أصداء

ظلم الحداثة.. أم ثقافة الكافيار

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في زاوية أفق شنت الزميلة باسمة يونس في صحيفة الخليج وبتاريخ 25 من أيار 2006 حرباً شعواء وبلا هوادة على بعض المنتسبين إلى مدرسة الحداثة تحت عنوان " ظلم الحداثة" ووصمتها بكثير من الصفات السلبية وحشرتها في خانات مبهمة.
لا أدري كيف يمكن أن يسمح بالنقد الجارح لجيل حمل ذائقة أدبية معينة تحت عنوان " أفق" وأين الأفق من حشر البشر قسراً في خانة ذائقة الكاتب الذي لا يعتبر بالضرورة من المتبحرين في علوم الحداثة، ومع احترامي الشديد لكاتبة المقال إلا أنني أتساءل ما هو موقعها من الإعراب في جملة الحداثة لتقوم بتقييم قوس من الأدب اختارت معظم أمم الدنيا الإنضواء تحته، وتجريد العديدين من عطاءاتهم لمجرد أنها لا تتذوق أساليبهم في الكتابة. وتقول" أن من أهم شروط اللغة الحداثية أن لا تنفصل عن الثقافة الأصلية أو تبتعد عنها بخطوات كبيرة وواسعة تغربها عن الهوية العربية".. من الذي وضع هذا الشرط يا سيدتي، بداية لم تنشأ لغة الحداثة في البلاد العربية، فكيف تريدينها أن لا تنفصل عن الثقافة الأصلية وهي مولود هجين ولد من رحم ثقافات أخرى والتجأ إلى جميع أمهات أدب الدنيا ودخل العائلات الثقافية بوجوه متنوعة وخدمها في أكثر من موقع سقوط، وأي هوية عربية تتحدثين عنها في عصر عولمة المفاهيم وعولمة الثقافات ومطر النبض الالكتروني الذي يرطب كل معلومة تقع تحت أيدينا، وما هوتعريفك للثقافة العربية، وكيف استطعت رسم الخط الفاصل بين الغث والسمين وقمت بحشر ثقافة بعض الحداثة في خانة الغث دون عمق دراسة أو تخصص في هذا المجال. وكيف تتجرأين على عـَرَق الحداثيين بالإشارة إلى أن أعمالهم حسب قولك "تسقط ذاكرة الهم العربي الأصيل"، ألم يكن شعراء الحداثة هم من نبشوا قبور القضايا الاستعمارية، وتحدثوا بلغة الرمز احياناً عن الحريات بسبب القمع الجاثم على رئتنا الثالثة، ألم يمنحوا المرأة بوقاً ومنصة للتعبير.
تجرأت يونس بتوجيه اصبع اتهامها إلى جماعة ينتمون إلى هذه الذائقة الأدبية بالقول " أنهم جماعة من المدعين الذين ضلوا الدرب إلى الآداب والثقافة وحينما سقطوا في محيطها الهادر لم يتراجعوا بل بدأوا يحاولون تضليل الآخرين وجرهم إلى حضيض السطحية والسذاجة الفكرية كي لا ينكشف أمرهم ولا يظهروا أمام الآخرين بمظهر المدعي والطفيلي". وأستغرب كيف اكتشفت كاتبة المقال إدعاء هؤلاء وخصوصاً أن المدرسة الحداثية نفسها تحتمل أكثر من تأويل وهي ذائقة خاصة لا تعتمد على مسطرة مرجعية لقياس كمية الانزياح عن القاعدة، إن كان هؤلاء قد ضلوا الدرب كما تقترحين فأين هو موطنهم الذي اغتربوا عنه، يبدو أنك لا تدركين أن موطن الحداثة هي الدنيا بأسرها ولم تسكن أبداً تحت جدران، ولم تستر عورتها الثقافية بعلم أي منطقة جغرافية، وأينما ذهب الحداثيون لا يمكن اعتبارهم ضلوا، لأن قدرهم ورسالتهم أن يتجولوا في فلكهم الواسع الذي لا تحده حدود، إضافة إلى أنهم غير معنيين بتضليل الآخرين لأنهم حملة رسالة خاصة حتى وإن لم يفهم أبجديتها الكثير من العامة. ولم يقوموا بجرّ المثقفين إلى حضيض السطحية والسذاجة الفكرية كما تقولين لأن المثقف إنسان مدرك ولا يمكن جرّه رغم إرادته إلى مكان لا يشعر فيه بالراحة، وأظن أن اختيارك هذا التشبيه فيه إهانة لكل من منتسبي مدرسة الحداثة وللمثقف الذي يتذوق أسلوب الحداثيين.
كما أستغرب قول كاتبة المقال "وصار كل ما يفعلونه ( تقصد هنا الحداثيون ) هو الاعتماد على منجزات الآخرين وتقليدها فتخرج خالية من الروح ومهجنة وسطحية" يا سيدتي الفاضلة الحداثة لا تحتمل التقليد وهي قائمة على الغريب من الأفكار، والمدهش من الصور وهذا الهامش الكبير من المساحة هو ما اجتذب هواة هذا النوع من التعبير الذي ميز كل كاتب ببصمته الخاصة.
أظن أن عليك الاعتذار للحداثيين عن وصفك أعمالهم بـ"السذاجة" و "الهذيان غير المنطقي" لأنك غير مخولة ولا مؤهلة لتشخيص هذه الذائقة الأدبية على أنها نقص في القدرات العقلية، أو ارتفاع في الحرارة نتيجة التعرض لطاريء، فالحداثة ليست بفيروس يجب معالجته. ولا يليق بك أن تصفي هؤلاء المبدعين بـ" المتسلطين على الساحة الأدبية" ولا هو من اللائق أن تتهمي النقاد بالقول "كل ما تكتبه أقلامهم لغايات في نفوسهم وللترويج لبضائعهم الفاسدة" فأي بضاعة فاسدة اكتشفت وسط صندوق الكلمات الجميلة.
لم تستخدم كاتبة المقال كوابحها إذ استمرت في هجمتها بالقول "وأمثال هؤلاء يجب نعتهم بالمتآمرين على اللغة والثقافة والحداثة والأدب"، كما وصفتهم "بالضالين والمضللين" وتشعر بالأسف من أن بعض المؤسسات الثقافية تسمح لهم بنافذة يطلون منها على الدنيا وتعتقد أن" أفكارهم هدامة وآراءهم متواضعة إعلاميا "
للأسف يا سيدتي يبدو أن المبدع لا يختنق بأصابع المؤسسات وإنما بأصابع زملاء الحبر الذين إن لم يفهموا أو يتذوقوا أسلوب تعبير أحدهم أطبقوا على عنقه إعلامياً وهذا ما لا يليق بالمثقف الواعي. نطالب كمثقفين أو متثاقفين أو ما شاء لك ولغيرك أن تخلعوا علينا من ألقاب أن نمنح مساحات من الحرية في اعتناق ما نشاء من مدارس التعبير، إذ ليس بالضرورة إن كنت من المتذوقين لثقافة البطاطا أن تحرمينا من ثقافة الباذنجان لأنك تعانين من حساسية تجاهها، أو لأنك لم تعتادي على مذاقها منذ الصغر. أستطيع أن أهبط من هرم الثقافة إلى أرض المطبخ لأقول أن الأدب يا سيدتي مدارس تماماً كما هو طهي الطعام.. وأظن أنه من حق الإنسان أن يختار أن يكون نباتياً، أو يتلذذ بالكافيار، ومن حق البعض أيضاً أن يختار الفاكهة أو التحلية، لكن إن لم يعجبك طبخ الآخرين عليك بالصيام ولا داعي لاتهام الطباخ بزيادة الملح أو حرق الوجبة.

إقبال التميمي
iqbasl@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف