أصداء

الإستراتيجيا الدفاعية اللبنانية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الإستراتيجيا الدفاعية اللبنانية: رؤية مغايرة

يشكل ضمان الأمن القومي أولى أولويات الدول، حيث، تقوم الأجهزة المختصة، ببلورة مختلف استراتيجياته، التي يأتي في مقدمها الإستراتيجيا الدفاعية، إذ يتضمن مفهوم الأمن القومي، أبعاداً أخرى، اقتصادية واجتماعية وعلمية-تكنولوجية.... لا تقل أهمية، حيث بات من المسلم به أن بناء القدرات العسكرية والاقتصادية رهن بالإنجازات في مجال البحث والتطوير العلمي.
ينفرد لبنان، من بين كل دول العالم، بحصر قضايا الأمن القومي بالجانب العسكري فقط، من جهة، كما بمناقشتها، خارج مؤسسات الدولة، في إطار ما يسمى بمؤتمر الحوار الوطني، من جهة أخرى.
يناقش أقطاب مؤتمر الحوار الوطني، في جلستهم المقبلة، طرح حزب الله حول حماية لبنان، إذ يقدم كل منهم رؤيته حول حماية لبنان، أو بمعنى أدق، رده على طرح حزب الله، حيث بات واضحاً أن المؤتمر منقسم بين وجهتي نظر متناقضتين حول هذا الموضوع.
ينطلق طرح حزب الله مباشرة من إشكالية: كيف نحمي لبنان؟ متجاوزاً، بذلك، إشكالية الإستراتيجيا الدفاعية، البديهية: من ماذا نحمي لبنان؟ ما هي مجمل التهديدات والتحديات التي تطال الأمن القومي اللبناني؟.
هذا التجاوز، ناشئ عن حصر حزب الله لمصادر تهديد لبنان ضمن الدائرة الإسرائيلية فقط، حيث، توجه إلى اللبنانيين قائلاً:"إننا استطعنا بتجربة المقاومة أن نوفّر صيغة تحمي لبنان". لكن، هل تهديد الأمن القومي اللبناني محصور بالدائرة الإسرائيلية فقط؟.
يعني الأمن القومي القدرة على تأمين الحماية الكلية للمجتمع السياسي في وجه التهديدات والتحديات التي تجابهه من الداخل والخارج، حيث يعيش ذلك المجتمع حالة الاطمئنان والأمن، بعيداً عن أي خوف.
من هنا، فإن الإستراتيجيا الدفاعية السليمة، لا بد أن تأخذ في عين الاعتبار مجمل التهديدات والتحديات ذات الطابع العسكري، سواء أكانت داخلية أم خارجية. لذلك، سوف نناقش طرح حزب الله والردود عليه، انطلاقاً من هذا المعطى.
1- التحديات الداخلية: طالما بقيت قضايا الأمن القومي تناقش خارج مكانها الطبيعي، فإن لبنان؛ لا يزال بعيداً كل البعد عن قيام دولة المؤسسات، الأمر الذي يشكل أكبر تهديد، يطال المجتمع السياسي اللبناني.
إذا تجاوزنا هذا المعطى؛ لنتعاطى مع الموضوع كما هو قائم، فإن الأمن القومي اللبناني يواجه تحديين أساسيين، هما: سلاح حزب الله والسلاح الفلسطيني.
أضحى سلاح حزب الله، مسألة خلافية بين اللبنانيين، أكثر من أي وقت مضى، إذ أدت الانقسامات السياسية حوله إلى قيام محورين متقابلين، تخندق اللبنانيين في إطاراهما، فريق تمسك بمبدأ السيادة واتفاق الطائف في سبيل نزع السلاح، في حين، تمسك الفريق الآخر بالدفاع عن لبنان في مواجهة التهديد الإسرائيلي، في سبيل الاحتفاظ بالسلاح.
يحاجج أصحاب منطق السيادة بأن حزب الله أضحى مليشيا يجب نزع سلاحها، تماشياً مع مبدأ السيادة واتفاق الطائف، في حين، يعتبر حزب الله أن اتفاق الطائف لا ينطبق عليه، إذ أن سلاحه موجه إلى إسرائيل ولم يدخل في الحرب الطائفية.
هنا، لا بد من تذكير أصحاب منطق السيادة أن مفهوم السيادة التقليدي لم يعد موجوداً سوى في الكتب، ثم أنه، ماذا يعني وجودهم على طاولة الحوار لمناقشة استراتيجيا حزب الله الدفاعية، وتقديم البدائل لها، خارج نطاق المؤسسات الدستورية، التي يجب أن يكون قرار الحرب والسلم في يدها وحدها، كما يرددون. ألا يعتبر ذلك، مساً فاضحاً بمبدأ السيادة ومنطق الدولة؟.
كما أنه، لا بد من تذكير حزب الله بالحرب التي دارت بينه وبين حركة أمل، ألم تكن حرباً طائفية؟ لا بل، ألم تكن، حرباً بالواسطة بين إيران وسوريا؟.
لم يقف أتباع المحورين عند هذا الحد في التعاطي، حيث صبغوا الموضوع بأبعاد خارجية، إذ أضحى الاحتفاظ بالسلاح مطلباً سوريا-إيرانيا عند فريق السيادة، في حين، أن نزعه أضحى مطلباً إسرائيلياً عند حزب الله، ما يعيد إلى الأذهان بعضاً من الأجواء التي سادت قبل وخلال الحرب اللبنانية.
عند هذا الحد، وفي بلد طائفي مثل لبنان، تطغى على حياته السياسية الحسابات الطائفية، لا شك، في أن بقاء السلاح؛ بيد أحد الأطراف (تذرع الأطراف الباقية مستقبلاً بذلك لحمل السلاح فرضية قائمة هنا)، يشكل تهديدا يطال الأمن القومي.
يضاف إلى هذا التحدي، تحدياً آخر، يتمثل بالسلاح الفلسطيني، الذي تم التوافق بشأنه، خلال جلسات مؤتمر الحوار الوطني الماضية، غير أن العبرة تبقى في القدرة على التنفيذ.
2- التهديد والتحديات الخارجية: يواجه الأمن القومي اللبناني، اليوم، مجموعة تحديات خارجية، تزداد كماً، كلما ازداد تشابك وتقاطع قضايا الأمن القومي مع قضايا الأمن الإقليمي، الذي يتقاطع بدوره مع قضايا الأمن الدولي، لا يسع المقام هنا للخوض فيها جميعها. لذلك، سوف نقف على التهديد الأبرز، المتمثل في إسرائيل، التي يجمع اللبنانيون على أنها عدو، غير أنهم، يختلفون على كيفية حماية لبنان rlm;ومصالحه في مواجهة هذا التحدي، حيث انقسموا إلى فريقين، فريق تمسك بأحادية المؤسسات الدستورية، في حين، تمسك الفريق الآخر بثنائية المقاومة والمؤسسات الدستورية.
سوف نعمد إلى تقييم الموقفين، انطلاقاً من الاستراتيجية المقترحة للتعاطي مع التهديدات المحتملة، التي يمكن إدراجها ضمن ثلاثة محاور:
- الاجتياح: يعتبر أنصار الطرح الثنائي، على رأسهم حزب الله، أن المقاومة، عنصر قوة لبنان الوحيد بوجه إسرائيل، أضحت قوة رادعة، ينبغي التمسك بها، إذ لولا تواجدها في جنوب لبنان لما تورعت إسرائيل عن اجتياح الأراضي اللبنانية طوال السنوات الماضية، لذلك، فإن، استراتيجية دفاعية قائمة على صيغة تكاملية بين الجيش والمقاومة، وحدها كفيلة بتوفير الحماية للبنان، في حين، يعتبر أنصار الطرح الأحادي أن حماية لبنان تتم من خلال مؤسسة الجيش والضمانات الدولية، إذ أن اهتمام الأمم المتحدة باستقلال لبنان وسيادته على أرضه، يشكل ضمانة له، ينبغي التمسك بها.
يحاجج أصحاب الطرح الأحادي بأن وجود عدو لا يعني بالضرورة قيام حرب عسكرية بين البلدين، خصوصاً أن إسرائيل تخلت بشكل كامل عن مشروعها "إسرائيل الكبرى"، كما أنه لم يعد لديها أطماع بالأراضي اللبنانية، إذ لما كانت انسحبت منه أصلاً، ثم إن تنظيم العداء بين البلدين يخضع لاتفاق الهدنة الموقع عام 1949، الذي سقط على أثر انطلاق أعمال المقاومة الفلسطينية من الأراضي اللبنانية، بعد حرب العام 1967، حينها أصبحلبنان مهددًا من الخطر الإسرائيلي، وليس قبل ذلك، من هنا، فإنه، إذا لم تقم أعمال عسكرية من لبنان باتجاه إسرائيل، فإن الأخيرة لن تتخطى الاعتبارات والحواجز الدولية للقيام بعمليات عدوانية، لأن ذلك سيعرضها للمساءلة والمحاسبة الدولية.
يمكن محاكمة الطرح الثنائي، من زاوية الإستراتيجيا الدفاعية، في حين، أن الطرح الأحادي، لا يعدو كونه، وجهة نظر بعيدة كل البعد عن الإستراتيجيا الدفاعية، لا بل عن المنطق، إذ كيف يمكن البناء على أن إسرائيل لم يعد لديها أطماع في لبنان، بدليل انسحابها، الذي جاهرت إسرائيل بأنه جاء نتيجة الخسائر البشرية التي تكبدتها في لبنان.

ليس هناك من استراتيجية دفاعية على امتداد العالم، لدولة تعيش حالة عداء مع دولة أخرى أقوى منها وعلى تماس حدودي معها، لا تأخذ بعين الاعتبار مواجهة عدوان محتمل بوسائل وأساليب فعلية.
ليس هناك من استراتيجية دفاعية على امتداد العالم، تقوم على الحكم على نوايا العدو، والرهان على قرارات الأمم المتحدة؟.
توجه إلى استراتيجيا المقاومة الرادعة، التساؤلات التالية:
كيف يمكن التوفيق بين المقاومة الرادعة والتحذير من العدوان؟.
حذّر حزب الله، خلال الفترة الماضية، مرات عدة، من خطر عدوان جديد على لبنان، جاء أبرزها، خلال العدوان الأمريكي على العراق، على لسان أمينه العام، الذي قال:"نحن نشم في الكلام الإسرائيلي اليومي تحضيراً لعدوان على لبنان..... وكل ما يقوله الإسرائيليون في هذا السياق هو تمهيد أجواء دولية وإقليمية لأجل القيام بعمل من هذا النوع".
ماذا لو تمكنت إسرائيل في المستقبل من تعطيل مفعول ترسانة المقاومة الصاروخية؟.
إن فرضية فقدان الترسانة الصاروخية لقيمتها في المستقبل، لا يمكن الاستهانة بها، في مواجهة دولة تنفق على البحث العلمي ما نسبته 2.6% من موازنتها السنوية، مقارنة مع أمريكا التي تنفق 3.6% والسويد 3.3% وسويسرا واليابان 2.7% وفرنسا والدانمرك 2%.
هل تميز إسرائيل ما بين المقاومة والجيش؟.
حسب استراتيجيا المقاومة الرادعة، تشكل ثنائية الجيش والمقاومة، قوة للبنان، حيث أن مواجهة إسرائيل من خلال جيش نظامي يعود بالضرر على لبنان. لكن، هل كان الرد الإسرائيلي في الماضي يحيد الجيش ومؤسسات الدولة المدنية الأخرى؟.
هل لا زالت المقاومة تحسب على المجتمع المدني، بعد أن أضحى حزب الله جزءاً من السلطة؟
خلاصة كل ذلك، أنه لا الجيش ولا المقاومة، ولا كلاهما معاً، قادرين على حماية الأراضي اللبنانية من اجتياح إسرائيلي، ضمن موازين القوى الحالية، إذ لا يملك لبنان قدرات ردع فعلية في وجه إسرائيل، إنما حال قيام العدوان، فإن المقاومة، بخلاف الجيش، تستطيع أن تلحق بالغ الأذى بإسرائيل، كما أثبتت التجربة.
- الاختراقات الأمنية: لا تلحظ استراتيجيا حزب الله الدفاعية آلية للتعاطي مع الاختراقات الأمنية، التي يمكن أن تقوم بها إسرائيل على الأراضي اللبنانية، إذ تعتبر أن هذا الأمر من مسؤولية الدولة.
يوجه حزب الله، غالباً، الاتهام إلى إسرائيل بعد أي خرق أمني على الأراضي اللبنانية، سواء استهدافه أم طال أهدافاً أخرى، إذ طلب من الأجهزة الأمنية اللبنانية، على أثر سلسلة التفجيرات الأخيرة، إذا أرادت الوصول إلى خيط جدي؛ أن تعمل على الشبكات الإسرائيلية، لأن إسرائيل أول المستفيدين من زعزعة الأمن في لبنان، حيث شخص هدفها، من زاوية:"إثارة المسيحيين وإشعارهم بالقلق وتحريضهم من اجل التحدث عن أمن ذاتي وضرورة إنشاء ميليشيات مسلحة ولدفع المتطرفين من المسيحيين إلى الحديث عن الفيدرالية وتقسيم لبنان من جديد".
خلاصة الأمر بالنسبة لحزب الله، هنا، أن الخطر الإسرائيلي الحقيقي على لبنان في المرحلة المقبلة يتمثل بالفتنة الطائفية، التي تهدف إلى إشعال حرب أهلية.
هنا، يطرح التساؤل: كيف يمكن أن تبقى مسألة بهذه الخطورة، لا بل الأخطر حالياً، خارج الإستراتيجيا الدفاعية؟.
كيف يمكن للجيش الرد على هذه الاختراقات؟.
- استباحة الجو والبحر واستهداف المدنيين: هنا أيضاً، لم تلحظ استراتيجيا حزب الله الدفاعية، آلية للتعاطي مع هذه الاختراقات، فضلاً عن أنها تكرس سلوكاً معيناً على مدى السنوات الماضية، للتعامل مع هذا الموضوع، في حين، يعول أنصار الطرح الأحادي على المجتمع الدولي.
حين قامت إسرائيل مؤخراً باستهداف الراعي اللبناني المدني، ردت المقاومة باستهداف المواقع الإسرائيلية في منطقة مزارع شبعا، ما يعني أنها لم تفعل الآلية التي أوجدها تفاهم نيسان، فيما مضى؟.
ما الجدوى من تقديم شكوى إلى مجلس الأمن على ضوء التجارب الماضية؟.
انطلاقاً من طبيعة التهديدات التي تم استعراضها، يتبين أن طرح حزب الله حول الإستراتيجيا الدفاعية، يحمل في طياته عناصر قوة وضعف للأمن القومي في أن معاً، الأمر الذي يستدعي صيغة توفيقية، حيث لا يرجح أي خيار على حساب الآخر.
إن ما يحصن لبنان في وجه الخطر الإسرائيلي الداهم، المتمثل في الاختراقات الأمنية، يأتي من وجود دولة قوية، ما يضعنا أمام صيغة، تنصب على توحيد الجهود، يمكن أن تجد تعبيراتها من خلال دمج المقاومة بالجيش ودمج الجيش بالمقاومة، من دون أن يذوب أي طرف بالآخر، حيث نصبح أمام مؤسسة، يتم فيها تكييف كل من الجيش والمقاومة بما يتلاءم مع مواجهة كافة التحديات التي تطال الأمن القومي اللبناني على المستوى الدفاعي.


عبد العزيز حسونة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف