الليبرالية وعاء للفكر الديمقراطي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مشروع المحور الثالث.. فك اشتباك وتعايش.
في حوار هاتفي حول لقاء كندا للمعارضة السورية بيني وبين السيدة مرح البقاعي التي ساهمت في الإعداد لهذا اللقاء إلى جانب كل الحضور طرحت مجموعة من الأفكار التي تتعلق بحاجة المعارضة السورية لما يسمى محورا ثالثا أو المحور الليبرالي كما أسمته هي في ورقتها التي قدمتها للنقاش في اللقاء، وفي سياق هذا النقاش سألتها عن التسمية محور ثالث؟ كما سألتها من هما المحورين الآخرين؟ أقصد المحور الأول والثاني؟ وتبين أنها تقصد أن لدينا في المعارضة السورية ثلاث محاور: الأول الفكر اليساري ومن ضمنه الفكر القومي عموما والفكر الإسلامي كمحور ثاني وما تحتاجه سوريا هو المحور الليبرالي أو المحور الثالث. هذا المحور هو الذي تحتاجه سوريا وفق الورقة المقدمة في اللقاء من قبل السيدة مرح.
هنالك اعتقاد أن الفكر الليبرالي لم يتجسد في حزب حتى هذه اللحظة، حزب له امتداد داخل المجتمع السوري. وهذه القضية كنت قد كتبت عنها منذ زمن بعيد أن سوريا تحتاج إلى أحزاب يمينية!! وفق التصنيف اليساري السوري. ولكن الأمر وفق التوضع السوري وقدرة القوى الموجودة على التغيير الديمقراطي يجعل هذا الفكر بحاجة إلى تأسيس ثقافي بالدرجة الأولى، ثقافة ليبرالية وفق طرحها الأنواري ـ تبعا لعصر الأنوار الأوروبي ـ والسؤال هل الأرضية المجتمعية ملائمة لمثل هذا الطرح إذا أخذنا بعين الاعتبار جملة الإشكالات التي يعاني منها تقدم الفكر الليبرالي في المنطقة العربية. والذي من وجهة نظري يشكل أخطر فكر على الثقافة الاستبدادية بكل تلويناتها القومية والدينية واليسارية. ودون أن ندخل في معايير الوزن السياسي لهذه التيارات وأثره على عملية التغيير السياسي في سوريا نحو الديمقراطية. إن هذه التيارات لم تقطع جديا مع الفكر الاستبدادي وعدم القطيعة هذا يؤكد حاجة سوريا لوجود مثل هذا التيار الليبرالي والذي من المفترض أن تمثله قوى البرجوازية التقليدية البرجوازية التي تؤمن بحرية السوق والمنافسة. والسؤال أين هي هذه البرجوازية في سوريا؟ في الحقيقة أنها غير ذات وزن على الأقل في هذه اللحظة التاريخية. لهذا نجد أن الشرعية التاريخية لوجود مثل هذا التيار قائمة وضرورية أيضا ولكن نلاحظ أنه يتركز في نخب محددة وضيقة سواء في الداخل أو في الخارج.
مع العلم أن الفكر الليبرالي وحده الحاضن لأية تجربة ديمقراطية ناجحة. لايمكن قيام ديمقراطية حقيقة دون حرية السوق والحرية الفردية واللذان هما صميم الفكر الليبرالي وتجربته التاريخية
وإذا كنت بالمعنى الفكري أجد نفسي أقرب لهذا التيار الثقافي [ وفق ماركس الشاب ] فإنني في نفس الوقت أرى أن من المعيقات التي تواجه هذا التيار وهذه الثقافة الليبرالية أن البعث استطاع بالتواطئ مع الفكر اليساري السوري من إعدام أية تجربة ليبرالية يمكن لها أن تنشأ في سوريا. منذ أربعة عقود وهذا مفهوم وفق موقع الاستبداد السوري القوموي اليسروي من خارطة الصراع الدولي التي كانت تخدم استمرار سلطة الاستبداد بلا منازع والتي كانت معادية بشدة للفكر الليبرالي. ومن هذه المعيقات أيضا أن البرجوازية الحاملة لهذا الفكر في مرحلة صعودها غير موجودة في سوريا أو غير قوية لحمل مثل هذا المشروع الليبرالي. لهذا نجد أن من تنطح لمثل هذه المهمة هم مجموعة من المثقفين السوريين ذوي الخلفيات اليسارية والقومية والدينية أحيانا. ولازال هذا الفكر يجد ممانعة حقيقة من قبل الفكر اليساري والقومي على اعتبار أن هذا الفكر بات يربطه خصومه بالعصر الأمريكي وكأنه فكرا لم يوجد إلا خلال العصر الأمريكي!!
وهذا ما يدعو للعجب في الواقع.
ومن مجمل هذه الملاحظات السريعة نستطيع القول أن الخارطة السورية السياسية مثلها مثل أية خارطة أخرى ـ إذا أضفنا نقطة خطيرة وهي انقسام المجتمع السوري جهويا على المستوى القومي ـ عربي / كردي ـ وعلى المستوى الطائفي والديني. وهذه الأخيرة لايمكن مواجهة نتائجها إلا بنشر القافة الليبرالية دون الدخول في مواجهات مع بقية التيارات السياسية السورية.
أما كيف هذا ونحن لسنا في مجتمع ديمقراطي؟
على هذه التيارات السياسية أن تقوم بعملية فك اشتباك فيما بينها إذا كانت معنية فعلا بسوريا ديمقراطية. والاتفاق على التعايش الحواري المثمر والبناء من أجل وجود ثقافة ديمقراطية حقيقية
ومن أجل دفع عملية التغيير ووحدة المعارضة على برنامج ديمقراطي قدما إلى الأمام. وكان إعلان دمشق وجبهة الخلاص واللقاءات التي تعقدها المعارضة السورية تشكل بداية طيبة لمثل هذا التعايش بين تيارات الفكر السوري السياسي بالطبع.
ولهذا اقترح أن يبادر مجموعة من المثقفين الليبراليين السوريين من أجل تشكيل حالة ثقافية ليبرالية تدعم عملية التغيير الديمقراطي الملقاة على عاتق القوى السياسية السورية.
فلدى سوريا إشكالات تواجه عملية التغيير داخلها وهي علمنة المجتمع والدولة المدنية اللاطائفية والقضية الكردية. وهذا لايعني البحث عن أشكال تقليدية من الحزبية السياسية من أجل تشكيل مثل هذا المنبر الليبرالي بل الاعتماد على نشاط ثقافي تنويري يكون له مكانته على قدم المساواة بين كل التشكيلات السياسية السورية لأن سوريا الديمقراطية لايمكن أن تجد وعائها الحقيقي إلا في الفكر الليبرالي في صيغته التاريخية وليست المثالية كما يطرحه بعض المثقفين الليبراليين. فالليبرالية الآن لم تعد حزبا سياسيا بل هي فكرا وثقافة علينا نشرها بقوة. وبغض النظر عن الملابسات والخلافات والتي أراها بالحد الأدني طبيعية وإن كان بعضها غير صحي داخل صفوف المعارضة السورية. إلا أن على عاتق الكتلة المتحركة من المثقفين السوريين يقع تشكيل مثل هذا التيار أو المنبر.
فأي كلام عن ديمقراطية بلا ليبرالية هو من باب الاستبداد معكوسا.
غسان المفلح