وهم اسمه الحرب علي الاسلام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تحاول جماعات الاسلام السياسي أن تنشر بين المواطنين في كافة الدول العربية والاسلامية الاعتقاد أن هناك حربا علي الاسلام تقودها الحكومات الغربية ويعاونها في ذلك الحكومات المحلية وبعض النخب الثقافية هؤلاء الذين تسميهم تلك الجماعات عملاء التغريب لمجرد أنهم يطالبون بالديمقراطية وتقوية دعائم الدولة المدنية.. دولة القانون والمواطنة..
فهل هناك فعلا حربا ضد الاسلام كدين.. أم أنه مجرد وهم تحاول تلك الجماعات نشره وتحويله الي حقيقة بين الجماهير لكي تستطيع السيطرة علي الجماهير من خلال استثارة غريزة الدفاع عن الدين والوطن وتوجيه هذه الغريزة نحو كل من يتصدي لمخططات هذه الجماعات للسيطرة علي مقدرات الحكم و تحويل بلادنا الي أسوأ أنواع الاستبداد.. الاستبداد الذي يدعي التحدث باسم الله والدين.. ذلك الاستبداد الذي نجح العالم في القضاء عليه منذ قرنين أو أكثر.. ولا يختلف الحال إن كان هذا الاستبداد باسم الدين المسيحي أو الاسلامي.. نجح الانسان الغربي في القضاء علي كهنوتية الكنيسة وتبني نظم حكم ديمقراطية فاستطاع أن يقود الانسانية الي كل التقدم الذي تعيشه الآن..
ونجح الانسان الشرقي في القضاء علي نظم الحكم الدينية المتمثلة أساسا في دولة الخلافة العثمانية.. ولكنه للأسف لم يستطيع أن يتبني نظم حكم ديقراطية لأن النخبة في هذه البلاد تشارك العامة في وهم اسمه الديكتاتور العادل..
فهل هناك فعلا حربا عالمية ضد الاسلام تقودها الدول الغربية؟..
دعنا ننظر الي الأمر من منظور الواقع علي الأرض لنعرف الحقيقة..
في الخمسين عاما الأخيرة تزايد عدد المهاجرين الي الدول الغربية من الشرق الاوسط وأفريقيا وأغلب هؤلاء المهاجرين هم من المسلمين.. فهل حرمتهم هذه الدول من حرية الاعتقاد وحرية إقامة شعائر دينهم (الاسلام) بل والدعوة الي هذه الدين..
سنأخذ الولايات المتحدة والتي تتهمها جماعات الاسلام السياسي أنها من تقود الحرب ضد الاسلام مثالا.. ولنري معا بعض الاحصائيات عن عدد المسلمين فيها وعدد المساجد ومراكز الدعوة والمدارس الاسلامية.. لنري إن كانت الدولة هناك تشن حربا ضد الاسلام كدين..
فهناك حسب إحصائيات عام 1991 ما يقرب من حمسة ملايين مسلم أمريكي وعدد مراكز الدعوة الاسلامية والمساجد 843 أي أن لكل خمسة ألاف مسلم أو أكثر قليلا مسجدا أو مركز دعوة اسلامي يتمتع بحرية كاملة و كثير من هذه المراكز كانت تديرها أكثر المذاهب الاسلامية تشددا.. دون أن يمنعها أحد أو يتدخل قبل 11 سبتمبر 2001 فيما تنشره من افكار بين روادها.. كما أن هناك 426 تجمع اسلامي و165 مدرسة إسلامية منها 92 مدرسة بدوام كامل.. لم تمنع الولايات المتحدة المسلمين فيها من الدعوة الي الاسلام حتي المذاهب المتشددة فيه عبر الدعوة المباشرة والمطبوعات ووسائل الاعلام.. ولم تمنع أو تضع اي قيود علي تحول أي مواطن أمريكي الي الاسلام وقد لا تعرف ذلك من الاساس.. فدين اي مواطن امريكي ليس موثقا في أي وثيقة رسمية وهذه الاحصائيات مصدرها في الاساس المراكز الاسلامية في الولايات المتحدة..
وأنا أعرف علي المستوي الشخصي العديد من الأمريكان البيض الذين تحولوا الي الاسلام دون أن يؤثر ذلك علي حياتهم الشخصية في العمل أو العلاقات الاجتماعية.. والمواطن الأمريكي المسلم يتمتع بكافة الحقوق التي يتمتع بها أي مواطن أمريكي آخر من أي دين يكفلها له القانون.. وهناك العديد من المسلمين الأمريكان الذين وصلوا الي أعلي الدرجات العلمية والمهنية.. ولم يمثل الاسلام بل والتزامهم التام بتعاليمه أي عقبة في ذلك.. وما حدث في الولايات المتحدة حدث في كل الدول الغربية بلا استثناء.. وبريطانيا علي سبيل المثال كانت الملاذ الآمن لأشد جماعات الاسلام السياسي تشددا هربا من حكوماتها في الدول العربية والاسلامية.. ونجحت تلك الجماعات في أن تنشر أفكارها بين الشباب المسلم هناك حتي استفاق المجنمع البريطاني علي تفجيرات مترو الأنفاق.. مثلما استفاق المجتمع الأمريكي علي غزوتي نيويورك وواشنطن كما يسميهما بن لادن.. وحتي تلك التفجيرات ورغم كل ما يروجه أنصار الاسلام السياسي من إشاعات لم تؤثر علي المسلم الأمريكي أو البريطاني وعلي حقوقه القانونية وحريته في إقامة شعائره الدينية طالما يحترم القانون ولا يمارس العنف أو يحرض عليه..
الاسلام وبعد الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتزايد موجات الهجرة الي الغرب والشرق حظي بأكبر فرصة في تاريخه أن ينتشر وأن يدعو أتباعه اليه عبر مراكز الدعوة في كل بقاع الارض.. فهل استفدنا من هذه الفرصة.. هل نجحنا في الدعوة الي الاسلام بقيمه الحقيقية وبطريقة سلمية وهادئة.. للأسف وعبر تطرف قلة من المسلمين.. نجحنا في أن نظهر الاسلام كدين تعصب وعنف.. نجح بن لادن ورفاقه ومشجعيه من شيوخ التطرف.. في القضاء علي مجهود الملايين من المسلمين المعتدلين في الغرب والذين عبر العمل واحترام القانون في البلاد التي هاجروا اليها وعبر التمسك والالتزام بقيم الاسلام المعتدل والوسطي في نفس الوقت نجحوا في أن يكونوا قدوة حسنة ونموذجا جيدا للمسلم والاسلام..
كما نجحت الدول الاسلامية والعربية عبر نظم الحكم المستبدة والفاسدة فيها أن تضرب نموذجا غير حضاري وغير واقعي للإسلام.. عبر تحويل شعوبها ومجتمعاتها الي نموذج طقوسي للإسلام... نموذج يتمسك بالمظهر دون الجوهر..و يشارك في الحضارة الإنسانية كمستهلك وليس منتج..
هل يعفي هذا الولايات المتحدة أو الغرب عموما من المسئوليه عن أخطاءه السياسة الخارجية والغبية في نفس الوقت.. والتي أدت الي تفاقم المشكلة الفلسطينية.. وجعلها الشماعة التي تعلق عليها كل جماعات الاسلام السياسي وجناحها العسكري الارهابي كل ما تفعله من أعمال عنف وإرهاب.. تقاعس الغرب عموما عن حل المشكلة الفلسطينية حلا عادلا ودائما في غباء سياسي نادر هو ما يعطي الفرصة لكل جماعات الاسلام السياسي أن تتلاعب بمشاعر الجماهير ويعطي الفرصة لإرهابي مثل بن لادن أن يظهر كبطل بين الشعوب العربية والاسلامية.. إن بن لادن وصدام حسين هم من أعطوا الفرصة الذهبية للإدارة الأمريكية الحالية الحالية عبر تصرفاتهم السياسية الارهابية والغبية للتدخل عسكريا في المنطقة لتفرض مصالحها السياسية والاقتصادية.. وليس الدينية.. فالدين أي دين ليس في بال هذه الإدارة.. ولكن المصالح السياسية والاقتصادية.. وضمان تدفق النفط شريان الحياة للحضارة الصناعية والتكنولوجية للعالم الآن..
هل كان من الممكن أن تدخل القوات العسكرية الأمريكية والغربية المنطقة لولا غباء صدام حسين وغزوه للكويت..
هل كان من الممكن أن تشن الولايات المتحدة حربها ضد الارهاب وترسل قواتها العسكرية الي أفغانستان لولا مافعله بن لادن و جماعته القاعدة في 11 سبتمبر..
الموضوع ليس حربا ضد الاسلام ولكنه صراع المصالح الاقتصادية و السياسية..
لقد نجحت اسرائيل أن تقنع الحكومات والشعوب الغربية أنها من تحمي مصالح هذه الدول في الشرق الأوسط.. ونجحنا نحن تماما في مساعدة اسرائيل في ذلك.. عبر حكومات ديكتاتورية لا يهمها في الحقيقة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.. بل يهمها أن تبقي هذه القضية حجة وذريعه تستغلها في السيطرة علي مقدرات شعوبها وثروات هذه الشعوب.. وعبر دعاية سياسية تمارسها جماعات الاسلام السياسي وجناحها العسكري الارهابي المتمثل في القاعدة وفروعها المنتشرة في الدول العربية والعالم وتستغل بها القضية الفلسطينية دون أن تفعل أي شيء مفيد لحل هذه القضية.. هذه الجماعات من مصلحتها أن تظل هذه القضية مشتعلة وأن يظل الشعب الفلسطيني يعاني.. حتي يمكنها استغلال قضيته للوثوب الي الحكم كبديل ديكتاتوري للنظم الديكتاتورية الحالية..
الحقيقة تقول أنه لا توجد أي حرب ضد الاسلام..
ولكن توجد حربا بين أصوليات ثلاث للسيطرة علي منطقة تمثل شريان الحياة للحضارة الصناعية الحالية.. الأصولية الصهيونية في اسرائيل والأصولية السياسية التي يمثلها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة والأصولية الاسلامية التي تمثلها جماعات الاسلام السياسي بجناحيها السياسي والعسكري..
وأكثر من يعاني نتيجة صراع الأصوليات هذه في العالم الآن هو الشعب الفلسطيني و الشعب العراقي.. ثم تأتي بعدهما باقي شعوب المنطقة التي ترزح تحت نير الديكتاتورية ومرشحة أن ترزح تحت نير ديكتاتورية أشد استبدادا وعنفا..
والحل.. هل هناك حلا.. بالتأكيد هناك حل وهو أن تقف الانسانية كلها وأحرارها ضد هذه الأصوليات الثلاث.. وأن نتخلص من وهم اسمه الحرب ضد الاسلام و صراع الحضارات والأديان.. لأن الصراع الوحيد هو صراع علي المصالح الاقتصادية والسياسية بين أصوليات تستخدم الدين كوسيلة وليس غاية للسيطرة علي مقدرات منطقة هي شريان الحياة للحضارة الحالية.. الغرب يريد ضمان تدفق النفط ومستعد أن يدفع فاتورة هذا التدفق مالا أو حربا واحتلالا.. والجماعات الأصولية تريد الحكم ومستعدة أن تدفع الفاتورة عبر عدم الاستقرار في المنطقة وما تمارسه من إرهاب ودعاية من قبيل الحرب العالمية ضد الاسلامية.. واسرائيل تستغل اخطاء الجميع وتنفخ فيها لتحقق أجندتها في الحل المنفرد للقضية الفلسطينية.. المستفيد الوحيد هي اسرائيل.. والضحية الوحيدة هي الشعوب العربية وعلي راسها الشعب الفلسطيني..
لابد أن نتخلص من الأوهام.. وأهمها أنه هناك حربا ضد الاسلام كدين..
ونعرف أن الطريق الوحيد للحصول علي حقوقنا.. أن نكون دولا ديمقراطية حقا.. وأن نضغط شعوبا وحكومات لحل القضية الفلسطينية.. حلا نهائيا وعادلا.. يقوم علي أساس قيام دولتين كما تنص الشرعية الدولية.. باستخدام الأسلحة الاقتصادية والسياسية التي نملكها و لا نعرف قيمتها.. لنسحب البساط من تحت الأصوليات التي تقود المنطقة و العالم الي مآسي ومعاناة للشعوب والإنسان البسيط في كل مكان..
هل هناك أمل أن تنتصر الإنسانية.. وتتحقق الديمقراطية.. ليس فقط في كل دولة علي حدة.. ولكن ايضا في المنظومة الدولية.. قد تكون أحلاما أو اوهاما.. ولكني أري أن هناك أملا لأن الوضع العالمي الآن يشبه الي حد كبير الوضع بعد الحرب العالمية الثانية و ما عانته الشعوب منها.. وادي الي تكاتف الجميع في أن تقوم الأمم المتحدة ويدشن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. لقد آن الأوان أن تكمل الإنسانية ما بدأته في نهاية الأربعينات من القرن الماضي.. حل القضايا العالقة حلا سياسيا وعادلا وتفعيل الاعلان العالمي لحقوق الانسان ليكون قانونا عالميا ويتم دمقرطة الأمم المتحدة نفسها ويكون لها آليات لفرض وتنفيذ هذا القانون العالمي وحفظ حقوق الإنسان في كل مكان.. وأن تتخلص تماما من سيطرة قطب واحد أو قطبين.. وتصبح قولا وفعلا برلمان العالم..
عمرو اسماعيل