغه وردة
تضوع،
وينفرط العنبرُ
ومن ثغره المسكُ لو مرّغوا
ومن صدره الورد
لو عفروا
ومهما تضافَرُ
أسيافهمْ
من الطعن في الظهر أو توغرُ
ومهما تقادم
الهامنا
بفهد ٍ هو النبع والمصدرُ
ومهما كبونا! فأجسادنا
جسورٌ على بعضها
تعبُر
وفي دمنا مارد قادم
وليد الدمار
اذا دمروا
)صوارمُ ) في احقب تُرتجى
حوازمُ تسمو،
ولاتحقرُ
شراهين ( ياوتدا )
انهم
بنعماك تهتف لو تُنحرُ
ففي قولك المجد،
صفصافُهُ
قتيلٌ، ولكنه يُثمرُ!!!
أشمٌ وان طالك الواطئون
ببلوى،
وأزرى بك المهجرُ
ونسر اذا قارعتك السما
وكابدها
عرقك الأنسرُ
حنانيك لو أنت لاتُنصرُ
نصومُ السنين
ولا نفطر
_______
*كتبت في 31/3/1990
*نشرت في جريدة النداء اللبنانية في 5/4/1990 تحت اهداء: في عيد ميلاديكما وعطاءا جديدا.
وفي الختام أقول إن المبدع قادر على اختيار صمته أو توقفه أو مجانفته الواقع والحياة فالإنسان حر والذين يتجاوزون على الآخرين باللآئمة كما فعلت أنا بوقته خاطئون نسبيا، لأن ارادة واختيار الصمت الجواهري عائد الى ظروفه التي قد اختلف معها او لا وأنا بالتالي لست حكماً، لكن اتخاذي للصمت إياه مبررا أو قناعا فنيا ًاكتب من خلاله فهذا كان ولايزال جزءاً من حريتي في الكشف عن الحقيقة او الجريمة... وشفيعي بذلك الفيلسوف الفرنسي العالمي الكبير جان بول سارتر القائل: ان المثقف مسؤول عن أن يعرف بجرائم تقع ضد الانسانية وعما مالايعرفه أيضا كجزء من مسؤولية الثقافة وتفاعلها الإيجابي. وللتاريخ أقول: لا أزال،انتهل من رباعية الجواهري الجبارة ديوانه الفخم سفر النبل العراقي والأحداث العراقية الجسام ودوره المدوي والمشرف فيها، لكن لكل مقام مقال.كما أن أي صمت على الجبهة الثقافية العراقية او العربية لايليق بعراق ضاج ٍ بالدم والنحيب.

أوزجان يشار

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف