أصداء

اعتقالات بالجملة والمفرق

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حرب على المجتمع السوري إلى أبو توليب في سجنه

من أين نبدأ يا شآم؟ من أين يأتينا الكلام ويشد أزرنا بضع كلمات نكتبها نحتج فيها على ما يدور في الشآم؟ من نناشد كي يقول كلمة فيما يجري الآن في سوريا من حرب على المجتمع السوري بكل أطيافه وتلاوينه السياسية والمدنية. توقفت مليا عند ما يجري وودت أن أكتب بشكل محايد ـ لأجرب مرة واحدة أن أنزع عن نفسي صفة ناشط في صفوف المعارضة السورية !!
تصلني الإيميلات والرسائل تباعا وفي كل رسالة خبر اعتقال صديق ربما هذا لايجعلني حياديا لأن المعتقلين ليسوا فقط معارضين بل هم أصدقائي وقضينا عمرا سواء في السجون أو في النشاط السياسي والمدني العام في سوريا وبيننا لحظات من الألم المديد والفرح القليل..قليل لأننا كنا بشكل شبه يومي إما ملاحقين أو معتقلين أو في حالة استدعاء لأحد الفروع الأمنية في دمشق أو في أية محافظة من المحافظات السورية الأربعة عشر. واتخيل الآن الفضاء الذي يعيش فيه الأصدقاء ـ المعارضين ـ بعد تلقيت اتصالا هاتفيا من صديق فار من وجه الأمن كان قد اعتقل سابقا لمدة عشر سنوات وهو الآن ناشطا مدنيا وليس ناشطا في الحقل السياسي لا استطيع ذكر اسمه.. وآخر رسالة وصلتني قبل أن أذهب للنوم البارحة تنبأني باعتقال الرفيق والصديق: خليل حسين أبو توليب..الذي قضى إثني عشر عاما في السجون السورية منذ عام 1984 وحتى عام 1996 بتهمة الانتماء لحزب العمل الشيوعي في سوريا. والآن التهمة تتعلق بنشاطه في تيار المستقبل الكردي ـ لكونه كرديا ـ ولكل سجين علامة مميزة داخل السجن أنا مثلا كانت علامتي المميزة أنني أحب مشروبا أسمه ـ المتة ـ لدرجة أن رفيقا لي سجين أيضا بنفس التهمة وهو رسام كاريكاتور ممتاز من وجهة نظري ولكنه على ما يبدو ترك المهنة بعد خروجه من السجن لأنها لا تطعمه خبزا ـ أسمه دروست ـ رسم كاريكاتورا لي وأنا أضع إبريقا من المتة في أسفل ظهري ـ بالعربي على مؤخرتي ـ وكنا قد أقمنا له في السجن أكثر من معرض لرسوماته على الجميع والتي تأخذ تعبيراتها من ما يميز من وجهة نظره كل سجين.
أما الصديق أبو توليب فكان ما يميزه لا يرسم كاريكاتوريا ـ لأنه يتعلق بعلاقته باللغة العربية والتي كانت باالنسبة له مشكلة. لدينا مثل شعبي في سوريا يقول:
[ بمشي الحيط الحيط وأقول يارب الستر ] وهوتعبير عن الرجل المسالم الذي لا يحب المشاكل أبدا، أما خليل أبو توليب فكان دوما يردد هذا المثل فيقول بعربيته الكردية أو بكرديته العربية:
[ بمشي الستر الستر وبقول يارب الحيط ] والحيط هو الجدار وفيكم أن تتخيلوا أن هذا الخطأ وغيره لم يكن مقصودا عند أبوتوليب بل عفويا تماما لأنه هو كرجل أكثر من عفوي..وهاهو رغم أنه يمشي الستر الستر ـ طالبا السترة من الله عز وجل ـ يأتيه الاعتقال إلى بيته. لأن هذا التنظيم الذي يعمل به أبو توليب تنظيم سلمي ديمقراطي ـ تيار المستقبل الكردي ـ فكيف لي أن أكون حياديا أو أكتب عما يدور بصفة مراقب موضوعي !!؟ أشك بأنني قادر على ذلك..
النظام السوري الآن إما أن يكون في مأزق ينتظره ولايريد مسبقا أي صوت في سوريا خارج صوته.؟ أو أنه حسم أموره نهائيا في خروجه عن أبسط القواعد التي تميز نظاما سياسيا وهي درجة من الحسابات السياسية العقلانية؟ ولسان حاله يقول بالفم العريض: هذه مزرعتي وأنا أملك كل من عليها من طير وبشر وأنام ومتاع..ومن يريد تغيير هذا الأمر ليأتي كي ننزع قلبه كما صرح الشيخ حسن نصرالله: من يريد نزع سلاح المقاومة سننزع قلبه.
إنها حالة إعلان حرب لأن المجتمع السوري هو الطرف المسالم وهو الطرف الذي يتلقى الضرب بفم صامت نسبيا وهذه النسبية الضئيلة لاتريدها السلطة مطلقا. بعد فترة وجيزة ولا قانونية ـ غير مقوننة من العلنية السياسية والمدنية نجد أن السلطة وهذا كنا قد نوهنا عنه حول خطورة الهامش النسبي من الحرية غير المقوننة يمكن أن تسحبه السلطة لحظة تشاء عندما تدرك أنه يمكن أن يخلق فضاء مدنيا حقيقيا في سوريا. وهذا ما يحدث الآن..في دمشق وهنا نسأل جماعة الأحزاب العربية التي عقدت مؤتمرها في دمشق وهتفت من هناك:
ما رأيهم بمايدور في سوريا الآن من حملة ظالمة على كافة النشطاء السياسيين والمدنيين؟ من يحمي هؤلاء المعتقلين بلا سبب وبلا ذنب فقط لأنهم يريدون لسوريا أن تكون دولة طبيعية فقط. هل هذه جريمة؟ أم أن سوريا يجب ان تبقى دولة استثنائية في كل شيء؟
وجاءني خبر وأنا أكتب هذا المقال: اعتقال الصديق ـ الهمشري ـ خالد خليفة أشهر كاتب سيناريو تلفزيوني سوري وروائي مهم في سوريا ولم أتأكد من الخبر جيدا بعد ولكنه على الأرجح صحيح.. وكل المشاهدين العرب يتذكرون مسلسلاته التلفزيونية ـ سيرة آل الجلالي ـ المسلسل الذي كان علامة بارزة في الدراما السورية ومسلسل ـ قوس قزح ـ الذين أخرجهما المبدع هيثم حقي وصاحب رواية ـ مديح الكراهية ـ وهي من أعماله الأخيرة التي تلقي الضوء على مدينة حلب الجوانية في فترة من عمر سوريا التي شهدت الصراع الضاري بين السلطة السورية والأخوان المسلمين في 1980 لم يبق أحد محصن في سوريا أبدا سوى اللصوص والمافيات التي نهبت ثروة الشعب السوري..لمن نتوجه ولمن نشتكي؟!
كلهم أصداقائي فكيف لي أن أكون حياديا ستخونني العشرة ـ وكما يقول أهل الشام: سأكون خائنا للخبز والملح. ولهذا سنبقى نشرع أقلامنا هذا جل ما نستطيعه !!

غسان المفلح

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف