أصداء

الدولة المدنية.. يزدهر فيها الدين الحقيقي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الدولة المدنية : هي دولة المؤسسات التي تمثل الإنسان بمختلف أطيافة الفكرية والثقافية والايديلوجية داخل محيط حر لا سيطرة فيه لفئة واحدة على بقية فئات المجتمع الأخرى، مهما اختلفت تلك الفئات في الفكر والثقافة والايديلوجيا.

والدولة المدنية : دولة تطبق الديمقراطية كآلية لتنظيم المجتمع ولتمكين الحزب الأقدر على القيادة أن يشكل الحكومة المنتخبة من أغلبية الشعب لمدة محدودة مع إمكانية التجديد لتلك الحكومة عبر صناديق الاقتراع والعودة إلى الشعب بعد انتهاء المدة المحددة للحكومة المنتخبة ليتم اختيار حكومة جديدة تتناسب مع الظروف والمتغيرات بما يحقق مصلحة الشعب العليا وليس مصلحة فئة ترى أنها هي الأحق بالتفرد بالحكم مثلما يحدث في الحكم الشامل والدولة البوليسية سواء كانت تلك الدولة البوليسية كهنوتية دينية أو دكتاتورية عسكرية أو ماشابه ذلك من أساليب الحكم الاستبدادي المتفرد بالسلطة عن طريق فئة دينية أو ايديلوجية تطمح في إخضاع الناس بما يتعارض وقول الصحابي ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أماتهم أحرارا ).

والدولة المدنية : نقيض الدولة العسكرية، وكل حكم سلطوي قمعي لايقوم على الأسس الديمقراطية، هو حكم بوليسي سواء كان متسميا باسم الدولة الدينية أو بغيره من الأسماء التي مهما تنوعت فان السلطة التي تحتكر الحكم عن طريق فئة واحدة وفكر واحد هي سلطة لدولة بوليسية استبدادية متخلفة.

الدولة المدنية : لا تتعارض مع الدين ولا مع القيم التي لا تناهض حرية الإنسان، بل أن الدولة المدنية خير من يحتوي كل الأديان وأفضل مكان لممارسة أنواع العبادة الحقيقية لوجه الله الواحد الأحد.

أما الدولة البوليسية : فإنها تتعارض مع مبادئ الدولة المدنية ومع مبادئ العدالة السماوية التي تمنح الإنسان حريته في أن يقرر لنفسه ما يتلاءم مع طبيعة فكره وإيمانه، مما يجعل الدين الممارس داخل أسوار الدولة البوليسية حتى لو تسمت باسم الدولة الدينية، دينا يعتمد على الشكل في كل ممارساته العبادية والحياتية، ليصبح ذلك الدين وسيلة لتحقيق المآرب والمصالح على حساب السلوك الإيماني لجوهر الدين الحقيقي الذي يتعارض كليا مع استخدام الدين لغايات دنيوية بهدف السيطرة والتسلط والإقصاء والإلغاء، حتى يتحول الدين إلى أداة قامعة وليس عبادة خالصة لوجه الله ولتطهير النفس من الشر وتحرير الإنسان من عبودية الذات والأشياء والأصنام البشرية.

ولا يمكن للنفس أن تتجرد من الشر ولا أن تتحرر من عبادتها لغير الله إلا عندما تكون وسط واقع حر يمنحها حرية الإيمان ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) وذلك لايتم إلا وسط دولة مدنية تكفل للإنسان حقه أن يكون كيفما يريد وليس كما يراد له أن يكون وكأنه (روبوت ) يتحرك حسب مشيئة بشرية ذات أهداف سلطوية دنيوية مغلفة بلباس الدين الذي يتعارض مع القول الإلهي ( انك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ).

في الدولة المدنية : تزدهر العبادات الخالصة لوجه الله، فلا نرى من يتقمص الفضيلة ويلبس عباءة الدين من اجل الوصول إلى أهداف دنيوية، لأن من قوانين الدولة المدنية أن يكون الدين لله والوطن للجميع.

وفي الدولة البوليسية : تستطيع فئة ما أن تفرض رؤيتها الخاصة للدين أو الايديلوجيا الذي يتماشى مع غايتها في السيطرة على عقول الشعب، مما يدفع بعض المدافعين عن الدولة البوليسية أن يكفروا كل من يدعو إلى رفض قوانينها القمعية مبررين تكفيرهم بإضفاء قداسة على الدولة البوليسية وكأنها الدين ذاته أو الحق المطلق الذي لايجوز لبشر أن يكفر به، وكأن القائمين على تلك الدولة القمعية والمستنفعين منها هم آلهة لا يجوز الإشراك بهم. حينها يصبح الشعب صدأ لصوت الدولة حتى وهي تدعي التطور بالرغم من تخلفها، وتدعي النصر بالرغم من هزائمها المتلاحقة، وتدعي الإصلاح والتغيير وهي تتقهقر إلى الوراء (ليعود إلى الوراء الوراء ) كما يقول نزار قباني.

وكل دولة قمعية وغير مدنية : هي دولة بوليسية، سواء اتخذت من الدين شعارا لحكومتها أو من الايديلوجيا، وكل من يدافع عن الدولة البوليسية تحت أية مبررات دينية هو عدو طبيعي للدولة المدنية، لأنه يدرك انه لن يحصل على المميزات الممنوحة للفاشلين والأميين وأصحاب القدرات الضعيفة التي يحصل عليها داخل الدولة البوليسية التي يــنظــــًـــــر لها ويدعو إلى خلقها إن لم تكن موجودة، أو إلى استمرارها إن أصبح احد عناصر عصاباتها، لأنه يعرف أن الدولة المدنية دولة حرة لا سيطرة فيها لفكر أو ايديلوجيا وإنما هي دولة للجميع، يبرز فيها المبدعون الحقيقيون، ويختفي المتملقون والمنافقون وأشباه المتعلمين الذين قد يحصلون على الدرجات العلمية المزيفة في النظام البوليسي، لكنهم يعودون إلى إحجامهم الحقيقية في الدولة المدنية التي لا تظلم أحدا، وإنما يكون الإنسان فيها ممثلا لنفسه، ولقدراته الحقيقية، وإذا ما تعرض لظلم فانه يجد قانونا ينصفه، إلا أن يكون ممن ظلم نفسه طبقا للقول الإلهي ( وما ظلموا ولكن أنفسهم يظلمون ).

في الدولة البوليسية : التي عادة ماتكون أحسن مكان يحتضن العصابات التي تسرق ثروات الأوطان، وتقمع حرية الإنسان. يرتفع اللصوص إلى منزلة الشرفاء،ويعتلي الجهلة مراتب العلماء، ويـُـحتقر كل عقل شريف حر، ليصبح فيها المجرم مؤمنا، والمؤمن مجرما، ويتكاثر الماكرون الذين يحاربون الأنقياء والمخلصين والمؤمنين الحقيقيين، لكنهم مهما بلغوا من القوة والزهو والغنى، فانه لابد أن ينطبق عليهم قول الله عزوجل ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ).

الدولة البوليسية : دولة مكر وغدر وخداع وفساد، يتقمص أهلها شكل الفضيلة، ولا يمكن لحكومة تحترم نفسها وتحترم الإنسان المنتمي إليها، أن تتفاخر بكونها دولة بوليسية قمعية اقصائية تحت أي مبرر أو غطاء ديني.

وهي دولة تتعارض في قيمها الاستبدادية وبممثليها المدافعين عنها مع قيم الدولة المدنية التي تتسع لكل الأفكار والأديان والرؤى والمعتقدات، كأفضل مكان يعيش فيه الإنسان الحر الذي يعبر عن نفسه وعن فطرته كما خلقه الله، ويختار ما يحقق لتلك النفس الأمن والطمأنينة في ظل قوانين مدنية تكفل له أن يكون إنسانا طبيعيا يستطيع أن يبدع و يفكر دون خوف أورهبة.

الدولة المدنية : هي جوهر الدين النقي الخالص لوجه الله وحده، حين يكون الإنسان اعرف بأمور دنياه طبقا لحديث الرسول "ص" ( انتم اعرف مني بأمور دنياكم ). وحين يكون الدين منهاجا بين الإنسان وربه، ولا يكون تفسير الناس للدين سيفا للإقصاء والاستبداد مما يجعل ذلك التفسير الاقصائي يتعارض مع قول الله ( لكم دينكم ولي دين ).

والله لم يفوض أحدا بديلا عنه كي يقسم الناس حسب رؤيته التي تتناسب مع مصالحه وسيطرته وتحت هيمنة نفوذه فيحيل هذا إلى النار وذاك إلى الجنة، وأحيانا تختلف الظروف فيقوم ذلك الاقصائي بعملية متناقضة بحيث يحيل من أحالهم إلى النار ذات يوم ليعيدهم إلى الجنة، ويعيد من أحالهم إلى الجنة ليرميهم في النار بالرغم من تشابه أسباب أهل جنته وناره، إلا أن الظروف والمصالح قد تغيرت فاستحالت الجنة في عقيدته إلى نار والعكس صحيح.

في الدولة المدنية : يضع الإنسان قوانينه التي تنظم حياته كونه اعرف بأمور دنياه، ويستمد من قوانين دينه القوانين التي تنظم علاقته بربه، ليكون مؤمنا لايمنح لنفسه الحق أن يكون مدعيا لامتلاك الحقيقة ومفسرا وحيدا لمفاهيم الدين، مما يجعل الدولة كهنوتية تخضع لحكم الكهنوت وليس لحكم القانون.

ليس هناك دولة دينية، وإنما دولة مدنية أو دولة بوليسية، لان الدولة المدنية كفيلة باحتضان كل الأديان والأفكار، أما الدولة البوليسية. فإنها دولة لاتقبل الآخر وتستعدي التعدد والتنوع مرة تحت مظلة الحكم العسكري المعلن ومرة تحت مظلة الحكم الديني، وكلاهما حكم بوليسي لا علاقة له بمبادئ الدين، لان الحكم البوليسي لايخضع لأوامر الله بقدر ما يخضع لحكم القسر والاستبداد البشري النابع من النفس البشرية المتسلطة !!

سالم اليامي

salam131@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف