أصداء

العنف وحرب المناصب في مصر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يخطئ من يظن أن العنف ظاهرة غريبة عن بلدان العالم الثالث ومؤسساتها السياسية والإجتماعية والدينية، ويخطئ من يعتقد أن العنف يقتصر على فئات ضالة من شعوبنا. يرتبط العنف ارتباطاً وثيقاً بالأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية بالمجتمعات، فينتشر حيث التخلف والقهر والفقر، ويقل حيث التقدم والعدل والرخاء. المتأمل لأحوال العالم الثالث يدرك للوهلة الأولى أن العنف يأخذ العديد من الأشكال والصور، منها العنف السياسي، والديني، والطائفي، والإجتماعي، والرياضي. معظم المجتمعات العربية تصنف على أنها مجتمعا مقهورة وفقيرة ورجعية. تكاد هذه المجتمعات تنفرد عن العالم المتحضر بظاهرة العنف المرتبط بمناصب العمل العام، حيث يستخدم العنف أو البلطجة في الصراع على النفوذ والوجاهة والإستثناءات والحماية والإمكانات المادية والتركيز الإعلامي وغيرها من المزايا. على الرغم من أن العمل العام عادة ما يفترض أن يكون تطوعياً، إلا أن ذلك يبقى حبراً على ورق في كثير من الحالات. توقفت هذا الأسبوع أمام حدثين مشينين ارتبطا بالعنف وصراع المناصب العامة في مصر. المثير في الأمر أن القائمين على الحدثين كانا من كبار رجال القانون المصريين، حيث قاد الحادث الأول الدكتور نعمان جمعة أستاذ للقانون وعميد سابق لكلية الحقوق بجامعة القاهرة، بينما قاد الحادث الثاني المستشار مرتضى منصور المحام الشهير.

جاء الحدث الأول في إطار الصراع الدائر على زعامة حزب الوفد، وفي إطار تحدي نعمان جمعة للجمعية العمومية للحزب التي قررت عزله من الرئاسة بعد فشله في قيادة الوفد نحو تحقيق نتائج مرضية في الإنتخابات العامة التي جرت قبل شهور. أسهمت سلبية القيادة السياسية في مصر متمثلة في لجنة شئون الأحزاب التي يرأسها صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني الحاكم في اشتعال الموقف بين المتنازعين، حيث اتخذت اللجنة موقف المتفرج من الأحداث التي اشتعلت قبل نحو شهرين، ورفضت اعتماد قرار الجمعية العمومية للوفد بعزل نعمان جمعة. ألطريف أن لجنة الأحزاب تحركت بعد اقتحام أنصار جمعة للحزب هذا الأسبوع وقررت القبول بقرار الجمعية العمومية بتعيين المستشار مصطفى الطويل رئيساً للحزب. كان من العجيب أن يلجأ قائد حزب معارض يفترض أنه يناهض الدكتاتورية ويدعو إلى الديمقراطية إلى العنف واستخدام السلاح لمقاومة صوت الشرعية والأغلبية.

أما الحدث الثاني فقد شهد اقتحام مرتضى منصور لنادي الزمالك في محاولة منه شخصياً لتطبيق قرار محكمة القضاء الإداري بعودته لرئاسة النادي وإلغاء قرار الجهة الإدارية بحل المجلس المنتخب الذي كان يرأسه. كان وزير الشباب الأسبق أصدر قراراً قبل شهور بحل مجلس مرتضى منصور بناءً على دعاوى بالفساد من نصف أعضاء المجلس، بالإضافة إلى اتهامات بتعكير المناخ الرياضي والمنافسة الشريفة مع الأندية الأخرى. رغم أن الحادث لم يرق إلى استخدام العنف المسلح كما في حدث حزب الوفد، إلا أن اقتحام منصور لمبان النادي وشجاره وأنصاره مع مدير عام النادي كاد ينذر بتكرار سوابق أخرى أشد عنفاً اشترك فيها منصور خلال فترة رئاسته القصيرة للنادي.

إذا كان للعنف السياسي والإجتماعي أسبابه المتمثلة في الدكتاتورية و الفساد وعدم المساواة والظلم والسعي نحو الحرية، وإذا كان للعنف الديني والطائفي والرياضي مراجعه الحمقى المتمثلة في التطرف والتعصب والكراهية، وللعنف الرياضي، فإن ظاهرة العنف المرتبط بمناصب العمل العام في عالمنا العربي تعود إلى غياب دولة المؤسسات وسيطرة الحكم الفردي، وتغييب المصلحة العامة وتغليب المصالح الشحصية، فضلاً عن العوائد والفوائد والمزايا المباشرة وغير مباشرة، الشرعية وغيرالشرعية التي تعود على بعض العاملين بالعمل العام. لقد اتسمت نسبة كبيرة من العمل العام في العالم العربي بالفساد وعدم الشفافية على مستويات عدة، من ثم ارتبطت المناصب بنوعية معينة من أهل الثقة والوصوليين وأصحاب الطموح، وأصبح التمسك بالمناصب وغاية ووسيلة للحفاظ على المكاسب المعنوية والمادية.

بينما كانت السلطة والدكتاتورية وسيلة القيادات السياسية للحفاظ على مواقعها، كان العنف وسيلة أصحاب المواقع الثانوية للحفاظ على مناصبهم. لم تعد للعملية الديمقراطية تأثير يذكر في إقناع هؤلاء بالتخلي عن مناصبهم كما في حالة نعمان جمعة الذي رفض قرار الجمعية العمومية للحزب، كما لم يعد للرفض الجماهيري العام أثر على هؤلاء للابتعاد كما في حالة مرتضى منصور الذي أصر على استكمال فترة رئاسته رغماً عن الجميع. كلا الرجلين فقدا شرعيتهما ووجودهما الجماهيري في الكيانين اللذين كانا يديرانهما، ولكن كلاهما رفضا الموت السياسي والإجتماعي على أبواب مؤسستيهما. لقد انتخب جمعة ديمقراطياً قبل أعوام لقيادة حزب الوفد العريق، فقاده إلى قاع الحياة السياسية في مصر، و كذلك كان انتخاب منصور لقيادة نادي الزمالك قبل ما يربو على العامين، ففقد النادي استقراره وتحول على يديه إلى قاعدة مدفعية وجهت أفواهها نحو منتقديه ومعارضيه ومنافسيه.

كان رحيل جمعة ومنصور مطلباً ملحأ حتى يعودة الإستقرار إلى الوفد والزمالك، ولكن الرجلين تحديا الرأي العام وقررا العمل بكل ما أوتيا من قوة للإستمرار في موقعي نفوذهما. إختار نعمان جمعة في البداية اللعب على وتر صفوت الشريف رئيس لجنة الأحزاب الذى أيده حتى النهاية بغرض تفتيت حزب الوفد، وعندما تأزم الموقف مع أعضاء الحزب لجأ جمعة إلى العنف للسيطرة على مقاليد السلطة داخل الحزب. اما مرتضى منصور فقد لجأ إلى القضاء والقانون، الذي يدرك خباياه ومداخله لكونه محام شهير، بغرض إستصدار حكم بعودته لقيادة الزمالك، فنجح في الحصول على حكم من محكمة القضاء الإداري لمصلحته. كان لجوء منصور للقضاء عملاً لا غبار عليه نظريا، ولكنه تخطى الخطوط الحمراء بمحاولته الإستيلاء على الزمالك بالعنف والقوة عبر اقتحامه النادي مع مؤيديه ومحاولته فرض الحكم رغم أن تلك الخطوة هي من صميم مسئولية الجهة الإدارية.

ما حدث في حزب الوفد ونادي الزمالك ليس بالشيء الغريب على مجتمع فقد الكثير من تسامحه ومبادئه وقيمه في السنوات الأخيرة. لقد فقد المجتمع المصري النموذج الذي يحتذى في تداول السلطة وتحمل المسئولية أمام الرأي العام. الفشل الذي مني به الرجلان خلال قيادتهما لمؤسستيهما كان ولا بد أن يدفعهما للإستقالة، لو كانا يشعران منصبيهما مسئولية فبل أن يكون وجاهة. القيادة السياسية التي لا تزال تحكم مصر منذ خمسة وعشرين عاماً منحت رجال العمل العام الدافع للتشبث بالمناصب والمواقع التي تجلب الجاة و المال والنفوذ. كانت السقطة السياسية لمستشار الرئيس المصري أسامة الباز، عندما صرح بأن مبارك سيبقى في السلطة طالما لم تتواجد الشخصية الكفئة المؤهلة، نموذجاً للأخرين من أصحاب المناصب الأقل شأناً في احتكار السلطة، ناهيك عن التقليل من شأن الشعب المصري الذي يتم تصويره على أنه لم يعد قادراً على إنجاب الزعماء والقادة. زعماء أحزاب المعارضة وقادة العمل الإجتماعي ليسوا استثناءً من هؤلاء القادة المتصارعين على المناصب، إذ أن بعضهم يمثل إفرازاً طبيعياً للمناخ الغير صحي الذي تنتجه الحياة السياسية في مصر. وتبقى مصر مجرد نموذج لما يحدث في معظم انحاء العالم المقهور والفقير والرجعي.

جوزيف بشارة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف