أصداء

ملاحة في بحور مضطربة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

هل الاصلاح و الديمقراطية العربية " ملاحة في بحور مضطربة"

" الملاحة في بحور مضطربة " اقتبس هذا العنوان من التقرير الذي قدم للرئيس الاميركي بوش في بداية ولايته الرئاسية، أعد التقرير من قبل المجموعة الرئاسية المكلفة بشان توصيف حال الشرق الاوسط والخيارات السياسيةالامريكية في هذه المنطقة الحساسة من العالم والذي تقع في قلبها الدول العربية. ويجدر الاشارة الى انه في ابريل 2005 استمعت لجنة من الكونغرس الاميركي الى اربعة اشخاص يمثلون جهات " اصلاحية " في اربع دول عربية ولايمكن الاعتقاد الى ماذهب اليه احد اعضاء هذه اللجنة والذي صرح بان الاختيار لهذه الدول كان عشوائيآ ولم يكن مركزآ على الدول العربية بالذات، خاصة اذا تم ربط هذا الحدث بتصريح للرئيس بوش في نفس الاسبوع والذي طالب فيه " بالاصلاحات والتغيرات من بيروت الى طهران " يدعم هذا التصور الخطوات المتتالية التي جرت في عالمنا العربي خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة ابتدآ من العراق وفلسطين ومرورأ بالسودان وسوريا ولبنان وحتى اغتيال الرئيس الحريري.

التحول الدولي الجذري السريع الذي حدث خلال العقد الاخير اصبح معه من الصعوبة عزل " الذات " عن الاخر والانكماش داخل المحيط المحلي،ان الانفتاح السياسي والاقتصادي والترابط بينهما شرطآ اساسيآ لدخول الساحة الدولية والتفاعل مع الاخرين الذين لايمكن تجاهل ادوارهم وقدرتهم على التاثير، وابسط مثال على ذلك المنسوجات الصينية والمطالبة الاميركية والغربية بوضع حدود للانتاج والتصدير وبعد ذلك الاستجابة الصينية لهذه المطالب،لقد اصبح من الضرورة اعادة تعريف مفاهيم وحدود مثل " السيادة الوطنية " في عالمنا اليوم. وهنا تبرز الحاجة الى طواقم سياسية تاخذ شرعيتها من الجمهور لتكون أمينة على مصالحه الوطنية وتكون قوية و مدعومة بشكل قانوني ودستوري متكامل للتعامل مع الاخرين وتمثيل البلاد، وايضآ نفس هذه العملية توفر امكانية جلب هذه الطواقم او الاشخاص الى المسائلة القانونية في حالة الاخفاق والتقصير.

وان مثل هذه العملية السياسية الشفافة والديمقراطية لايمكن باي حال من الاحوال ان تعمل بها او تقوم عليها انظمة ديكتاتورية غير منتخبة ولاتملك الشرعية الدستورية والقانونية من خلال صندوق الانتخابات.

الحكومات العربية المعنية عليها التحاكي مع هذا الواقع الجديد و التفاعل معه والاستجابة الحقيقية وليست الشكلية لهذه الاستحقاقات من خلال تاسيس قواعد عمل سياسي جديد تعتمد الديمقراطية وحرية الفكر والتداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات العامة، وعدم تغيب المراة عن اماكن تواجدها الانساني والوطني والى بناء دولة القانون والموسسات الدستورية والتشريعية المستقلة واحترام استقلالية سلطة القضاء وحرية الصحافة والاعلام وتوفير فرص التعليم والعمل للشباب،ان ابرز نقاط الضعف التي يستخدمها الاخرين ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية لاغلب البلدان العربية تتكون من هذه العناصر الرئيسية للديمقراطية والاصلاح ومن الناحية الفعلية هذه مطالب وطنية وشعبية حان وقت الاستجابة لها، لتجنيب البلاد اشكالية كبيرة حيث تكون فرص الاختيار محدودة وفي مسالك معينة تجعل من كرسي الحكم وكرامة الاوطان في كفتي ميزان متساوية حسب راي " مدمني السلطة " في البلاد العربية والذين لايترددون بجعل كفة الكرسي اعلى حتى من كفة الاوطان نفسها، وفي هذا تجني كبير على قدسية الانسان والوطن في وقت واحد. ثم يبقى التساؤل المشروع لماذا علينا انتظار التغير والاصلاح من الخارج وهذه المشاريع قد لاتتطابق مع واقعنا العربي والاجتماعي وحتى الديني، وقد يرافقها عناصر التباعد والتناقض للشعب والوطن الواحد، بينما ايجابية الاصلاحات الداخلية ستحمل معها عناصر وصفات ليس طارئة ولاغريبة على مجتمعاتنا وستوصد الابواب بوجه التدخلات الخارجية وستقوي الوحدة الوطنية امام الاخرين. لذلك بات من الضروري ان يتم خلق ارضية عمل مشتركة بين الحكومات والنخب العربية لايجاد مناخ مناسب لاصلاحات بارزة واساسية وليس مجرد " اعلانات ودعايات " حكومية الغرض منها ذر الرماد في العيون وادامة حالة التخلف السياسي والاقتصادي والتعليمي الذي تعاني منه شريحة واسعة من البلاد العربية!!

القمة العربية السادسة عشر التي انعقدت في تونس في ايار 2004 اصدرت ما يسمى " وثيقة التطوير والتحديث والاصلاح "

وحقيقة الامر ان مقرارات القمم العربية لايعتد بها في الشارع العربي وهذه القمم والحكومات تعاني من حالة انعدام الثقة وخيبة الامل التي يحملها الجمهور جراء تجارب طويلة وعقيمة معها، وان مثل هذه المبادرات لايمكن الاعتماد والبناء عليها لكونها تصدر دائمآ بدون ان تحكمها ضوابط تودي الى تفعيلها وتحويلها الى عمل وحراك سياسي واقعي، ان الاصلاح الحقيقي لايحتاج الى مبادرات ومؤتمرات اعلامية صاخبة، بل يحتاج الى قناعة داخلية حقيقية والى عمل ملموس وواقعي على الارض يبدأ من حضانة الطفل وحتى اخر شبر من أرض يقف عليها الفلاح العربي. وهنا اذكر قول للرئيس الاميركي الاسبق داويت ايزنهاور " أن السيا سات الطيبة ليست ضمانآ اكيد للنجاح، لكن السياسات السيئة ضمان محقق للفشل. "

لذلك يمكن تفهم غالبية المواقف الرسمية العربية السلبية اتجاه التحول الجذري الجديد في العراق، حيث اتخذ البعض موقف علني والبعض الاخر مواقف اخرى محرضة او مراوغة، يوحدها جميعآ عرقلة العملية الديمقراطية الوليدة في العراق، تجنبآ لاستحقاقات محلية في بلدانهم طال وقت انتظارها.

ومن جانب اخر ان الامم والشعوب عندما تنتكس او تتاخر عن الامم الاخرى تتكون الارض الخصبة لبروز نخبة من قادة الفكر والثقافة والاجتماع لتاسيس فكر اصلاحي جديد ينبذ التطرف والاقصاء والتغيب، و يعتمد من الاختلافات الفكرية والسياسية والثقافية وحتى الدينية والمذهبية مصدر اثراء متنوع وقوي لااعادة صياغة التفكير والسلوك الجمعي للمجتمع، لان ثقافة حقوق الانسان والاصلاح العربي يجب ان تدخل قلوب وضمائر الجمهور قبل موسسات الدولة نفسها، وهذه من اهم الواجبات المصيرية التي يتحملها مفكري ومثقفي الامة في هذه المرحلة المتفردة في احداثها وخطورتها، لايجب ان نكون جزء من الاخفاق الرسمي العربي، علينا بناء ثقافة الانفتاح على الاخر وتقبل الاختلاف والركون الى العمل السياسي السلمي والاعتدال والوسطية بعيدآ عن التطرف والعنف والتحريض على القتل واستباحة الارواح، يجب أخذ زمام المبادرة وبناء مفردات حياتنا السياسية والاجتماعية قبل ان تطرق ابوابنا من الخارج بقرارات من مجلس الامن او بلجان جديدة ل"ايكيوس وبتلر وميليس " او بدبابات القوات الاجنبية. ان الاعتصام والمظاهرات والاعلام والندوات والتجمعات السياسية والمطالبة المستمرة بالتغير، والتحشيد المحلي والدولي هي السبيل للتغير السلمي و يجب ان تكون ميادين الرد على الحكومات الديكتتاتورية التي لاتومن بحركة الاصلاح والديمقراطية حتى نكون عامل مساعد لتجنيب الاوطان المخاطر واخراجها من الملاحة في البحور المضطربة.

محمد الوادي

باحث وكاتب

al-wadi@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف