أصداء

صدام حسين وعقدة الزعيم عبد الكريم قاسم

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عندما تطرق صدام حسين في جلسة محاكمته الأخيرة إلى الزعيم العراقي المغدور عبد الكريم قاسم وبدون مناسبة، ليستعرض جزءا من "بطولات" مزعومة في صباه، فشل في تحقيقها في شبابه وكهولته وشيخوخته، فانه لم يكن ليعبر إلا عن عقدة كمنت في داخله طيلة المدة التي بدأ فيها طموحه يكبر في أن يصبح "شيئا ما". وكانت هذه العقدة هي عقدة "الزعامة الشعبية"، وما من رمز حقيقي لها في تاريخ الشعب العراقي الحديث والمعاصر وفي ذهن صدام نفسه إلا عبد الكريم قاسم.
ولطالما حلم صدام في أن يصبح زعيما ثوريا شعبيا وفق موضة الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي في العالم الثالث. ولم يجد بدا في تحقيق هذا الحلم إلا أن يسلك مسالكا من قبيل الاندساس في حزب قومي، والتسلق بطرق ملتوية مبنية على مبدأ العصبية القرابية والمساندة الشخصية والتزلف والكيد والغدر بالرفاق، وتصفية واغتيال الخصوم، والحروب وتبديد المال العام وشراء الذمم والضمائر والتي شهدناها لسوء حظنا، والنهاية التي يقف عليها الآن والتي نشهدها لحسن هذا الحظ المتأخر.
وخلال هذه المسيرة المرة، كانت عقدة الزعيم قاسم هي العقدة القوية لا شك وليست الوحيدة من بين العقد التي تكمن في شخصية صدام. وتبرز سمات هذه العقدة في فخر صدام وادعائه المتكرر من أنه كان مخططا وفاعلا في محاولة اغتيال الزعيم الفاشلة عام 1959، ومحاولته النيل منه في مناسبة وأخرى كلما شعر بفشله الذريع في كسب قلوب العراقيين. هذا بالإضافة إلى الخطوات التي أقدم عليها في محاولة لمحو صورة الزعيم قاسم من ذاكرة وقلوب العراقيين. حيث أقدم على تغيير الرموز المرتبطة به من قبيل تغيير اسم مدينة الثورة (حي الثورة في بغداد) إلى اسمه (مدينة صدام)، وذلك كونها الضاحية التي قام ذلك عبد الكريم قاسم بتخطيطها وتمليكها للأسر الفقيرة التي كانت تقطن جوار بغداد في أكواخ.
وكذلك تغيير اسم مدينة الطب إلى (مدينة صدام الطبية)، لأنها تعد من ابرز المنجزات في المجال الصحي في عهد قاسم وما بعده. وهي بناية ضخمة تتألف من 11 طابقا تقع في قلب مدينة بغداد وعلى ضفة نهر دجلة اليسرى، وقد كانت معلما هاما ورائدا في هذا المجال في العراق وربما في الشرق الأوسط كله.

وماذا أيضا؟
لقد قام صدام بتغيير أسماء المستشفيات التي تحمل اسم " المستشفى الجمهوري" في المدن والقصبات العراقية إلى مستشفى صدام أو غيره من الأسماء، وكما هو معروف انه قد أنشأت في عهد الزعيم قاسم في كل مدينة كبيرة أو صغيرة مستشفى يحمل هذا الاسم اقترانا بالنظام الجمهوري.
والملاحظ أن الزعيم قاسم لم يكن يحبذ أن يسمى شئ باسمه، إنما باسم الجمهورية أو غيرها من الرموز العراقية والعربية، كما هو الحال في أن الكثير من الأحياء الحديثة التي أنشأت في وقته كانت تحمل رموزا عربية وتجسد انتماءه ومساندته للقضايا العربية وقتها، حيث نجد أحياءا في عدة مدن عراقية مثل بغداد والديوانية والناصرية وغيرها تحمل اسم الجزائر، وأخرى تحمل أسماء فلسطين وتونس، والمغرب وجميلة (المناضلة الجزائرية). بالإضافة إلى مساندته العملية في دعم نضال هذه البلدان سواء ماديا أو معنويا.
ولكن الأخطر فيما أقدم عليه صدام هو الإيعاز إلى بعض الكتاب أو الكتبة في تأليف بعض الكتب والمقالات التي تهدف إلى النيل منه وتشويه صورته، كما دأب طيلة فترة حكمه على تشويه صورته إعلاميا، وهو ما انقلب ضده حيث تعمقت نحتت صورته في قلوب وضمائر العراقيين، سيما وإنها أصبحت في مرحلة ما خاصة بعيد مقتله ضربا من الميثولوجيا، حيث قال البعض برؤية صورته في القمر وآخر وجد اسمه على بيضة، وآخرون يرونه في المنام عائدا وهكذا.
وقد عادت صورة الزعيم من جديد إلى الواقع العراقي بعد أن أصبح الحديث عنه علنا وأعيد الاعتبار له بعد سقوط نظام صدام.
إن حلم صدام في أن يكون بطلا في الحقيقة، هو الذي دفع به إلى إجزال العطايا والمكافآت وسن القوانين التي تمنح كل من يتغنى به بقصيدة أو أغنية أو يجسم له تمثالا أو يرسم له صورة أو يؤلف له كتابا. وكانت أعلى المكافآت وأكبرها تدفع إلى غير العراقيين من العرب والأجانب. وهو ما اظهر حاشية وبطانة قريبة أو بعيدة، قسم كبير منها من إعلاميين عرب لا زال بعضهم أوفياء له، مارسوا تضليلا كبيرا على الرأي العام العربي وصوروا لهم هذا الصنم بطلا حتى حانت ساعة الحقيقة التي هوى فيها وهوت معه كل صوره الزائفة وهياكله المتهرئة.

حميد الهاشمي
أكاديمي عراقي مقيم في هولندا
hashimi98@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف