الحمار أذكى من أن يفجّر نفسه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
رغم العدد الهائل من النوادر على شخص الحمار الذي أثبت في حالات كثيرة أنه ياخذ البشر "على قد عقولهم" ويفوّت لهم الكثير " بكيفه"، إلا أن الحمار في منتهى الذكاء إذ لم أسمع بعد عن حمار فجّر نفسه وسط سوق الحمير. ولا استطاع أي شخص وحتى تاريخ هذا اليوم ومهما كانت نسبة ذكاؤه أن يدفع بحمار على الانتحار حتى لو حاول دفعه إلى جانب هاوية تنتشر تحتها أكثر السهول اخضراراً، ولا سمعنا عن حمار يشي بزميله الحمار الآخر مقابل حزمة من البرسيم أو كمية من قشر البطيخ. ورغم وجود طبقية واضحة في عالم الحمير إذ يعتبر الحمار " أبو بيجامة مخططة" أو حمار الوحش أكثر رقياً وتحضراً من الحمار البلدي الذي لا يملك سوى ثوبه الذي يخلو من أي صرعات للموضة، إلا أن الحمير أظهرت نزاهة يشهد لها ووطنية عجز عن تجسيدها الكثير من البشر ولم نسمع أبداً عن حمار مخطط يعيّر حمار عديم الخطوط، أو يحط من شأنه أو يقلل من حموريته.
ما ذكرني بالحمير خبر جاء في صحيفة الحياة تحت عنوان مستوطنون إسرائيليون يضربون ثلاثة حمير " خرقت" الإجراءات الأمنية. هذا العنوان أعاد في ذاكرتي شريط حديث مطول كنت قد تحدثت به مع الناقد والأديب الفلسطيني الدكتور إبراهيم الوحش حول بطولات الحمير ومشاركتهم الفعلية في النضال والتمويه والمساندة للثوار الفلسطينيين في أكثر من حرب. وكنا قد اتفقنا على ضرورة تدوين هذه الحوادث ليقرأها كل من يشكك بوطنية الحمار البلدي.
لكن السبب الرئيسي الذي دفعني للتطرق بالذات لبطولة هؤلاء الحمير الذين تعرضوا للاعتداء أنهم من حمير حي " وادي النصارى" القريب من مستعمرة " كريات أربع" التي تجثم على رئة مدينة خليل الرحمن. ومستوطني هذه المستعمرة هم من أشرس خلق الله، ومعظم اعتداءات المستوطنين التي كانت نتائجها إراقة الكثير من الدماء كانت هذه المستعمرة ماكينة التفريخ للإرهاب فيها، وما زلنا كفلسطينيين نذكر بأسى مذبحة الحرم الإبراهيمي الذي كان ضحيتها أشخاص سجود يؤدون صلاة الفجر.
زميلنا الدكتور الوحش الذي تفيض ذاكرته ببطولات شباب المقاومة الفلسطينية وبطولات الحمير في تلك المنطقة أيضاً من ريف هذه المدينة الصامدة. تحدثت وإياه عن حقائق يعرفها ويحفظها اهل المنطقة عن الحمير التي كانت تحمل العتاد والذخيرة وتنقلها للمقاومة في الجبال لأنها تحفظ الطريق غيباً، وحدثني كيف كان بعض بعض رجال المقاومة يستخدمون الحمير في أساليب التمويه إذ كانوا يربطون بسيقان الحمير المشاعل الصغيرة التي تعمل على البطارية بحيث يبدو سرب الحمير الذي يشق طريق الجبل من بعيد وكأنه سرب سيارات فتتحول جهود جيش العدو للتركيز على متابعة ذلك الطريق على أمل القاء القبض عليهم متلبسين أثناء اجتهاد رجال المقاومة في منطقة أخرى. وحدثني عن حمار حمل صاحبه المصاب إلى أن عاد به إلى أهله وبيته رغم أنه فاقد الوعي كما تفعل الخيل الأصيلة.
رغم أن الحمار يعتبره البعض أهلاً للسخرية إلا أنه أثبت وبلا شك أنه يستحق ألقاب الصمود التي خلعها عليه كثير من الأدباء في أعمالهم، وخصوصاً بعد تنازله عن حقه بمقاضاة بعض المدرسين الذين ينعتون التلاميذ الذين يعانون بطأ في الفهم والحفظ بالحمير. لكنني أظن أن أهم ما يميز الحمار أنه يفعل أكثر مما يتكلم. ولولا أن معظم بني البشر يعانون الشعور بالفوقية على غيرهم من المخلوقات لتمنى كثير من الأذكياء الانتماء لعالم الحمير، رغم ان الحصول على المواطنة الحميرية لم يعد بالأمر السهل. لكن أطرف ما سمعت من تعليق لأحد المثقفين عند مناقشة متطلبات انتماء البعض لمجال يحتاج إلى كثير من الفطنة.. أنه قال: " عليهم أن يأكلوا 500 عام قشر بطيخ ليصبحوا برتبة حمير" فكم من البطيخ نحتاج.. وما هي متطلبات القفز من المرحلة الحميرية إلى مرحلة أفضل..!!
إقبال التميمي