أصداء

ما الجديد الذي يمكن قوله في الازمة الفلسطينية الداخلية؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ربما كان الاجدر طرح تساؤل اذا كان هناك أي جدوي في اي قول من أي طرف. ليس هذا من باب التشاؤم، ولكن ألامور جلية وما يجب فعله ظاهر، وما ينبغي تجنبه يتردد على السنة من يرفضون تنفيذه. أحد اعمدة المأساة الفلسطينية المتواصلة بتعمق متتالي، هو عدم السمع او القراءة او الاستيعاب الى درجة ان الفلسطينيين يفذون المخطط المرسوم من الاعداء، وذلك بعيون مبحلقة في الهاوية واليها.
للمأساة اعمدة كثيرة اخرى تسندها، ومنها الاخضاع الطوعي لقضية فلسطين من المعنيين، او بالاحرى قادتهم، الى التناحرات الاقليمية والدولية. مرة يقفون مع الصين واخرى مع موسكو وغيرها مع عراق صدام والان مع ايران، وتخلل هذه الحالات اخضاعات عديدة لمواقف دول ضد اخرى جرت الكارثة تلو الاخرى. الجميع ارادوا الاستفادة من ورقة فلسطين وتعاطف العرب والمسلمين مع عدالتها، فقدم لهم قادة فلسطين دوما هذه الورقة وبشكل ضار بشعبهم مقابل وعود كان كل جاهل يعرف انها وعود زائفة.
العنتريات والكذب اردفا حركة النضال الفلسطيني على الدوام بالمشاكل المستعصية. العنترية تتمدد فوق وديان الزمن ويغطيها الكذب حتى تأتي لحظة الانهيار فجأة فيتم القفز من القمة الى الهاوية من دون المرور بشبكات أمان. قيادة النضال قبل النكبة فعلت ذلك، وقادة فصائل النضال بعد النكسة كرسوا هذا النهج حتى قذفوا بالناس، بعد مذابح عديدة، من مطلب كل فلسطين الى مطلب اي شىء من فلسطين ولو كان الاسم على الورق كما رأينا. أليس مطلب حماس وحكومتها الان بكل فلسطين شبيه بمطلب فتح في شبابها؟ هل نجد انفسنا قريبا مع حماس أمام مطلب أنقاذ ما يمكن انقاذه، والقبول بما يقدم؟ نعم ولكن بعد مجاعات ومجازر اخرى، وربما اثر الحرب الاهلية التي تمثل عنصر جديد في المعادلة. في لحظة ما سيحدث الانهيار من القمة المطالبية للقاع السحيق من دون محاولة تسخير الواقع لكسب شىء اضافي.
المهم ان القيادات في عنترياتها ودجلها تظن انها تخاطب الشارع وتستجيب لمطالبه، ثم تستنتج عجزها الذاتي عن تحقيق هذه المطالب فلا ترى مناصاً من خوض غمار مغامرة انتحارية لتدفع الشعب لتقبل الحلول الدنيا. واقع الحال ان الشعب الفلسطيني متعقل متحضر يؤمن بحركة التاريخ، وعندما يساير القيادات في شعاراتهم فظنا منه ان لديهم مشاريع وخطط لتنفيذ وعودهم ومشاريعهم على غرار تنفيذ الحركة الصهيونية لخططها ووعودها لليهود.
حتى لا نبتعد كثيراً عن عنوان هذه السطور علينا تأمل اذا كان الشعب الفلسطيني قد انتخب حركة حماس أم انه رفض حركة فتح؟ او السؤال بصيغة اخرى، هل رفض الشعب الفلسطيني فكرة الحل السلمي وانتخب حركة حماس على اساس برنامجها السياسي الرافض للحل السلمي؟ اعتقد ان فساد حركة فتح افسد فكرة السلام، بمعني ان المعنيين اخذوا يتنازلون سياسياً عن مصالح الشعب من أجل تحصيل مزايا خاصة بهم. نهبوا كل شىء وتناسوا الناس في الداخل واللاجئين في الخارج، وابعدوا الشرفاء من ابناء الحركة والشعب فتركز الفساد. ولم يكن امام الناس بديل ثالث يجمع بين النظافة الاخلاقية التي ميزت حركة حماس وبين الحل السلمي الانهياري الذي اوقعت فتح نفسها في براثينه. ايضاً الناس صدقوا قصة الديمقراطية، خصوصاً وانهم عايشوا مراراً انتخاب الاسرائيليون لممثلين عنهم ورؤساء حكومات مطلوبين للعدالة عن جرائم حرب. ايضاً الناخب الفلسطيني العادي لا يميز بين فتح زمان التي تقبلها العالم وبين حماس اليوم المفترض تقبلها.
هذا يعيدنا الى عقدة القفز من قمة المئذنة. ماذا كان من الممكن لحكومة حماس عمله بعد انتخابها وتنصيبها من دون ان تتنازل سياسياً او تكسر جره الدبلوماسية؟ طالبوها بالاعتراف باسرائيل التي ترفضها، وركبت الدبلوماسية الاسرائيلية حصان السلام وتمثيل عمل المستحيل للتعايش مع حماس واعطائها فرصة بعد الاخرى لتعترف بها! هل توجد هدية افضل من هذه لحكومة اسرائيلية لديها مخطط جاهز لقضم الضفة الغربية وصنع الحدود على مزاجها ونيل تأييد عالمي؟ لو كنت في موقع حكومة حركة حماس لقلت منذ اليوم الاول: نعترف بكم كاعتراف دول العالم واعتراف الامم المتحدة بكم، وهو الاعتراف القائم على قرار التقسيم والذي لا يتم قانونا الا بقيام فلسطين والاعتراف المتبادل. هذا هو الوضع القانوني الدولي اذ لا توجد دولة في العالم تعترف باسرائل خارج نطاق قرار التقسيم، ولهذا بالذات تتمنى اسرائيل استمرار ازمة الفلسطينيين وتصلب حماس ريثما ترسم حدودها بالاتفاق مع واشنطن وتستصدر قراراً دوليا بحدودها يلغي قرار التقسيم.
عودوا للقانون الدولي والقرارات الاممية. قرار التقسيم يعني اعتراف متبادل مناصفة ويحل وضع القدس والحدود المرسومة بدقة من شارع لاخر، ويحل قضية اللاجئين والاملاك والتنقل والسكان والمواطنة، بل يحل قضية المستوطنات التي خلقت بعد النكبة والنكسة. طبعاً اسرائيل سترفض، ولكن لماذا لا تسمح لها حماس برفض هذا الاعتراف المتبادل والتطبيق للقانون الدولي؟ هل حماس فتاة تعتبر شرفها مثل عود الكبريت وتخاف ان تفض بكارتها اذا قالت نعم نعترف باسرائيل كأعتراف اميركا وبريطانيا بها، اي حسب قرار التقسيم؟ قريباً جداً تقفز حماس من اعلى المئذنة فتتكسر وتكسر من حولها وتفتح المجال مجدداً على مصراعيه امام الفساد، وسيظن الناس ان السلام لا يحققه الا الفاسدون.
هل فات الوقت على طرح حماس لفكرة قرار التقسيم؟ على الاقل تأخر الطرح كثيراً، فقوى الهجمة سيظنوا ان اي "تنازل" حماسوي بداية لنجاحهم ولنجاعة الضغط وسيطالبون بالمزيد، لكن ان تصل متأخراً خيراً من عدم الوصول. هذا المطالبة لو تبنتها حماس ستقلب الطاولة وتضع اسرائيل في موقع الدفاع. الخيار الاخر أمام حكومة فلسطين الحالية هو الاعلان انها سوف تعترف باسرائيل في اللحظة التي ينسحب منها اخر جندي ومستوطن من كل الارض المحتلة عام 1967، لكن هذا الحال سيحتاج العودة للمقاومة المسلحة، وسيعني ايضاً هدر معظم حقوق الشعب الفلسطيني، وسيمهد لاستمرار الصراع. قد يبدو عجيباً اعتبار ان قرار التقسيم اسهل تطبيقا الان وتفهما من امم الله عن حل سياسي قائم على الانسحاب من اراضي الضفة والقطاع. الفارق ان ذلك القرار قائم وجاهز ولا يحتاج لمساومات ويلبي كل المطالب، وهو اساس قيام اسرائيل وفلسطين، وكل ما احتلته اسرائيل غير حدود التقسيم لا يعترف به اي انسان او دولة او قرار دولي.
حركة وحكومة حماس تأخرت داخليا في طرح الحل الدولي حسب قرار التقسيم. جاءت بوادر وبدايات الحرب الاهلية نتيجة للفارق الشاسع بين حلول فتح وحماس، وبدل اعتماد التقسيم قبل او بعد هذه البدايات، ها هو الوضع يتجه تحت ضغط الخوف من الحرب الاهلية الى تقبل ورقه المعتقلين المقدمة للحوار الوطني والتي لا يتعدى سقفها حدود عام 1967، وبالتالي يعلم الله اين ستكون ارضيتها في ظل التفوق والمهارة الاسرائيلية.
الازمة الفلسطينية ليست نتاج لتسلم حركة حماس الحكم، ولكنها نتيجة لنجاحات اسرائيل في اتقان فن الدبلوماسية وعدم الاكتفاء بالصياغات السياسة المتجمدة. كل ما تفعله اسرائيل الان مع حكومة حماس فعلته مع سابقتها ايضاً، لكن الرجاء ان تسرع هذه الحكومة في تخليص نفسها وشعبها من مسلسل الانهيارات، سواء الانهيار التنازلي او الانهيار نتيجة للتجمد. كان الله في عون الشعب الفلسطيني الذي لم يعد الاحتلال قضيته الوحيدة، واصبح عليه الاستعداد لحزمة مشاكل اضافية.

عبد الجبار عدوان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف