ما وراء موقف الجعفري؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لعل المثل الشعبي المعروف " يا شدة أشتدي تنفرجي" قد يعطينا تفسيرا تقريبيا لحقيقة العوامل التي تقف وراء موقف السيد رئيس الوزراء المنتهية مدة رئاسته. أذ ليس من باب الجهل بألأحداث أو عدم المعرفة بما تكتبه أو تعلنه المؤسسات ألأعلامية على أختلاف مشاربها، من دعوات موجهة الى السيد رئيس الوزراء،مطالبة أياه بسحب ترشيحه لرئاسة مجلس الوزراء القادمة، أن لم يكن ذلك من باب التجاهل، بل وحتى ألأستخفاف..! فموقف الدكتور الجعفري المتصلب، والمعلن عنه بأستمرار، من جميع تلك الدعوات والمناشدات، بما فيها المناشدات الآتية من حلفاءه في كتلة ألأئتلاف، ومن قبل أطراف في الحوزة العلمية، انما هو تعبير عن تمسكه، وبأصرار، بقواعد وآليات الديمقراطية، التي منحته أحقية الترشيح لهذا الموقع. ورغم ذلك فلم يجد هذا الموقف تجاوبا من أغلبية ألأطراف السياسية في العملية السياسية مما تسبب في وقوع البلاد في أزمة سياسية خانقة، تنذر بالتداعي الى ما هو أسوأ مما هي عليه ألآن..؟! وفي الملاحظات التالية أحاول ألأشارة الى بعض ما يقف وراء موقف السيد الجعفري وكيفية أدراته للأزمة:
قد يكون السيد الجعفري محقا في ما لديه من المبررات الدستورية، والتي هي في صلبها مظهرا من مظاهر الديمقراطية، ما يدعم موقفه هذا ويدعوه الى ألأصرار على ثوابته في التمسك بشرعية ترشيحه من قبل كتلة (ألأئتلاف) الى منصب رئيس الوزراء، أذا ما سلمنا جدلا بصحة ذلك، حيث يجد هذا الموقف سنده في الدستور_المادة/ 74 أولا..!
بما أن منصب (رئيس الوزراء) هو منصب سياسي قبل أن يكون منصبا وظيفيا، وبالتالي فأن تمسك السيد الجعفري بحقه في الترشيح، مدعوما بالأسناد الدستوري، رغم ألأعتراضات الموجهة من قبل ألأطراف السياسية ألأخرى على هذا الترشيح، وتأكيده المستمر على حسم النزاع داخل البرلمان، رغم علمه المسبق بأحتمالات النتائج المتوقعة بعدم قبول ترشيحه عند عرض ألأمر على التصويت في البرلمان، أنما يجد تفسيره في الدوافع السياسية التي تقف وراء هذا الموقف المتشدد..!
انه ومن نافل القول، فأن عملية ترشيح السيد الجعفري قد تمت عبر عملية صراع سياسي متفاوت في شدته بين أطراف (ألأئتلاف الشيعي) الذي يضم في عضويته سبعة أحزاب سياسية متباينة المصالح وألأهداف، الجامع بينها هو أنتمائها الطائفي ليس غير. وحيث أن البناء السياسي في الدولة برمته ومن بداياته قد بني على أساس "طائفي - قومي"، فهذا لن يمنع من بقاء الفوارق بين مكونات هذه الكتل ألأئتلافية، التي عادة ما تجد قوتها وشعبيتها من خلال أنتماءها الى الطائفة أو القومية. وليس حالة (ألأئتلاف الشيعي) شذوذا على هذه القاعدة..!! وتأسيسا على ذلك يمكن أدراج الملاحظات التالية كمؤشرات أولية لتفسير الدوافع السياسية لموقف السيد الجعفري من أشكالية الترشيح لمنصب رئيس الوزراء:
*- أن كافة مكونات كتلة (ألأئتلاف الشيعي) حريصة على بقاء وأستمرار وحدة ألأئتلاف، للأسباب المذكورة في أعلاه، وهذا ما تؤكده يوميا جميع المكونات المنضوية تحت خيمة ألأتلاف، والذي تعززه من خلال الدعم الذي تنشده لدى المرجعيات الدينية للطائفة الشيعية، وهذا ما أكدته المرجعيات الدينية نفسها في أكثر من مناسبة..! وتحت غطاء (وحدة ألأئتلاف) تخفي هذه المكونات، كل ما يمت بصلة الى وجود أية خلافات فيما بينها رغم ظهورها للعيان..! فرغم تكذيب سماحة السيد عبد العزيز الحكيم، وهو يمثل رئيس كتلة ألأئتلاف، لوجود مثل تلك الخلافات داخل صفوف ألأئتلاف، جاءت تصريحات السيد الجعفري لتؤكد العكس..!
*- في لقائه مع قناة العالم الفضائية يوم السادس من نيسان 06 أكد السيد عمار الحكيم من ألأئتلاف على ألأهمية ألأستثنائية لوجود ألأئتلاف ككيان يجمع بين دفتيه الطائفة الشيعية، وكان صريحا في ربط هذا الوجود بمسألة الترشيح الى منصب رئيس الوزراء، موحيا ومكررا ولأكثر من مرة بأن هذا المنصب هو حق وكأنه "مطلق" للأئتلاف وليس لغيره. مما يعطي تفسيرا لأسباب تمنع ألأئتلاف من دفع قضية السيد الجعفري الى البرلمان خوفا من مجازفة غير محمودة النتائج. وألأدل على ذلك رفض ألأئتلاف أنعقاد الجلسة الثانية للبرلمان التي كان يفترض أنعقادها يوم الخميس 6/4/2006 لتوقعه بفشل مرشحه، وما قد يستتبع ذلك من أحتمال قيام الكتل ألأخرى بتسمية مرشح بديل من خارج كتلة ألأئتلاف، وفي ذلك الطامة الكبرى..!؟
*- هذه الحقيقة المعروفة للجميع ومنهم السيد الجعفري، في أعتقادي، ولجميع قيادات المكونات السياسية داخل الأئتلاف، قد تحولت الى ورقة ضغط داخلية تستخدم من أجل منع ألأئتلاف من التراجع عن ترشيحه للسيد الجعفري وأستبداله بمرشح آخر، نزولا عند رغبة ألأطراف السياسية ألأخرى في البرلمان؛ وهي عادة ستكون في صالح كتلة ألأئتلاف نفسها أذا ما أقدمت عليها، حيث أنها ستحتفظ بحقها في الترشيح للمنصب لكونها ألكتلة ألأكبر في البرلمان..! وهذا ما يدركه السيد الجعفري والقوى التي يمثلها، وبالتالي فأن رفضه لمطالب تلك ألأطراف مبني على هذا ألأساس، مما خلق حالة من التبلبل والحيرة بين صفوف ألأئتلاف نفسه، من كيفية أيجاد مخرج من هذه ألأزمة..!!
*- فالتلويح بورقة (وحدة الأئتلاف) قد وضع قيادة ألأئتلاف في مأزق لا تحسد عليه، حيث في حالة رفضها لأستبدال مرشحها، سيعرضها ذلك الى مخاطر فقدان حقها، كأكبر كتلة برلمانية، في تسمية المرشح لمنصب رئيس الوزراء، لتوقعها الفشل في البرلمان بسبب أصرار القوى ألأخرى على تمسكها برفض السيد الجعفري كمرشح لهذا المنصب، مما قد يعرضها الى خسارة جسيمة ويفقدها مكاسبها التي حصلت عليها من العملية ألأنتخابية. وهذا ما دفعها للمماطلة المستمرة في أنعقاد جلسات البرلمان..!
*- أما في حالة قبولها بالتغيير وأستبدال السيد الجعفري بمرشح آخر قبل الذهاب الى البرلمان، فهو ألآخر قد يعرض كتلة (ألأئتلاف) الى ألأهتزاز الداخلي والى التفكك والتشرذم، وربما الى التحارب بين مكوناتها، التي هي أصلا تعاني من أختلاطات وخلافات قديمة، وهذا ما أنفك بعض قادة المكونات السياسية للأئتلاف، ومنهم السيد الجابري رئيس حزب الفضيلة ينبهون اليه. وفي كلا الحالين يصبح حال (ألأئتلاف) كحال من أستجار من الرمضاء بالنار..!؟ وأن كانت هناك بعض الشكوك في مسألة تفكك ألأئتلاف..! فعلى سبيل المثال وتفاديا لحدوث ما لا تحمد عقباه. وتحاشيا من الدخول في المحضور، وهو الذهاب الى البرلمان، وهو ما يتمسك به السيد الجعفري بأستمرار، تقدمت بعض المكونات من ألأئتلاف ومنهم السيد الجابري رئيس حزب الفضيلة وفي ندوة تلفزيونية مع قناة العربية مساء الجمعة 7/4/2006، أعلن عن مشروع مقترح لنقل مناقشة هذه ألأشكالية وحلها الى الشارع، من خلال ندوات مفتوحة وألأبتعاد عن اللقاءات المغلقة..!
*- أن معرفة السيد الجعفري بحقيقة المعادلة السياسية، مسندا بقوى من داخل (ألأئتلاف)، مدعومة بميليشيات مسلحة، وقوى أخرى من خارج ألأئتلاف، قد تلتقي مصالحها مع المواقف السابقة للسيد الجعفري فيما يتعلق بالموقف من قضية كركوك، أو من الفدرالية على سبيل المثال، قد وضعه في موقف أللاعب ألأكثر خبرة في اللعبة السياسية، ساترا كل أوراقه ألأخرى في مواجهة ألآخرين، ألا الورقة الدستورية التي تمنحه حق التشبث بالبقاء، وهذا الواقع بكل أحتمالاته، ما يراهن عليه في حالة الذهاب الى البرلمان..! غير عابيء بكل ما يقال أو يعلن عن أخفاق وفشل حكومته في أدائها السياسي والوظيفي والنتائج الكارثية لذلك ألأداء..؟! مستفيدا من خشية (ألأئتلاف) على وحدته من التفكك من جهة، وعارفا بحيرة الأطراف ألسياسية ألأخرى في أتخاذ القرار المناسب، حفاظا منها على أستمرار مسيرة العملية السياسية، وتجنبا للمزيد من ألأحتقانات الحزبية - الطائفية من جهة أخرى..!
*- مضافا لكل ذلك المناورة والتلويح بورقة ألأتفاق على السلطة التنفيذية التي تشمل رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء..! وهي ايضا من ألأوراق الضاغطة في عملية تسمية رئيس الوزراء..!؟ وقد كشفت تصريحات السيد جواد المالكي الناطق بلسان ألأئتلاف والقيادي في حزب الدعوة في تصريح لإذاعة ''سوا'' الأميركية أمس 6/4/ 2006 حيث قال((''سنرفض مرشحي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب وسنرفض أشياء كثيرة، فالرفض يفتح باب الرفض لذلك لانريد أن نذهب وهناك اعتراض على مرشحنا أو عملية لسحب البساط من تحت أقدامنا''middot; وقال النائب من الائتلاف علي الأديب ''هناك ضغوط على الائتلاف من أجل سحب مرشحه وهي تهدف إلى تفتيت وحدته باعتباره أكبر كتلة في البرلمان، لكنه صامد حتى الآن ويعد المسألة داخلية''middot;))، هذا اذا ما كانت هناك أوراق أخرى غير معلنة، ومع استبعادنا لكل عوامل التأثير ألأقليمي والدولي من اللعبة السياسية..!
*- وفق هذا السيناريو الذي بدت معالمه أكثر وضوحا، ما يفسر أسباب صمت السيد الجعفري وأكتفاءه فقط، بألأعلان عن أستناده على الدستور في أستمرار رفضه لمطالب القوى ألأخرى، دون أن يقدم ما يدحض ألأسباب التي دفعت بتلك القوى بما فيها قوى من ألأئتلاف نفسه لرفض ترشيحه الى منصب رئيس الوزراء لمرة ثانية..؟!
أن موقف السيد الجعفري أنما يعبر وبكل وضوح عن موقف سياسي واضح المعالم مدعوم من قبل قوى وأطراف من مصلحتها بقاءه على رأس السلطة التنفيذية، وقد نوهنا عن بعض تلك المصالح في أعلاه، ولا يعبر هذا الموقف عن مجرد طموحات ذات نفس شخصي بحت كما يعتقد البعض، بقدر ما هو يعكس حالة سياسية يمكن التعبير عنها بمقولة: أما أنا أو..!!؟؟؟
أما دماء العراقيين فأن نزيفها يشتد ويشتد، ثمنا مدفوعا على حساب الصراع من أجل السلطة ونهم المتعطشين اليها..!؟
باقر الفضلي