ضرورة التغيير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الفرضية العامة في بناء الأوطان،أن المجتمع بمجموعه تقع عليه مسؤولية المساهمة الفعالة في بناء الوطن وبالتالي يكتسب تلقائيا حقوقه الكاملة التي يجب أن يتمتع بها.
هذه الموازنة تستلزم مفاهيم ومن ثم معايير لخلق الآليات السياسية للعمل بمعناها الشمولي.
فالمجتمع الذي ينجز بناء دولة المؤسسات، هو ذلك المجتمع الذي سيتمكن من مواجهة اشكالياته بكفاءة فعالة،ولن يكون بأي - حال من الأحوال- كالمجتمع الذي يبني دولة الفرد أو الطبقة أو القومية أو الطائفة...الخ
فمفهوم الدولة الكفوءة يستند إلى معيار المشاركة الجادة الحيوية الايجابية لتحقيق الإنجاز من خلال الآليات السياسية التي تنظم وتفّعل العمل الإنساني للوصول إلى الهدف.
أما النظريات العقائدية كالأفكار الشمولية المستندة إلى قناعات ثابتة غير قابلة للتغير أو النقد،فما هي إلا معوقا يحد من المشاركة الإنسانية، وهي مدخلا ووسيلة تجيش المؤمنين لفرض القناعات وتحد من فاعلية المعارضين بل تقمعهم، وبالتالي يصاب المجتمع بآفة الإلغاء والعزل مما ستحدث هذه الحالة احتقانا ومن ثم تدميرا لكل المعطيات الحيوية الإنسانية اللازمة في عملية البناء.
الوطن الذي ينجح أبناءه في تشيد دولة تضم جميع مكوناته الاجتماعية وينمو فيه الشعور بالقيمة الحقيقية للفرد من خلال التمتع بكل الحقوق لقاء تأدية مسئولة للواجبات من خلال آليات حيوية ومتقنة هو ذلك الوطن الذي يتمسك به أبناءه،لأنه الضمانة الحقيقية للاستمراريتهم الوجودية وهو فعلا الوطن الذي يؤسس الهوية الحقيقية للأمة.
أما في المجتمعات المنفلتة فتسعى أغلبية النخبة للهجرة و ترك وطنها لتدخل في عملية شاقة وغير مأمونة للبحث عن وطن ذا دولة أكثر فاعلية من حيث الوجود والحياة والاستمرارية،
وفي ذلك نزوعا إنسانيا طبيعيا نحو الارتقاء إلى الأفضل.
قبول هذا التصور إعلان صريح بسقوط كل ادعاءات الحقوق القومية أو الدينية أو الطائفية أو الطبقية أو ما إلى ذلك من ادعاءات تلفيقية،وإلا أين الحقوق القومية أو الدينية..الخ التي لا يطالب بها المهاجر كما كان يطالب فيها بوطنه،السبب واضح جلي، ففي الوطن السابق انتهكت كل الحقوق ومنها ما يطالب بها،وفي الوطن الجديد كل الحقوق مصانة محترمة مقدسة بضمانة القانون والياته،إذن الإشكالية ليس في المطالبة بالحقوق وإنما في خلق مفاهيم واليات صيانة الحقوق والدفاع عن حق المشاركة واحترمه. وفي ذلك ليس نكرانا لحق الشعوب في التحرر والانعتاق،وإنما رفضا لكل الدعوات الإيديولوجية التي تسعى إلى تأسيس قضية من اجل امتطائها للوصول إلى السيطرة على مقدرات الشعوب والاستحواذ على حاضره ومستقبله باسم الحقيقة العقائدية! والتي هي في الواقع تلفيقية الفكر وانتهازية الواقع.
إن استثمار المشاعر الدينية أو القومية أو القبلية أو الطائفية أو أية مشاعر شعبوية،ما هي إلا عملية استحواذ متعمدة لتحقيق أهداف معينة لن تلبي بأي حال من الأحوال المصالح الحقيقية للمجتمع lsquo; فالواقع المعاصر فرض حقائق تتجسد في تفصيلات حياتنا،فالتعلم والصحة والارتباط أو الاتصال بالثورة الحضارية المعاصرة عبر وسائل الاتصال الخلاقة وغيرها من الإنجازات الحديثة فرضت وستفرض متطلبات وأهداف بالضرورة تختلف كليا عن ما كان مطروحا في عالم القرن الماضي،واخطر ما تواجهه الشعوب والمجتمعات المتخلفة أو النامية سَمها ما شئت أن تقع فريسة التضليل الإيديولوجي ذو الطبيعة الدينية أو القومية..الخ
إن نشر النموذج الحضاري سعي جدي في سبل إحداث التحول إلى مجتمع كفئ يتمكن من مواجهة الحياة المعاصرة،ورفض التحولات بذريعة التمسك بالاستقلالية أو الذاتية ليس حجة مقنعة، فالذي يبغي الحفاظ على استقلاليته في هذا العالم المتشابك الصغير عليه أن يؤثر ايجابيا وحضاريا فيه لا أن ينشر قيم الإلغاء والموت والإرهاب،ويدعي الدفاع عن النفس وهو عاجز من أن ينجز حالة يقنع بها على اقل تقدير حلفاءه. فدعاة الاستقلالية هم أكثر الذين يواجهوا محاولات الاختراق من خلال مهاجمتهم الآخرين بدعوى تحقيق الحماية، وهم أكثر من يعاني من الشرذمة والتمزق، ففي دعوتهم نوعا من ردة فعل انعكاسية لخطر ذاتي داخلي يعانوه ولن يتمكنوا من التخلص منه إلا بالاندماج الايجابي في الحياة الإنسانية المعاصرة التي تبحث عن تحقيق القيمة الحقيقية للإنسان.
إن المجتمع الذي يبحث عن معايير التغيير والتطور عليه أن يدرك بان استدعاء الماضي للتخندق فيه من اجل تحقيق حالة الإحساس بالأمان لن يحل إشكالية التخلف والاختراق،فمواجهة الحقيقية هي اقصر الطرق نحو التحرر من قيود الماضي التي أجهضت كل محاولات التغيير وارتقاء التطور
جمال البزاز