أصداء

المعارضة السورية تختلف تتطاحن لكنها موجودة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

المعارضة السورية: تختلف تتطاحن لكنها موجودة!!

في كل مرة وفي كل نشاط للمعارضة السورية يستطيع النظام السوري أن يأخذ وقته في الفرجة على قوى وشخصيات المعارضة السورية وهي تتقاتل وتتهم بعضها بشتى التهم، لدرجة يصعب على المرء التمييز بين هذه الورشات التي تفتتح للحوار وبين الحرب الكلامية التي تنهش لحم المعارضة السورية على ضعفها وجسدها الهزيل. كما أن المرء لا يجد نفسه سوى في أتون هذه المعمعة الحربية!! دون أن يستطيع تجنب هذا الردح وهذا القدح وذاك المدح في تصنيفات أكل الدهر عليها وشرب ولازلنا نحن نتحدث عن التباسات ذاك المعارض أو ارتهانات معارض آخر للخارج أو للسلطة ودن أي بريق أمل في جعل مطلب التغيير الديمقراطي مطلبا مؤسسيا يستوعب كل من ينضوي تحته مهما كان توجهه السياسي طالما أن الديمقراطية هي عقد بين مختلفين وليست زواجا بين حبيبين. لا أحد من المعارضة السورية يريد أن يرتهن للخارج وهذه معادلة واضحة لدى السلطة لكنها ليست واضحة للأسف لدى المعارضين أنفسهم. وأصبحت مقولة الارتهان للعامل الخارجي مقولة رائجة وتهمة جاهزة لدرجة أنك تصاب بالهذيان وأنت تحاول رصد تغير ما في نظرة المعارضة لهذا الأمر. بعض قوى وشخصيات إعلان دمشق مثلا تتحدث عن الارتهان للعامل الأمريكي وتغض الطرف عن حضور العامل الإيراني في الشأن السوري واللبناني أكثر مما يحضر العامل الأمريكي بمئات المرات!! رغم أن الجميع يعرف أن العامل الإيراني في المنطقة هو عامل مفجر لأنه شاء أم أبى هو عامل مذهبي وديني من حيث توليفة تدخله وحضوره السياسي. والمثال الساطع في هذا الشأن تصريحات الشيخ صبحي الطفيلي أول أمين عام لحزب الله حيث يقول: [الإيرانيون يعتبرون الشيعة في لبنان مزرعة والتواطؤ الإقليمي خلق قضيّة شبعا ] ومع ذلك لا يتحدث بعض رموز إعلان دمشق عن هذا الأمر ولاحتى جاء ذكر هذا الأمر في بيان جبهة الخلاص التي حددت أيضا موقفها من العامل الخارجي وإنها ضد التدخل الخارجي أو الاستقواء بالخارج من أجل التغيير السلمي في سوريا. مع أن التدخل الإيراني يقسم الشارع الإسلامي مذهبيا وهذا أخطر ما يواجه هذه المنطقة الموبوءة بانقسامات حادة هي مشاريع حرب أهلية عززتها السلطات الاستبدادية القائمة على مر العقود الخمسة الأخيرة. فإذا كان المشروع الغربي سواء بوجهه الأمريكي أو الدولي أو بأي وجه آخر يخلق استقطابا بين قوى الشارع العربي عموما والسوري خصوصا لكنه يخلق استقطابا بين السياسة وماقبل السياسة بين الحداثة والتقليد وهذا ليس منة منه بل هو الجزء الجوهري في حركيته الموضوعية وأعتقد أنه فارق واضح وبين.
أما النقطة الأخرى والتي هي مدار حرب طاحنة بين قوى المعارضة السورية هي غياب الفعل المؤسسي عن عمل المعارضة هذا الفعل الذي لا نجده في الحقيقة إلا عند تنظيم جماعة الأخوان المسلمين السورية. لدينا تحلقات حول رموز وشخصيات وإن كانت تتفاوت نسبيا بين حزب وآخر أو بين اتجاه وآخر ولكن ليس لدينا مؤسسات حزبية كي تنتج مؤسسات للمطلب الديمقراطي السوري. وهذا وجه من وجوه البلاء السوري غياب الفعل المؤسسي عن عمل المعارضة وله أيضا سببه الموضوعي هو قيام النظام وأجهزته بقمع أية ظاهرة تأسيسية وهي في المهد ولهذا لازالت الاعتقالات مستمرة. والملاحظ أيضا أن النظام يستخدم سياسة الخطوط الحمر المتغيرة نسبيا حسب أجندته مثال:
الآن أن تشتم أمريكا وقوى جبهة الخلاص فإنت مباح لك أن تقول ما تريد لهذا أحيانا كثيرة يجد بعضهم أن الاعتقالات غير مبررة بينما هي على العكس تماما واضحة وضوح الشمس لدى النظام السوري الذي هو حده يحدد الأجندة السورية بما هي أجندة السلطة نفسها وأولويات مصالحها المبنية على نزوع مافياوي نهاب.
كما أنني بهذه العجالة أقول لبعض من أصدقائي الكتاب العلمانيين ملاحظتين باتتا الآن متداخلتان في سوريا:
الأولى ـ أن السيد عبد الحليم خدام انشق عن السلطة وليس عن الطائفة وأعتقد أن هذا الأمر له دلالة واضحة عند كثيرين ممن تناولوا انشقاق السيد خدام وموضوع جبهة الخلاص سواء بالنقد أو بالتهجم.
الثانية ـ التيار الإسلامي في سوريا موجود وعلينا التعامل معه شئنا أم أبينا وحواره ودعم كل تقدم مدني ديمقراطي في طروحاته والابتعاد عن الباطنية والتبطين والتي هي السمة الأساسية في عمل السلطة السورية. ولا يوجد ممثلا الآن لهذا التيار يطفو على سطح الحدث وهو ممثل مؤسسي سوى جماعة الأخوان المسلمين والتي لا تشكل خطرا على مستقبل سوريا في حال استمرت في تقدمها نحو الدولة المدنية وهي التيار الأكثر ضمانة لعدم ظهور التيارات العنفية في التيار الإسلامي والتي يحاول النظام السوري تشجيعها على حساب التيارات السياسية المنفتحة.
هذه النقاط الالتباسية في المعارضة السورية ليس الحوار مستحيلا حولها والوصول إلى تقاطعات مهمة بشأنها. بل علينا أن نخطو خطوة أكثر جوهرية نحو توحيد المطلب الديمقراطي المدني حتى لو كان تحت يافطات مؤسسية شتى في الداخل والخارج وهذا المطلب الديمقراطي هو من يجعل الحوار أيضا ذو طابع مؤسسي وسياسي ويبتعد به عن النزوع الشخصاني والزعامي والحساسيات التاريخية داخل شتى صنوف المعارضة السورية.
رغم كل هذه العناصر في لوحة سورية قاتمة لكن هذه المعارضة موجودة كمطلب ديمقراطي سوري تعبر عنه بشتى الطرق وهذا الحي الديمقراطي هو الذي يجب أن نرعاه وليس رموزا أو شخصيات أو تيارات. وهو البوصلة التي يجب أن تهتدى بها المعارضة.
المطلب الديمقراطي الذي يتحدث عن تداول سلطة بالمعنى العصري للكلمة ويتحدث عن مواثيق حقوق الإنسان الدولية كمرجع أساسي ورئيسي في الدستور السوري و في عودة الحقوق لإصحابها من مختلف شرائح الشعب السوري وعن مدنية الدولة السورية عن حرية رأي وتنظيم ومعتقد ونبذ العنف أيا كان مبرره ومصدره وحرية تظاهر..الخ
فهل هذا المطلب الديمقراطي لازال يحتاج إلى كل تلك المعارك الوهمية والتي لاتخدم سوى تأبيد الاستبداد.

غسان المفلح

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف