الآن وقبل فوات الأوان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من الطبيعي والمعقول جدا أن يتآمر الأعداء على أعدائهم وان يكيدوا لهم المكائد ويخططوا ويدبرون لإيقاعهم بشرك الفشل والهزائم، لكن من غير المعقول أبدا أن تتآمر جهة ما على ذاتها وهي تعي ذلك جيدا والأخطر من ذلك أن يكرر المستفيد من الخطيئة نفس خطيئة المهزوم مرة أخرى وضد نفسه، وحتى لا نبقى في العموميات فإنني اقصد هنا كيف تآمرت فتح على ذاتها بشكل وطريقة وزمان الانتخابات البلدية والتشريعية. فحتى المراقب الساذج كان يعرف أن فتح تقود بنفسها علانية نحو الهزيمة والعجيب أن الجميع صمت عن الأمر وكان الهزيمة كانت مصلحة الجميع، وأي مراقب سيجد العجب في الانتخابات الفلسطينية، فحتى في اعرق الديمقراطيات في العالم وفي نظم مستقرة ويسودها البناء المؤسسي ويحكمها القانون كانت تسجل بعض الهفوات هنا وبعض الهفوات هناك، إلا في الحالة الفلسطينية وتحت مظلة من الفوضى الداخلية والفلتان الأمني وسيطرة الاحتلال على الأرض والسماء والصراعات الداخلية، التزم الجميع باللعبة الديمقراطية بشكل يفوق كل الذين احترفوا تاريخيا لعبة الديمقراطية وأتقنوها حتى أصبحت ملكهم.
فتح قادت نفسها طواعية إلى النتيجة التي وصلت إليها، فهي اختارت الملعب غير المناسب بل وتآمرت وخططت لتكون نتيجة قرعة المرمى لصالح خصمها حتى في اللحظات الأخيرة، فريق تم اختياره عشوائيا وعلى وجه السرعة وبدون تدقيق وبدون زي موحد وبدون العمل ببطاقات الحكام الملونة إلا قبيل ضربة الجزاء في الثانية الأخيرة من المباراة وبلا معنى وبالتالي جاءت النتيجة على ما هي عليه، ووصلت حركة المقاومة الإسلامية حماس وتراوحت ردود الفعل بين فرح ومترقب وشامت، لكن أحدا لم يدر بخلده قط أن حماس ستصيبها حالة انعدام وزن كما هو حالها اليوم، فهي بصمت غريب الوحيدة الملتزمة بحالة التهدئة، بل والأغرب أنها تسعى لدى الآخرين لكي يلتزموا بالتهدئة حسبما تتناقل وسائل الإعلام حول اتفاقها مع الجهاد على التزام الأخيرة بالتهدئة ووقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة.
ذلك كان سيكون مفهوما لو ترافق مع إعلان الحكومة العتيدة في برنامجها أنها ملزمة بتنفيذ كافة التزامات الحكومة السابقة من باب العرف والعادة والقانون وأنها لا تستطيع شطب التركة الثقيلة التي تركتها لها الحكومة السابقة حتى لو أعلنت أنها تقبل ذلك كارهة، لكن العكس هو الذي حصل فالحكومة رفضت الالتزام بما التزمت به سابقتها ورفضت الإعلان حتى عن قبول مبدأ التفاوض مع إسرائيل وهي في نفس الوقت صمتت كليا وبدون تقديم أي تبرير عن لغة وفعل المقاومة الذي ملأت العالم بضجيجه قبيل الانتخابات وحتى بعد الانتخابات حول أن الناخب الفلسطيني انحاز إلى خيار المقاومة، الحكومة الفلسطينية برئاسة السيد هنية وبلونها المنفرد قدمت لإسرائيل مجانا التزاما بوقف لإطلاق النار غير معلن رسميا وهو اطرف أنواع التنازل، أن تعطي لعدوك ما يريد دون حتى أن تشعره بأنك تفعل ذلك فهو سيأخذ أقصى فائدة ممكنة من خطوتك دون أي التزام أو حتى بمجرد الحرج الدبلوماسي بان عليه تقديم مقابل، ويذكر المتابعون جيدا ما قاله هنري كيسنجر عن خطوة السادات الأحادية الجانب بطرد الخبراء السوفيات والتي قال عنها كيسنجر لقد حصلنا عليها مجانا مع أن السادات كان بامكانه أن - يبتز الولايات المتحدة - مقابلها، وكان يمكن للابتزاز أن يأخذ الشكل السياسي مثلا أو الاقتصادي، والحالة الآن فلسطينيا، حكومة تضرب عن التفاوض أو الاستجابة للضغوط الدولية دون برنامج مقابل سواء أكان هذا البرنامج باتجاه التهدئة أو السلم أو وقف إطلاق النار أو المقاومة، والمقاومة ليست بالضرورة العمليات العسكرية بل يمكن أن تكون -وهذا ما أدعو إليه- مقاومة سلمية لا عنفية جماهيرية تحظى بتجاوب العالم وتأييده وخصوصا الدعم الشعبي وغير الرسمي الذي سيمارس ضغوطا على حكومات بلاده للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني بدل معاقبته وتجويعه عقابا على ممارسته الديمقراطية، بيدنا اليوم نحن الفلسطينيين أكثر ورقة رابحة في السياسة الدولية وبها يمكننا أن نحارب العالم الغربي في عقر دارهم دون أن نخسر أكثر من خسارتنا -فالقرد لا يخشى أن يمسخ أكثر- فنن نجوع على يديهم ونقاطع بقرار منهم لا لذنب ارتكبناه إلا لأننا لا زلنا نحترم قرارات الشرعية الدولية والقوانين والشرع الدولية ونرفض التنازل عن حقوقنا التي يقرونها هم أنفسهم.
قبل اشهر قليلة فقط كان المقاتلين الفلسطينيين يحولون أجسادهم إلى قنابل بشرية وقد أداننا العالم كثيرا ولم نستطع أن نرد على أحد ردا منطقيا مقنعا على طريقتهم ولم نستخدم تحليل واحد من ابرز المفكرين الصهاينة أ.ب.يهوشع الذي قال:
ماذا تريدون من شخص ليس أمامه سوى أن يختار بين أن يختلط دمه بدم خمسمائة من اقاربة أو دم خمسمائة من أعدائه...ترى ماذا برأيكم سيختار ما دام في الحالتين ميت؟
الحكومة الحمساوية العتيدة مطالبة اليوم وبكل وضوح أن تقرر موقفها فإما أن تتنازل وتحذو حذو سابقتها مقابل أن يدفع العالم أجور موظفيها لتستمر - علما بأن أجور الموظفين اليوم هي عصب الاقتصاد الرئيسي - وحماس تدرك ان لا أحد يدفع أجرا لمن يعمل ضده، أو أن تعود إلى خيارها الذي رفعته - يد تبني ويد تقاوم - فالبقاء هكذا حبيسي حواري غزة لا علاقة له بقيادة شعب في أحلك اللحظات، فلن تصمد حكومة يستعرض ممثليها أمام كميرات التلفزيون بربطات العنق الفاخرة والوجوه التي يقفز منها دم الحيوية ( أكل الفلافل) أمام مشاهدين قد لا يجدوا غدا ثمن حبة الفلافل تلك، بل سيقبل الشعب قطعا الموت جوعا وهو يرى ممثليه يعلنون إضرابا مفتوحا عن الطعام ويجلسون أمام كميرات التلفزيون بوجوههم الشاحبة، ولا شك أن ذلك ليس واجب نواب حماس وحدهم بل نواب فتح والفصائل الأخرى وهم يذكرون ذلك النائب الايرلندي عن الجيش الجمهوري الذي قضى في سجون ملكة بريطانيا الديمقراطية دون أن يتنازل عن حقوق شعبه، وإذا لم يفعلوا ذلك فلن يجد أحدا منهم فرصة لمغادرة منزله في الصباح هذا إذا أبقت له الجموع الجائعة منزلا من أصله.
الآن وقبل فوات الأوان يجب توحيد كل الجهود وإطلاق انتفاضة جماهيرية لا عنفية قادرة على الحياة وعلى كسب تأييد وتعاطف العالم وذلك فبل أن تصبح قضية الحصول على الأجور من مانحين لا يدفعون إلا مقابل تنفيذ سياساتهم، لنسبقهم إلى قمة الجبل قبل أن نجلس مرغمين في قعر الواد بانتظار حبال نجاتهم التي لن تأتي أبدا.
عدنان الصباح