القضية ليست البهائيين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
القضية ليست البهائيين.. ولكنها قضية حرية الاعتقاد وحقوق المواطنة..
يقول الاستاذ سامر سليمان في مقاله المنشور بالمصري اليوم بتاريخ 21/5 والذي يستحق كل التأييد.. المواطن الصالح يقاس ليس بديانته ولكن باحترامه القانون، وبالخدمات التي يقدمها للمجتمع..
إن مصادرة الدولة الحريات الدينية استبداد ما بعده استبداد، لأن الأصل هو حرية الفرد الكاملة وغير المنقوصة في اختيار ديانته، حتي ولو كانت البوذية. أليس هذا ما ينص عليه الدستور المصري وكل أعراف حقوق الإنسان؟
وكما يقول سعد الدين ابراهيم.. قد يكون البهائيون منحرفين في عقائدهم، أو حتي كفاراً، فهل يعطينا ذلك الحق في انتهاك حقهم الإنساني في حرية الاعتقاد؟
و كما تقول د. زينب موسي، أستاذة الجراحة بجامعة القاهرة، إن ما يطالب به البهائيون هو أن يتركوا في حالهم، وفقط الاعتراف بهوياتهم في البطاقة الشخصية (الرقم القومي)، إما "كبهائيين" أو فئة "بدون". هم لا يريدون أن تفرض عليهم اليهودية أو المسيحية أو الإسلام، فهم يحترمون هذه الديانات الثلاث ولكنهم لا ينتمون لأي منها، فهل هذه المطالب الإنسانية البسيطة، والتي تجعلنا نحن وآيات الله في إيران (أكثر دولة في العالم تضطهد الأقليات الدينية ومنها الأقلية السنية ) في مركب واحد يضطهد البهائيين؟ كيف لأمة قوامها ٧٥ مليون مصري، معظمهم مسلمون، أن تتصرف بهذا الأسلوب الجاهلي المجهول مع أقلية دينية لا تطالب إلا بأبسط حقوقها الدستورية والإنسانية؟ إنها حقاً لمحنة للمصريين والمسلمين قبل أن تكون محنة للبهائيين..
القضية ليست ما هي البهائية وهل هي ديانه أو عقيدة وهل هي كفر أم لا..
القضية هي أكبر من ذلك كثيرا.. هي قضية مصير ومستقبل.. هل تحترم مصر وحكومتها وشعبها ومجلس شعبها ومؤسساتها الدينية ممثلة في الأزهر ورجاله.. حرية العقيدة كما ينص عليها الدستور المصري أم لا..
القضية هل نحترم في مصر حقوق المواطنة.. حق المواطن المصري في الحياة والأمن والعمل والتعبير عن الرأي و حرية الاعتقاد وإقامة شعائره الدينية.. كما هو النص في الدستور المصري نفسه..
الجميع يطالب بالاصلاح الدستوري.. وهو مطلب عادل ينادي به الجميع.. ولكن قبل أي إصلاح دستوري.. لابد أن يتعلم الجميع حكاما ومحكومين.. أن الدستور يكتب ليحترم.. وأن تكون هناك آليات لفرض هذا الاحترام.. وأن المدخل الأول لفرض هذا الاحترام.. أن لا يحتوي الدستور موادا متضاربة تؤدي الي اختلاف كبير في التفسير والتأويل..
إن كنا لا نحترم حرية العقيدة.. كما ظهر الحال في قضية البهائيين والكثير من القضايا التي أدت الي الاحتقان الطائفي والسياسي في مصر.. فلنرفع المواد التي تؤكد علي احترام حرية العقيدة من الدستور.. إن كنا لا نؤمن بحقوق المواطنة.. وترتفع عقيرة البعض منا استغلالا للبند الثاني من الدستور التي تقول لنا أن مباديء الشريعة الاسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع.. ونتهم كل مواطن مصري يؤكد علي حقه الدستوري في حرية العقيدة أنه يعمل لصالح الشرق أو الغرب.. وأنه يعمل ضد مصالح مصر.. فلنرفع المواد التي تؤكد علي حقوق المواطنة بصرف النظر عن الجنس واللون والأصل والدين والعقيدة.. أو فلنؤكد بما لا يدع مجالا للشك والتأويل حتي لا يستغل البعض هذا البند من الدستور لفرض نظرتهم الضيقة.. أن مباديء الشريعة الاسلامية لا تتعارض مع حقوق المواطنة وحرية العقيدة.. ونوضح بما لا يدع مجالا للتأويل ما هي هذه المباديء بالضبط ولا ندع الأمر مبهما.. فنقع في فوضي دستورية.. تؤدي الي تناقض في الأحكام القضائية..
لقد حدث اختلاف علني بين رئيس وزراء مصر وجماعة الإخوان المسلمين.. هل مصر هي دولة مدنية علمانية... أم هي دولة اسلامية... البند الثاني من الدستور يقول أنها دولة دينية اسلامية.. والباب الثالث كله من الدستور.. الذي يتكلم عن الحقوق والحريات والواجبات العامة.. وكذلك الباب الرابع كله الذي يؤكد علي سيادة القانون.. يؤكد أنها دولة مدنية وفي الحقيقة علمانية..
إن قضية البهائيين في حد ذاتها.. ليست البهائية كعقيدة.. بل هي قضية حرية العقيدة.. وحقوق المواطنة وسيادة القانون.. وقضية ما هو الاصلاح الدستوري الذي يتكلم عنه الجميع في مصر الآن.. حكومة وحزبا ومعارضة وقوي مدنية..
ما هي الاصلاحات الدستورية التي نريدها.. هل هي الاصلاحات التي تؤكد علي مدنية الدولة وحقوق المواطنة وحرية العقيدة وسيادة القانون والفصل بين السلطات الثلاث واستقلال القضاء.. أم نريد أصلاحات دستورية تؤكد علي دينية الدولة المصرية وأنها دولة اسلامية.. الشريعة الاسلامية وبطريقة مبهمة هي المهيمنة والمسيطرة علي ما عداها.. لأن الحقيقة والواقع علي الارض تقول أن الاصلاحات الدستورية الأولي تختلف وتتناقض جوهريا مع الاصلاحات الدستورية التي تؤكد علي هيمنة الشريعة الاسلامية علي ماعداها.. إن كنا نريد نريد فض هذا الاشتباك وهذا التناقض.. فلابد أن نحدد بالضبط ماهي مباديء الشريعة الاسلامية.. وأن نؤكد بما لا يدع أي مجال للإختلاف والتأويل أن هذه المباديء لا تتعارض مع حقوق المواطنة وحرية العقيدة وسيادة القانون ومدنية الدولة في مصر..
والدكتور سعد الدين ابراهيم محق تماما عندما يقول أن الطائفية في مصر تضعف، لهذا فهي تخوض معاركها بشراسة، الأمر الذي يتجلي في لجوئها للكذب والمغالطات، فبعد أن كان إسكات المناهضين للطائفية يتم في الماضي عبر اتهامهم بالعمالة وإثارة الفتنة، دار الطائفيون ١٨٠ درجة واعترفوا أخيراً أن بمصر تمييزاً دينياً، لكنهم زادوا بأنه تمييز ضد الأغلبية المسلمة! وهذه مقولة تثير الضحك حتي البكاء..
إن قضية البهائيين في الحقيقة ليست قضية البهائية كعقيدة.. ولكنها قضية حرية العقيدة وحقوق المواطنة والاصلاحات الدستورية التي يتحدث عنها الجميع وماهي.. إنها مدخل جيد لمناقشة تلك القضايا التي ستشكل مستقبل مصر لسنوات عديدة قادمة..
لهم ولنا الله ولكل مواطن مصري يحرم من حقوقه التي ينص عليها الدستور..
عمرو اسماعيل