الطُـظُ فلسـفةٌ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أثارَت تصريحاتُ المرشدِ العامِ للإخوانِ المسلمين صخباً لما فيها من فظاظةِ واستهانةِ بأساسيات المواطنةِ خاصةً مع تصورِ أنهم أهلٌ لحكمٍ. ولوضعِ الأمورِ في إطارِها لا بدَ أن نَدرُسَ جيداً مغزى تلك التصريحاتِ، فهي ليست فلتاتِ لسانٍ مضي به قطارُ العمرِ طويلاً.
طظ في مصرِ واللي جابوها، ركن أساسي في تفكير المتدثرين بالشعاراتِ الدينيةِ، مفهومُ المواطنةِ لا اعتبارَ له، طظ فيه، الجنسيةُ تسقطُ أمامَ العالميةِ التي يتصورونها، الدينُ أُنزِلَ للاِنتشارِ في الأرضِ، لحكمِها، بلا عوائقٍ من حدودٍ سياسيةٍ أو اجتماعيةٍ أو دينيةٍ. علي كلِ البشرِ أياً كانت أماكنُهم علي الكرةِ الأرضيةِ، الانضواءُ تحتَه بأي ثمنٍ، ولو كان الواقعُ يأبي ويرفضُ، ومن هنا كانت هلاميةُ وضبابيةُ الشعاراتِ عن الحلِ الموعودِ، طظ فيها الكفايةُ.
فلسفةُ الطظِ تقومُ علي الاستهانةِ بالواقعِ، وافتراضِ واقعٍ آخرٍ والعملِ علي فرضِه، علانيةً وخفيةً. استمالةُ العامةِ من أهم أسسِ تلك الفلسفةِ، فهُم الصخبُ والضوضاءُ والصراخُ والتهييجُ ووقودُ أي استعراضٍ للقوةِ أو ممارسةٍ لها. الطظ لا تري في المثقفين فائدةٌ، كلامُهم يكشفُ المستورَ، من الضروري إخراسُهم بالإرهاب المادي والمعنوي، طظ فيهم.
ولما كانت فلسفةُ الطظ ترفض الاِختلافَ في العقيدة والرأي فمن الطبيعي أن يكون المخالفون من درجةٍ أدني، طظ فيهم، حقوقُهم منقوصةٌ، إن وُجِدَت، وجودُهم ذاتُه غيرُ مرغوبٍ، ما يحصلون عليه ليس إلا تكَرُمٍ ومَنحِ، فتاتٌ تقتضيه شعاراتُ العدالةِ والعالميةِ.
المرأةُ في فلسفةِ الطظ عورةٌ، نقطةُ ضعفٍ، مصدرُ الخطيئةِ، عقلُها أقلُ، طظ فيها، تعليمُها لا يجوزُ أن يخرجَ عن إطارٍ معينٍ حفاظاً علي كيانِ المجتمعِ، المجتمعُ الموعودُ، في الخيالِ. المرأةُ لا يجوزُ أن تشغلَ إلا وظائفٍ بعينها لحدودٍ يستحيلُ تخطيها، كله في سبيلِ خيرِ المجتمعِ، مجتمعُ الخيالِ.
أما الحكمُ في فلسفةِ الطظ فلا يكون إلا للصفوةِ، من واضعي الشعاراتِ، المهيمنين علي الحياةِ بكلِ ما فيها، هم مصدرُ القانونِ، قانونُهم، اِنتقائي، يري ما يريدُ ويتعامي عما عداه، طظ في الديمقراطية. المحسوبيةُ تُقنَنُ، يوجَدُ لها مُستحِقون، طظ في الخبرةِ والكفاءةِ،، طظ في المصلحةِ العامةِ، المهمُ الولاءُ والاقتناعُ، ولو كان كاذباً ناقصاً منافقاً.
في شعوبٍ يسودُها الإحباطُ تَروجُ فلسفةُ الطظ؛ الظلمُ الاجتماعي والسياسي يدفَعُ لها، الفشلُ في كلِ المجالاتِ يؤدي إليها، إنها بديلٌ، رغم هلاميتِها وضبابيتِها، عن وضعٍ بائسٍ لم يقدم إلا الخرابَ. ليس بمستغربٍ أن يكونُ لها أنصارٌ، ولو كان فيها التعامي عن الواقعِ، التعامي الذي أخرجَ عالمَنا من دنيا الأحرارِ بعدما تبنت الدولةُ العثمانية ذات الفلسفة، فلسفةُ الطظ.
مشكلتُنا الرئيسيةُ أننا في مجتمعاتٍ لا تؤمنُ بالعلمِ ولا بعظاتِ التاريخِ، ولو كان تاريخُها المفُعَمُ بالمآسي والأخطاءِ والكوارثِ، كارثةٌ تجتاحُه تلو الأخري، تُزلزلُ كيانَه، النسيانُ سيدٌ، الجهلُ ملكٌ، الطظ فلسفةٌ عدميةٌ، الكوارثُ حتميةٌ، الانقراضُ مصيرٌ،،
ا.د. حسام محمود أحمد فهمي