أيها العرب لاتلوموا إلا أنفسكم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لا يمكن أن نستغني عن الإنجاز الحضاري للغرب فهناك مخترعات ومكتسبات حضارية وعلوم ومكتشفات وتقنيات لايمكن أن يعيش العالم بدونها، ثم لماذا هذا الإستغناء؟ هم أخذوا منا ونحن نأخذ منهم وما الضير في ذلك !، لهم إيجابيات وسلبيات فما يمنع أن نأخذ الإيجابيات ونترك السلبيات ولا أريد أن أضرب أمثلة فلينظر كل واحد منا الى بيته ومافيها من مخترعات وأجهزة وأدوات وتقنيات.
إن العالم العربي والإسلامي يعيش أزمة ثقة في نفسه أولاً وفي الآخرين ثانياً، فمنذ إنتهاء الخلافة العثمانية ومابعدها خصوصاً بعد الهزيمة النكراء التي مني العرب بها عام 1948م وعام 1967م ومابعدها من حروب أهلية وخلافات عربية على أعلى المستويات الى أن جاءت حرب الخليج الأولى والثانية وأخيراً الغزو الأنجلوأمريكي للعراق ورغم كل ذلك أستطيع القول أنه لايمكن للعرب الإستغناء عن المنجزات الغربية بأي حال من الأحول وخصوصاً في هذه الحقبة من الزمن.
إننا نعيش أزمة ثقة سواء فيما بين العرب أنفسهم أو بينهم وبين العالم الغربي ولم تنفعهم شعارات سابقة رفعوها كالقومية العربية والوحدة العربية والأيديولوجيات المتعددة التي كان ينادي بها العديد من الزعماء والمفكرين والسياسيين، الى أن جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، حتى أصبح العرب رعاة الإرهاب والتعصب الديني على الأقل من وجهة نظر الغرب الذي اراد أن يثأر لنفسه وبدأت الضغوط على العالمين العربي والإسلامي وتزايدت الإستحقاقات عليهم كضرورة إصلاح مناهج التعليم وخصوصاً الديني منها، والانفتاح على الغرب، ومحاربة الأرهاب، وتقليص دور المؤسسات الخيرية، والقبول بمبدأ المصالحة والسلام والتطبيع مع إسرائيل دون شروط.
أمام كل هذا يظهر الغرب مُهماً في علاقات العرب اليومية سواء كانت العلمية منها أو في باقي مناحي الحياة رغم إمتداداته السلبية التي تنتقص من قيمنا وهويتنا، وهنا نتساءل ماهو الحل لتجاوز هذا المأزق الحضاري؟.
العلاقة بين الثقافتين العربية والغربية
علاقات العرب بالغرب تكاد تكون علاقة إشكالية منذ عدة قرون ولا نستطيع أن نقول أنها وليدة أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، فمنذ عصر الفتوحات الإسلامية وبداية تكوين الحضارة العربية الإسلامية التي أرادت أن تسيطر على العالم يوماً ما، ولهذا لا أرى عجباً أن تقوم حضارات وإمبراطوريات تريد أن تحقق لها أهداف حاول العرب أن يحققوها من قبل ولكن فشلوا في ذلك.
ومن يدرس التاريخ يعرف أن هناك حضارات سادت ثم بادت منذ أن خلق الله الإنسان على هذه الأرض وهناك إمبراطوريات قديمة يذكرها المؤرخون ولهذا نجد أن عمارة الأرض وتطور الإنسان ليس حكراً على أمة دون أمة، وفي بدايات القرن العشرين بالتحديد، بدا بعض المثقفين يرى أن خلاص الأمة العربية يأتي في إرتباطها بالغرب وكانت هذه هي وجهة نظرهم.
وإذا كان الإنسان عدو ما يجهل فإنه لابد وأن تكون هناك إشكالية حقيقية حول الموقف من الغرب، ولانريد أن ننكر على أصحاب الرأي الآخر الذي يطالب مجتهداً بالإعتماد على النفس والإرتباط بتراث الحضارة العربية الذين يعتبرونه أفضل بكثير من اللهاث وراء الغرب ولكل وجهة نظره الخاصة أو الزاوية التي ينظر من خلالها الى الموضوع مثار البحث والجدل ولكن يبقى السؤال قائماً ما المانع من أن نأخذ من الغرب مايفيدنا وينفعنا؟.
وأستطيع القول أن هناك إشكالية في الفهم فمثلاً عندما يسأل سائل عن جهاز التلفزيون أو الفيديو هل هو حلال أم حرام؟ نجد أن هذا السؤال غير صحيح فهو جهاز قد يضر وقد ينفع فالحكم هو على النتيجة من جراء إستخدام هذا الجهاز أو ذاك، ودليلنا على ذلك في قول عمر بن الخطاب لما طاف بالكعبة قال للحجر الأسود "والله إني أعلم انك حجر لاتضر ولاتنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ماقبلتك".
هذا التداخل في المفهوم والفهم نجد أن هناك من ينظر الى صورة الغرب ومافيه من حضارة وتقدم، وهناك من ينظر اليه على أنه الغازي والمحتل كمن ينظر الى نصف كوب من الماء، فالبعض يرى النصف العلوي الفارغ، والبعض الآخر يرى النصف السفلي الذي به الماء، وهذا التداخل هو الذي جعل صورة الغرب نصفها جيد والنصف الآخر سيء ورواد الفكر العربي الذين حاولوا القيام بنهضة عربية في بدايات القرن العشرين وجدوا معارضة شديدة من أولئك الذين أفسدوا عليهم بعض طموحاتهم.
العالم العربي مر بتوجهات مختلفة متوازية أحياناً ومتعاكسة أحياناً أخرى ومؤيدوها نادوا بالارتباط بالغرب ورأوا أن الخلاص في الارتباط بالغرب أعقبتها موجات أخرى متعاكسة ومؤيدوها نادوا بفكرة أن نعتمد على أنفسنا وأن نعود إلى تراثنا، وأن نعتمد عليه وأن نتمثله وأن نهضمه ونواجه التغريب والهجرة نحو الغرب بل منهم من توجه الى مقاطعة الغرب وبضائع الغرب.
أسباب نجاح رواد الفكر العربي في الغرب
من الملاحظ أن الكثيرين من روادنا ورواد الفكر العربي ينجحون أكثر في البلدان الغربية وليس في بلادهم العربية، وهذا يعود الى توفر وتكافؤ الفرص هناك وكذلك بسبب الأنظمة الإجتماعية والسياسية وغيرها من النظم وهذا يعني بكل تأكيد أن المجتمع الغربي يعطي الفرص للناس ويعطيهم الحرية ويوفر لهم جميع الوسائل الممكنة للإبداع أما في محيط عالمنا العربي المعاصر يقتل فينا الإبداع بل يولد فينا النفاق الإجتماعي ويمكن القول أن المجتمع الغربي يعطي فرص للناس أكثر من المجتمعات العربية بل إنها تحبذ المبادرة الفردية وتحبذ النجاح الفردي، وهذا فارق حضاري بالدرجة الأولى.
علينا أن نواجهه المشكلة الحقيقية وهي أننا نعاني من إزدواجية في التعامل مع الغرب مع العلم أننا نتهمه بالإزدواجية في التعامل مع قضايانا، ولشرح الفكرة دعونا نرجع الى الوراء قليلاً وننظر كيف كان المستشرقون يعكفون على دراسة الثقافة العربية وينهلون منها وبالتالي نستطيع تقييم ذلك بأنه عمل جيد ولذا نستطيع القول بأن العرب لم يدرسوا الإيجابيات الغربية بشكل جيد ولم يضعوا المعايير المناسبة لها والكثير من المثقفين العرب والعامة يعتقدون بأن المباني الضخمة والطرق والأجهزة اللإلكترونية والكهربائية ووسائل الإتصال الحديثة هي أساس التطور أو النموذج الإيجابي في التطور الغربي، وأن بعض المظاهر السلبية غير الأخلاقية التي تمارسها فئة نادرة من المجتمع الغربي إعتبرها العرب هي أساس الإنسلاخ والتفسخ الأخلاقي.
نحن نؤكد القول بأن تلك الأشياء هي قشور الحضارة الغربية، بدليل أن كل تلك الأشياء موجودة في أكثر من قطر عربي ولكن أين أمة العرب من أمة الغرب؟ فلا إبتكارات ولا مراكز أبحاث علمية متطورة ولامصانع ولاإكتشافات ولامخترعات ولاديموقراطية في تداول السلطة ولا إستقلالية في القضاء ولاعدل بين الناس ولادولة قانون ومؤسسات تلك هي جوهر الحضارة الغربية فهل نسمح لأنفسنا بالوصول إليها لنصبح دول منتجة لا أن نبقى دول مستهلكة.
ولنأخذ العبرة من دول إسلامية وغير إسلامية إستفادت من الثقافة الغربية في فترة زمنية قياسية مثل ماليزيا واليابان والهند ومجموعة الدول التي تسمى النمور الآسيوية والتي أخذت إيجابيات الثقافة الغربية فالهند مثلاً لا تشتري دبابة إلا بعد أن تشترط بإيجاد مصانع لها في الهند ولقطع الغيار والذخيرة، إذن الإشكالية ليست إشكالية الغرب ولكن الإشكالية إشكالية العرب في التعامل مع الغرب لدرجة أن الكثير من العرب أصبح يؤمن بنظرية المؤامرة وأن كل من حوله يتآمر عليه.
سمعنا ومازلنا نسمع ونقرأ بأن حركة الاستشراق قامت بتشويه التراث الحضاري الإسلامي بالإساءة المتعمدة للإسلام الذي يشكل المكون الثقافي للعرب، إضافة إلى وضعها وتوظيفها، الأبحاث والدراسات الاستشراقية في خدمة الأهداف الاستعمارية ولم نسمع أو نقرأ عن أي أدوار إيجابية قامت بها تلك الحركة ولتوضيح ذلك أكثر هناك هجرات عربية الى الدول الغربية فهل حركة الهجرة هذه التي يقوم بها العرب الى بلاد الغرب تعمل على تشويه التراث الحضاري الغربي بالإساءة المتعمدة لثقافتهم أو دينهم وهل سمعناهم يقولون ذلك، على العكس تماماً نجد أن العربي يندمج في المجتمعات الغربية ويصبح مواطن ويحمل جنسية البلد التي يهاجر إليها أما في بلادنا العربية فالعربي يفني عمره في قطر عربي آخر دون أن يصبح مواطن أو يحمل هوية البلد العربي الذي هاجر إليه هل هذا كله ذكاء أم غباء منقطع النظير؟.
كثيراً مانسمع عن بعثات التنقيب الأثرية تعمل بإستخدام الأبحاث ودراسات علماء الآثار والحفريات ونتهمها بأنها تعمل على صياغة هويات مزعومة مزورة ومزيفة للمنطقة العربية بأكملها بدلاً من هويتنا الأصلية التي سيأتي يوم ونتخلى عنها أصلاً لأننا وإن كنا نؤمن بالله إلا أن بعضنا يكفر بكل ماحوله ونكفره ونتوجس منهم خيفة وننعتهم بالأجانب ونتهم كل من يأتي منهم الى بلادنا للعمل تحت إشرافنا المباشر بأنهم قدموا لينافسوا أبناءنا لقمة العيش وأنهم سبب البطالة ونتهمهم بأنهم جاءوا لينهبوا ثرواتنا وأموالنا ونعمل جاهدين على إحصاء حوالاتهم الخارجية ونسينا العرق الذي بذلوه والجهود التي يقومون بها في كل مناحي الحياة والتعمير وأصبحنا لانستطيع الإستغناء عنهم ورغم ذلك نكابر وننعتهم بأنهم ذئاب بشرية عاثوا في البلاد فسادا وإن كان معظمهم من أبناء العرب والمسلمين.
وفي كثير من الأحوال نقوم بإتهام الغرب بأنه هو المسؤول عن مشاكلنا؟ هذا ماكتب لنا في كتب التاريخ المدرسية والتي أشك في انها مزورة ونطالب بأن نعمل على إعادة كتابة تاريخنا المعاصر ليكون تاريخ حقيقي غير مزور ونكون أكثر صدقاً مع أنفسنا ولمصلحة أجيالنا القادمة إذا أردنا أن نتقدم، بعض من زعماءنا يقولون أن معاهدة سايس بيكو قسمت الدول العربية ونقرأ ذلك ليل نهار ولكن لم نحرك ساكناً ولازلنا نفرق بين أبناء الدين الواحد عوضاً عن الوطن الواحد ورب العزة يقول " إن هذه أمتكم أمة واحدة " فهل نلوم الغرب أم نلوم أنفسنا؟.
مصطفى الغريب
شيكاغو