أصداء

الكلام حين يضرنا الكلام

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لا أخفيكم أنني ترددت كثيرا قبل أن أكتب هذا المقال، السبب الأول أن المشكلة أو الظاهرة لا أعرف بماذا اسميها تتفاقم يوما بعد يوم، دونما أية حلول تلوح في الأفق، وشعبنا الفلسطيني قد ملّ من الكلام والخطب والمواعظ بل والوعود التي كانت في أحسن حالاتها محاولات للتشخيص دونما العلاج، والسبب الثاني أنني وبعد سجال طويل مع نفسي، خشيت أن أصرح هنا بما قد لا أؤمن به، أو أن اسكب الزيت على النار فأزيد من همي وهم غيري، وكم هي الهموم الفلسطينية، إلا أن السكوت هنا من قصدير وليس من ذهب، والسبب الثالث أنني كلما عزمت على كتابة أفكار هذا المقال يجد الجديد وتصبح الفكرة قاصرة عن وصول مبتغاها، والسبب الرابع والأخير وبكل خجل هو خوفي من فقدان أحد ساقي جراء رصاصة من مسدس دونما أي كاتم للصوت. عموما لابد لكل قصة من بداية، ولكل بداية نهاية، فدعونا نحكي بألم كل الحكاية.

لمن لا يعرف المشكلة يا أعزائي القراء، أو لمن لا يدمن حضور نشرات الأخبار، ربما لا ألوم من لا يتابع الأخبار، لأن المشكلة داخلية خارجية في الوقت ذاته، شأنها شأن الغسيل الذي ينشر والذي لا ينشر، الفلتان الأمني، المصطلح غريب نسبيا ويحمل عدة تفسيرات للوهلة الأولى، التسمية تعود للعام 2002م حيث بداية ظهور ما نسميه هنا في فلسطين بالفلتان الأمني، المشكلة الأكبر والسلبية الأبرز بعيد انتفاضة الأقصى الفلسطينية عام 2000م، عدة مظاهر وممارسات تزداد بشكل بغيض، السلاح غير الشرعي حتى أكون دقيقا في المصلحات. بتنا حقيقة لا نعرف لمن هذا السلاح ولأي صدور يوجه؟ لم نر هذا السلاح والعتاد إلا في المشاجرات والاضطرابات الداخلية التي تفتعل كل يوم لأتفه الأسباب، كثيرون من فقدوا أعزاءهم من رصاصة طائشة مقصودة أو غير مقصودة (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت). والأكثر هم من فقدوا أحد أطرافهم العلوية أو السفلية، أما السيارات المسروقة، فحدث ولا حرج، كيف سرقت وممن؟ الله اعلم!!! كيف دخلت للأراضي الفلسطينية عبر حواجز الاحتلال التي لا تسمح للنمل بعبورها؟ أيضا الله اعلم!!!، القضاء البديل، نعم القضاء البديل، الوجه الآخر لمن ينصبون أنفسهم بدلا من القانون والقضاء بأسلحتهم وعضلاتهم المفتولة، معطلين بذلك عمل جميع الأجهزة القضائية، وحاجبين عن الناس الاحتكام إليها، وحتى اقرب المعنى لمن اختلطت عليه الأمور، أن الأمر هنا يشبه تماما زمن الإتاوات والفتوات، ولكن بعنف اكبر، الفرق بين القضاء البديل تجاوزا والقضاء العادي، هو مجانية الثاني وتكاليف الأول الباهظة.

أسباب عدة للظاهرة، الاحتلال الإسرائيلي البغيض أولها، فالأجهزة الأمنية مثلا وفي مدينة مثل مدينة نابلس الفلسطينية وحتى لحظة كتابة المقال لا يسمح لها بارتداء زيها الرسمي، ولا بحمل سلاحها، ناهيك عن الحملات الأمنية التي قامت بها الأخيرة والتي هدفت إلى جمع السيارات المسروقة والسلاح غير الشرعي، والتي سرعان ما قوضها الاحتلال. من ناحية أخرى هناك ما يجدر الإشارة إليه وهو أن تقصيرا كبيرا أيضا يقع على عاتق الأجهزة الأمنية فهي مثلا قامت باعتقال المجموعة الفلسطينية المتهمة باغتيال الوزير الإسرائيلي زئيفي بسرعة قياسية، في حين أنها تتوانى عن اعتقال الكثيرين من مرتكبي الجرائم!!!. ثاني الأسباب هو الجماعات الفلسطينية المسلحة والتي تنصب نفسها قاضيا تحت مسمى النضال والسلاح الشرعي للمقاومة، واعتقد جازما أنها بعيدة كل البعد عن النضال والشرعية، فالسلاح الفلسطيني وحسب أبجديات النضال يوجه فقط لصدور الاحتلال، لا لصدور الأبرياء ولا حتى لعنان السماء. ثالث الأسباب هو المجتمع الفلسطيني نفسه، نعم قد يستغرب البعض ذلك، إلا أنها الحقيقة، فتغييب الأجهزة الأمنية وتعطيل القضاء أدى بالمواطن الفلسطيني إلى اللجوء إلى ما أسميناه تجاوزا القضاء البديل، الأسرع والأضمن طبعا (ومن حيث لم يدر أن السم في الدسم)، والأسباب تتوالى وتتعدد والفلتان يبقى جاثما على صدور الفلسطينيين.
قبل فترة اتصلت بإحدى الزميلات في مدينة غزة الفلسطينية، أخبرتني أنها تحمد الله كل صباح، لأنها لا تزال على قيد الحياة، صديق أحب اسمه الثوري كثيرا (سعد) يقترح علي غير مازح بأن نصبح أعضاء في إحدى (الميليشيات) المسلحة، بهذا نؤمن دخلا جيدا، ويكون لنا سطوة، وربما نستطيع أيضا أن نحل الملفات القانونية العالقة أمام المحاكم بسهولة أكبر، على فكرة اقتراح صديقي لن يكلفنا كثيرا، فهو يحتاج إلى بندقية طراز (إم 16) إسرائيلية الصنع، وأضع هنا خطا احمر داكنا تحت كلمة إسرائيلية، لنعرف مدى استفادة العدو من استفحال الظاهرة، ناهيك عن تشتتنا واقتتالنا، فهو يجد سوقا جديدا لسلاحه، وسيكلفنا الأمر أيضا تنازلا بسيطا عن قليل من المبادئ والمثل. (والمبادئ ﻫ الأيام ما بتطعمي خبز).

أعرف أن الكثير سيعترض، وسيتهمني بأنني أهول الأمور، ربما لم يصل الأمر بنا إلى الحد الذي وصله في العراق، إلا أن كل ما ذكرت يحصل يوميا وعلى مرأى ومسمع جميع الفلسطينيين، ودعوني ختاما أسوق حديثا لـ(عيزر وايزمان) رئيس الكيان الإسرائيلي السابق، والذي قال فيه إنه على استعداد بان يبني سورا أو معسكرا كبيرا حول أي تلة صغيرة أطلقت منها رصاصة واحدة لم تصب أحدا. الأمن والأمان هو ما يشغل عدونا، وهو ما يشغل العالم أيضا، كفانا نيران الاحتلال وعذاباته اليومية، ولنقف بوجه كل من يحاول زعزعة أمننا، حتى ولو كلفنا ذلك عصيانا مدنيا، ولننظر إلى أنفسنا في المرآة أكثر، ولنتذكر المثل الفلسطيني القائل (الله ما بسمع من ساكت).


المحامي فضل عسقلان
كاتب وباحث قانوني فلسطيني.
نابلس-فلسطين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف