أصداء

المذابح الجماعية للأرمن فاتحة المذابح للقرن العشرين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تمر ذكرى مذابح الدولة العثمانية التركية ضد الشعب الأرمني التي بدأت في أبريل عام 1915 التي هي فاتحة المذابح الجماعية للقرن العشرين، التي تم إنكارها بشدة من قبل الحكومات التركية المتعاقبة. إن مآسي ومذابح الأرمن التي حصلت في المدن والقرى وخاصة مناطق أناطوليا التركية تملي علينا أن نذكرها ونتذكرها كـ"إجرام بحق الإنسانية" ونتعلم منها درساً حتى لا تتكرر مثل هذه الجرائم في بلادنا العربية. هذه المذابح تبقى جريمة كبرى ارتكبتها الدولة العثمانية التركية وارتُكبت في دولة إسلامية وباسم الدين الإسلامي مدعومة من مفتي "شيخ الإسلام"، وشارك في هذه المذابح مسلمين من عرب وأتراك وأكراد وغيرهم من الملل الموالية لسياسة الدولة العثمانية إبان تلك الحقبة ومارسوا أشد العنف السادي بكل أشكاله التنكيلية والإجرامية من قتل جماعي واغتصاب وتهجير وغيرها من أساليب التعذيب والتسلط الجماعي.

مجازر الأرمن كانت درساً مهماً لكل مسلم وعربي نأخذه بعين الاعتبار ونفهمه وندرسه، وما حصل لشعب أرمينيا على يد الأتراك أن لا يتكرر في بلادنا العربية، لأن بلادنا العربية فيها أيضاً أقليات كثيرة من مسيحيين، ويهود،وأكراد، وبربر والعديد من الفئات والطوائف الدرزية والعلوية والأشورية والتركمانية والقبطية وإلى آخر المطاف الإثني. ولنا ولا شك علاقة غير مباشرة فُرضت علينا بحكم التاريخ وبدون أن يكون لنا قراراً فيه، إن المجازر في أناطوليا والقتل الجماعي وحرق الأطفال حصلت باسم الدين الإسلامي، وحصلت من قِبَل دولة كان دينها دين الإسلام، وقانون الشريعة كان عامودها الفقري، خصوصاً عندما أمر مفتي الدولة العثمانية وشيخ الإسلام، الشيخ "مصطفي خيري بيه" يدعو المسلمين لتطهير بلاد الإسلام من الكفرة الذين يتآمرون على الدولة ودعاهم بالقيام بواجبهم كمسلمين وقال" أن مآثر العدو جلب علينا غضب الله....بزغ النور على وجه شعب محمد من شباباً ونساءً وأطفالاً لكي يقوموا بواجبهم الديني للدفاع عن تاج الدولة... وإذا قمنا بالواجب فإن مملكة محمد مضمونة..." هذا النداء للمؤمنين من شيخ الإسلام (أو مفتي الدولة) كان دعوة سافرة للجهاد ضد ما يسمى "الكفار" وبالأصح ضد الأقليات الغير المسلمة وخصوصاً الأقلية الأرمنية التي كانت تعيش في صلب الدولة التركية وتشكل تهديداً مباشراً لتفسخ الكيان القومي، والدعوة من شيخ الإسلام كانت دعوة "لتحليل الحرام" ولبث النعرات العصبية الدينية، ولحث الإنسان العادي في الشارع التركي ليحمل السلاح ويقتل جاره والسيطرة على ممتلكاته، ولبث الذعر بين شعب الأرمن وإجبارهم على الهروب وإخلاء منازلهم، وما أن بدأت المظاهرات والشغب والاعتداء على الأرمن حتى امتد من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية حتى تعمم الذعر بين الأهالي العزل والبحث عن مناطق آمنة حتى اكتظت الشوارع بطوابير الهاربين. ولعبت المنظمات الإسلامية الأصولية دوراً هاماً في خلق الفوضى وتدبير المذابح وحرق المنازل وأيضاً لعبوا دوراً هاماً بمساندة الجندرمة والبوليس في إخلاء المنازل والتهجير الجماعي.
ونفس خطر الفتاوى نسمعها اليوم كثيراً ضد ما يسمى بأعداء الإسلام من قبل الإسلاميين أشكال الظواهري وبن لادن "والمقريظي" راشد الغنوشي.

أتسائل إذا كان بوسعي أو أن يُسمح لي أن أبدي أسفي الشديد كفلسطيني وكعربي وكمسلم على ما حصل لشعب الأرمن في تركيا في عام 1915، لأن ما حصل من مذابح جماعية لم يكن فقط مشكلة تركية بل كان أيضاً مشكلة عربية إسلامية طعم ذاكرته المُرة يلعب دوراً مهماً في تصرفاتنا اليومية وفي طريقة تعاملنا مع الأقليات التي تعيش في بلادنا، كمعاملة السودانيين للأقليات في مناطق "دارفور" المنكوبة في جنوب السودان. ولها أيضاً عواقبها التاريخية والنفسية بالطريقة التي نعامل بها الفئات الغير إسلامية في بلادنا، مذابح الأرمن في تركيا تركت أثراً كبيراً في اللاوعي والنفس العربية.


إنكار المذابح جريمة ضد الإنسانية

أنكرت الحكومات التركية المتعاقبة منذ 1915 ولحد الآن الجرائم الجماعية التي ارتكبتها الدولة العثمانية ضد شعب الأرمن وأن ما حصل اعتبرته تلفيق عدائي وكذب من جانب الأرمن وأن الدولة التركية لم تأخذ دوراً في هذه المجازر بل حصلت كنتيجة مجاعات وصراعات أثنية ناجمة عن الحرب العالمية الأولى، وعلى الرغم من وجود وثائق، وصور، وشهود عيان موثوق فيها ليس فقط شهادات النساء والأطفال الأرمن الذين فروا المجازر ووصلوا لمناطق الأمان بل شهادات جاءت من قبل الصحفيين والمراسلين والبعثات الدبلوماسية التي كانت تعمل في العاصمة استنبول والمدن التركية، والكثير منهم أرسل تقارير وصور هي الآن محفوظة في أرشيفات وملفات مفتوحة للمؤرخين ولمن يريدها. هذه المذابح الجماعية هي مذابح حصلت لمليون ونصف أرمني، الاعتراف بهذه المجازر أصبح الآن أمراً ملحاً على الحكومة التركية التي تبنت النمط الأوروبي لمناهج الانفتاح والانتخابات الديموقراطية والتي تسعى ومن وقت طويل لتصبح عضواً بالاتحاد الأوروبي.

الاعتراف بالجرائم ليس له فقط نتائج اقتصادية ومنافع دبلوماسية لتركيا بل له أهمية خاصة لمواجهة الواقع وجهاً لوجه وتصفية الحساب مع الماضي المرير. إنه أمر له أهمية نفسية ملحة للشعب الأرميني أيضاً وأهمية خاصة للشعب التركي وللشعوب العربية وكل الشعوب الإسلامية في العالم. لقد تعلمنا منذ عنان طفولتنا أن المسلم هو إنسان نزيه لا يكذب ويسعى للحق وعمل الحسنى. ومن الأجدر أن تعترف الدولة التركية اليوم بهذه الجرائم، وأيضاً على جامع الأزهر في مصر أن يعترف بهذه المجازر أمام الملأ وليستنكرها على أنها عملٌ ليس إسلامياً ويتنافى مع مبادئه الحنيفة.

وفي تركيا نفسها ظهر الكثير من الكتاب والمفكرين الأتراك ليعترفوا أمام الملأ أن تركيا كانت مسؤولة، وهي وحدها التي قامت بتنظيم وتخطيط مجازر الأرمن في القرن الماضي، أمثال المفكر التركي "ياسر كِمال" والروائية "إليف شفك" أو المؤرخ التركي المشهور "تانر إكتشام" الذي جادل لمدة ستة ساعات على التلفزيون التركي والذي وصف المجازر الجماعية ضد الأرمن بأنها إجرام بحق الإنسانية وقال أن تركيا يجب أن تطلب المغفرة من الشعب الأرمني على هذه الجرائم، ولا تزال الحكومة التركية تعتبر الاعتراف والكتابة عن المذابح بأنها جنحة قانونية يعاقب التركي عليها، ويضيف مراسل جريدة الاندبندنت "روبرت فسك" على لسان المؤرخ إكتشام قائلاً أن تركيا والأتراك يجب أن يبتعدوا عن مرتكبي هذه الجرائم، والذي أكد أنها ولا شك كانت جرائم جماعية والاعتراف بها يعمل كخلاص من هذا الماضي التعيس، آملاً التخلص من وطأة الشعور بالذنب المُثقِلة كاهل شعب تركيا.

أكرم هواش

Akram.hawwash@ntlworld.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف