أصداء

التجربة اللبنانية الرادعة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لم تكن الحرب اللبنانية، التي اندلعت في نيسان من العام 1975، قد تجاوزت عامها الثاني، عندما أطلقت إسرائيل سياسة "الجدار الطيب" مع لبنان، فتحت بموجبها السياج الأمني- حزام أقامته إسرائيل من جانب واحد في جنوب لبنان عام 1974 - أمام المارة، حيث راحت تعمل من خلاله على تكوين شبكة من المتعاونين معها ضد المقاومة الفلسطينية.
نجحت إسرائيل في العام 1976 بتكوين ميليشيا تابعة لها، قادها الضابط السابق في الجيش اللبناني، سعد حداد، كما نجحت بإقامة علاقات وطيدة مع قيادة حزب الكتائب، الذي كانت بدأت بتمويله وتسليحه.
شكلت هذه المعطيات أرضية ملائمة لإسرائيل، فقامت باجتياح الأراضي اللبنانية في آذار من العام 1978، فيما عرف بعملية "الليطاني"، التي تمثلت إحدى أبرز أهدافها بإبعاد منظمة التحرير الفلسطينية وخلق منطقة منزوعة السلاح وصولاً إلى نهر الليطاني، لذلك احتلت الجنوب اللبناني، وأنشأت فيه حزاما أمنيا، سلمته لمليشيا سعد حداد فيما بعد.
عادت إسرائيل مجددا، في حزيران من العام 1982، فاجتاحت الأراضي اللبنانية، فيما عرف بعملية"سلامة الجليل"، حيث دخل جنودها إلى بيروت الغربية، على اثر اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل في 14 أيلول، بعد أن حاصروها لأسابيع عدة.
لم تتعد فترة بقاء القوات الإسرائيلية في بيروت الغربية الأسبوعين، إذ سرعان ما تراجعت تحت وطأة ضربات المقاومة، لتبدأ إسرائيل، التي غرقت في وحول المستنقع اللبناني، كما كان يعبر قادتها، مسلسل هزائمها في لبنان.
كانت المقاومة، التي شارك فيها النساء والرجال والصبيا، تقض مضجع المحتل على امتداد مساحة احتلاله، حيث شكل نداء الله أكبر، الذي كانت تطلقه مآذن كل قرية تمر فيها الآليات الإسرائيلية إلى القرى المجاورة بغض النظر عن التوقيت، إلى جانب الزيت المغلي والحجر والسكين والعبوة المحضرة منزليا والسلاح الخفيف، الذي كان متوفرا آنذاك، أحدث التقنيات العسكرية المستخدمة في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.
يصف تيمور غوكسل، المتحدث السابق باسم اليونيفل، طريقة مواجهة الأهالي لسياسة القبضة الحديدية الإسرائيلية، آنذاك، قائلا:"كنت أرى النساء في قرية معركة وهن يهاجمن الدبابات بالسكاكين،..... كان مشهداً تقشعر له أبدان المحتل، كان يخشاه".
أمام هذا المشهد، سارعت إسرائيلإلى تتويج تحالفها مع حزب الكتائب، حيث، وقعت اتفاق 17 أيار مع لبنان عام 1983، الذي سرعان ما تراجع عنه لبنان، في حين كانت إسرائيل تواصلتراجعها، فانسحبت من ضواحي بيروت والشوف، ثم من أغلب الأراضي اللبنانية عام 1985، حيث أبقت جزءا من قواتها في ما أسمته بالحزام الأمني، إلى جانب المليشيا التابعة لها، التي كان قد تسلم قيادتها أنطوان لحد.
انطلاقا من العام 1985، أدخلت المقاومة جنود الاحتلال في حرب استنزاف شبه يومية، إذ أخذت عملياتها تزداد وتتوالى بوتيرة سريعة، حاصدة خسائر كبيرة، وبقيت على هذا الحال حتى العام 2000، حيث اتخذت الحكومة الإسرائيلية برئاسة أيهود باراك، في آذار من هذا العام قرارا بالانسحاب من جنوب لبنان في تموز من العام نفسه، برره أيهود باراك، قائلاً:" يجب المخاطرة لان البديل هو إما أن ندفن أبناءنا في لبنان وإما إزعاجات أخرى وعلينا اختيار اقل الشرور ضررا".
وصف المحلل السياسي، ناحوم برنياع، قرار الانسحاب، قائلاً:" طرأ التغيير الأساسي في الجانب الإسرائيلي، حيث لم يعد الإسرائيليون يوافقون على مواصلة دفع الضريبة السنوية، وكان ثمة إجماع واسع من أرئيل شارون وحتى النواب العرب، وصرخ جميعهم: يجب الانسحاب..".
لم يتوافق القادة الإسرائيليين على أمر مثلما توافقوا على الانسحاب من لبنان، حيث سحبت إسرائيل قواتها قبل شهرين من الموعد المحدد، ليحتفل لبنان بالتحرير في 25 أيار، بعد احتلال دام 22 عاما، خبرت خلاله إسرائيل وهم رهاناتها السياسية وعقم خياراتها العسكرية، ما جعلها تصاب بما يمكن تسميته "رهاب التجربة اللبنانية".
يعبر أوري لوبراني، الذي كان يشغل منصب منسق الأنشطة الإسرائيلية في لبنان، عن فشل تجربة إسرائيل في لبنان، قائلا:"كانت هذه التجربة برمتها مأساة بالنسبة لإسرائيل، لأنها حاولت تحقيق ما هو مستحيل في الجانبين السياسي والعسكري، حاولنا التوصل إلى سلام مع لبنان، حاولنا عدة مرات، إن لم يكن سلاماً فما هو دونه بقليل، وفشلنا...... بالتأكيد هذا شيء سيعتبره المؤرخون فشلاً، أنا أعتبره مأساة".
ست سنوات مرت على الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، بقيت خلالها المقاومة، التي أضحت مقاومة تذكيرية، تشن هجمات على الجنود الإسرائيليين في منطقة مزارع شبعا، التي تعتبرها الأمم المتحدة سورية.
لقد أرادت المقاومة السير بخلاف منطق التاريخ، لذلك، أدخلت على قاموس الفقه السياسي اللبناني، مصطلحات جديدة، حيث باتت تصف نفسها بالاحتياطية والدفاعية والرادعة.
إن المقاومة إرادة تحرير ورد فعل على الاحتلال، وليست حالة يمكن وضعها على لائحة الانتظار، وطالما عملنا على بناء دولة متماسكة وجيش قوي، يحولان دون عودة العوامل والظروف التي راهنت عليها إسرائيل حين اجتاحت لبنان، فإن لبنان لن يكون بمنأى عن العدوان، لا بل إن هزيمة إسرائيل في لبنان سوف تترسخ أكثر فأكثر في نفوس الأجيال القادمة.
إن ما خبرته إسرائيل في لبنان سوف يبقى شاخصا أمام أعين قادتها الحاليين، ودرسا لن ينساه بالتأكيد قادتها الجدد، إنه باختصار:"التجربة اللبنانية الرادعة"، التي تقي لبنان شر العدوان، لكن هل تشكل تجربة الحرب اللبنانية، التي دمرت البلاد بشرا وحجرا، عبرة ورادع لأقطاب الحوار اللبناني، يقي لبنان شر تكرارها؟.

عبد العزيز حسونة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف