ليبرالية بلا ليبراليين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نص بلا حامل
حقيقة لم يثر مصطلحا زوبعة كالتي أثارها مصطلح الليبرالية في العالم العربي والإسلامي. وهنالك سببان جوهريان من مجموعة من الأسباب الهامة بالطبع ولكننا في هذه العجالة سنكتفي بهذين السببين:
الأول ـ التناقض الذي أججه الاستبداد بمواجهة أية ثقافة تدعو للحرية والتخلص من هذه الاستبداد السلطوي في العالم العربي ومنها بشكل خاص الآن الثقافة الليبرالية.
حيث أن الثقافة الاستبدادية التي يسوقها النظام الاستبدادي العربي منذ أقل من عقدين بعد أن تغيرت رسالتها من رسالة ضد الحركة اليسارية عموما والماركسية خصوصا إلى رسالة ضد الثقافة الليبرالية. والتي تقدم في جاهزيات العولمة بوصفها ثقافة الحريات العامة والفردية والتي لايريدها الاستبداد العربي بأي حال من الأحوال فالعلائات المالكة لبلدان بكاملها والجمهوريات البطركية كيف لها أن تحتفظ بكل هذا الكفر من البذخ والجاه والمال والسلطة في ظل ترسيخ الثقافة الليبرالية في كافة مجالات الحياة ؟ لهذا جاء خطاب الاستبداد العربي منسجما مع الأخطاء الفادحة للسياسية الغربية عموما والأمريكية خصوصا في مزج بين: أن الحريات العامة والفردية مرتبطة بأجندة المصالح الغربية وليست هي المكون الطبيعي والتاريخي للكائن الإنساني وخصوصا في العصر الحديث من تقدم البشرية على هذا الطريق الشائك الذي دفعت الشعوب والأوروبية خصوصا دماء كثيرة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. في سؤال بسيط ومباشر لهذا النوع من الخطاب
ماعلاقة المصالح الغربية بالنهب والفساد المستشري في السلط العربية ؟! لايريدون إعطاء الحريات العامة والفردية..حسنا ولكن ليكفوا عن سرقة أموال الشعوب العربية حتى نصدق دعوى هذا الاستبداد بأنه حام لاستقلال هذه الشعوب ؟ وهذا الخطاب المستشري في الجامعات والمدارس والتلفزة والصحافة ضد الفكر الليبرالي وضد قضية حرية وكرامة المواطن العربي يجب أن تعطي ثمارها بهذا الكم الهائل من العداء للثقافة الليبرالية والتي هي ثقافة كونية ولا تخص السيد جورج بوش أو جاك شيراك..كل هذا يتجادل مع السبب الجوهري الآخر بطريقة يشعر المرء بأنه غير قادر على فك رموز هذه الأحجية العربية..
الثاني ـ نسق الفكر الديني الذي نشأ وترعرع في ظل هذا الاستبداد لمواجهة قوى الحرية في هذه المجتمعات والذي يتلون بتلون السلطة العربية ويتداخل مع ثقافة تقليدية لم يسمح الاستبداد العربي لغيرها من الثقافات أن تدخل إلى بيوت الناس بطريقة عصرية ولو أن هنالك قضايا لم يعد قادرا على التحكم فيها تستطيع النخب العربية الدخول منها الآن الفضائيات والنت على سبيل المثال لا الحصر.. لنلاحظ أن تعامل السلطة المصرية مع مؤسسات النسق الديني والتقليدي هذا يختلف عن تعامل السلطة السورية..وهكذا تنوع السلط العربية في التعامل مع كل ما من شأنه أن يؤبد استبدادها ويحوله إلى مؤسسات وراثية. هذا من جهة ومن جهة أخرى لم يركز الفكر الليبرالي كثيرا على مفهوم التعايش مع الثقافة الدينية بينما كان جل تفكيره يتركز على مواجهة هذه الثقافة حتى نلاحظ أنه يدخل معها معارك تبدو فيها وكأن هذه الثقافة الدينية ومؤسساتها ونصوصها هي الاستبداد بينما السلطة العربية الاستبدادية تقف على الحياد أو هي تحاول أن تبدو كذلك !! بينما نجد الفكر الليبرالي في كثير من الدول يحيد الاستبداد إلى حد ما.سوريا نموذجا فاقعا بحيث نجد أن أكثر المتحمسين ليبرالية !! يوجهون معاركهم نحو النص الديني وليس نحو نص الاستبداد السلطوي وتفكيك علائقه الجوانية المرعبة التي كرسها عبر قرون وهو يستولي فيها على الهواء الذي يتنفسه المواطن السوري فكيف بغير هذا من مؤثرات سلطوية ومصادرة لكافة الحقوق الإنسانية..ليس مطلوبا من الفكر الليبرالي القضاء على الفكر الديني بل أجباره على التعايش معه في وطن واحد يضمن حقوق الجميع في الحريات العامة والفردية.
الليبرالية في جوهرها التاريخي هي البحث الحقيقي عن صيغ التعايش هذا بين كافة المكونات الإثنية والدينية والمذهبية والسياسية..الخ
فهل قضى الفكر الليبرالي بالغرب على الفكر الكنسي او على المسيحية ؟!
انطلاقا من هذا نجد أن الثقافة الليبرالية تتجرد من أهم أسلحتها في النص الليبرالي العربي وهو مفهوم التعايش الحر الكريم بين كافة الأطياف كما ذكرنا وتوجيه السهام نحو العائق الأساسي لهذه الحرية ألا وهو الاستبداد العربي ليس إلا..كما أنه في غالبه يتعامل مع هذا الفكر كما تعامل سابقا مع الماركسية بطريقة غير نقدية في تقديمه لجاهزياته المعرفية والأيديولوجية..لهذا نجد النص الليبرالي نصا ينحو نحو المزيد من القطيعة مع التيارات المتواجدة في المجتمع والتي لايمكن إزالتها بسهولة كتابة نص ليبرالي أو قيام محور ليبرالي..رغم ملحاحية هذا التأسيس الليبرالي في الشرق الأوسط..ربما يلزمنا الكثير في الكتابة حول هذا الأمر ولكننا اكتفينا بهذه العجالة السريعة علها تفعل النقاش الجاري..
غسان المفلح