دعوى للجهاد ضد المسيحيين العرب؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لا أدري لماذا تتناول معظم مقالات الدكتور زغلول النجار هجمات شرسة على العقيدة المسيحية وكتابها المقدس، ولا اعلم لماذا لا يتوقف الدكتور النجار عن التعرض للمسيحيين حرصاً على سلامة ووحدة ومستقبل الأوطان العربية، كذلك لا أفهم لماذا لا يتدخل رجال الفكر المستنير لدحض تفاسير وشروحات الدكتور النجار السلفية. نقاط ملحة طالما أثارها العديد من الكتاب والمفكرين في السنوات الأخيرة، ولكنها بقيت كالأسئلة التي لا تجد إجابات مثلها مثل العديد من الأسئلة التي تتعلق بأوضاع الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط. لقد شكا الكثيرون من المعتدلين من الأثار السلبية التي تخلفها كتابات هذا الرجل، ولكن لم يجرؤ مسئول مصري على مساءلته، ولم تستطع صحيفة كبرى كالأهرام القاهرية على مواجهته. لم أكن لأعترض لو أن مقالات الدكتور النجار اقتصرت على شرح نصوص القرآن وتوعية المسلمين بدينهم وواجباتهم، ولكن إعتراضي يأتي بسبب التعرض السافر للمسيحية والمسيحيين الذي تحتويه معظم مقالات هذا الرجل.
كنت تفائلت خيراً عندما قطعت الأهرام في فبراير الماضي سلسلة الدكتور النجار حول سورة الاعرافو تحريف الكتاب المقدس للمسيحيين. إعتقدت لوهلة أن وقفة صادقة مع النفس من قبل رئيس تحرير الأهرام قد حدثت لمواجهة الفكر السلفي المتشدد للدكتور النجار. ولكن يبدو أنني كنت واهماً، فما زالت مواجهة التطرف الديني في مجتمعاتنا قاصرة على المواجهة الأمنية فقط، في حين تغيب المواجهة الفكرية تماماً، بل أن العديد من قادة الرأي العام يرفض الخوض في نزالات مع قادة الفكر المتطرف خوفاً من بطشهم وشعبيتهم. فالقائمون على صحيفة الأهرام يعلمون مدى نفوذ شخصية الدكتور النجار لذلك فهم لا يرغبون في مواجهته.
كان من أخر مظاهر الفكر السلفي للدكتور النجار هو ما جاء في مقاله المنشور بجريدة الاهرام بتاريخ 28 فبراير 2006، الذي يتناول فيه الدكتور النجار شرحاً للخطوط الرئيسية لسورة التوبة. ضمن شرحه لمحور فريضة الجهاد، لم يكتف مقال الدكتور النجار بتصنيف المسيحيين على أنهم مشركين، ولكنه مضى ليحتوي على ما يمكن أن يعبر تحريضاً صريحاً للجهاد ضد المسيحيين العرب، إذ يذكر المقال ما نصه "وفي الآيات منrlm;(29)rlm; إليrlm;(31)rlm; تنتقل السورة الكريمة إلي تحديد العلاقات بين المسلمين وأهل الكتاب بصفة عامةrlm;،rlm; وإن كان المقصود في هذه الآيات هو دولة الروم وحلفاءها من نصاري العرب في بلاد الشام وما وراءهاrlm;.rlm;" مقال الدكتور النجار لا يشير مطلقاً إلى الظروف التاريخية للنص الوارد بصورة التوبة ولكنه يمكن أن يفهم على أنه دعوى صريحة للجهاد ضد المسيحيين بمن فيهم المسيحيين العرب، إذ يوضح النجار أن الأحكام الواردة بشأن الجهاد في سبيل الله تأتي علي إطلاقها، لأن العبرة في القرآن الكريم هي بعموم اللفظ لا بخصوص السببrlm;.rlm; أخشى أن يكون مقال الدكتور النجار تورية وإسقاط على مسيحيي يومنا هذا.
يؤكد الدكتور النجار أن الجهاد فريضة واجبة عل كل مسلم، على أن يكون الجهاد عبر التضحية بالنفس والمال لدفع المظالم والظالمين وقتال المشركين والكفار. ويشير إلى أن الآيات الثماني والعشرون الأولي من سورة التوبة تضمنت حثا للمسلمين علي الجهاد في سبيل اللهrlm;،rlm; وتحديدا للعلاقات بين المسلمين والمشركينrlm;، غير أن الكاتب ينعي الدكتور النجار على بعض المسلمين تثاقلهم إلي الأرض عند دعوتهم إلي الجهاد في سبيل الله. ويذهب النجار إلى إدانة المسلمين المعتدلين الذين يرفضون المشاركة في الجهاد حيث يدعو إلى نبذ جميع من لا يمارس الجهاد في سبيل الله باعتبارهم منافقين ينتظرهم عذاب أليم.
لعل أهم مظاهر التطرف التي تبدو من مقالات ورؤية الدكتور النجار هي مساعيه إلى زعزعة التعايش المشترك بين المسلمين والمسيحيين في العالم العربي، وغرس التمييز ونقض المساواة بينهما، إذ يقول في مقاله المشار إليه - دون الإشارة إلى المصدر - أن سورة التوبة تشير إلى عدم جواز تولية المشركين حتى وإن كانوا من أقرب الناس نسبا للمسلمrlm;.
إن كتابات الدكتور النجار المتطرفة المثيرة بحاجة لتدخل حاسم من رجال الفكر الإسلامي المعتدل لتفنيدها وفضحها. لم يعد الصمت يجدي أمام حالة كهذه. مقال كالمشار إليه يشكل خطراً محدقاً بمستقبل التعايش المشترك بين أتباع الأديان المختلفة بالدول العربية. لا يمكن أن نلوم الدكتور النجار فقط على فكره السلفي المتشدد، ولكننا نلقي بالمشئولية على عاتق وسائل الإعلام التي سمحت بنشر مقالات كالمشار إليها. إن على وسائل الإعلام الآن أن تطلع بمسئوليتها في مواجهة التطرف، وذلك بفرد مساحات أكبر للكتاب الإسلاميين المعتدلين لنشر الوعي والفكر الديني المعتدل بين شعوبنا. إنها دعوة لمواجهة الفكر المتطرف بالفكر المعتدل.
جوزيف بشارة