أصداء

مقتل الزرقاوي ومقتل الفكر الإرهابي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أعلن رئيس الوزراء العراقي المالكي مقتل زعيم تنظيم تنظيم القاعدة بالعراق أبو مصعب الزرقاوي. وأكدت القوات الأمريكية أن غارة لها على منطقة قرب البعقوقة قد قضت على الإرهابي الأول في الأول الذي تسبب في مقتل وإصابة عشرات الألاف من الأبرياء في بلاد الرافدين. سارع الرئيس الأمريكي بوش بالتهليل لمقتل عدوه اللدود الزرقاوي، الذي تسبب بدرجة كبيرة في تدهور شعبيتة، ووصف الغارة بأنها أنزلت العدالة بـ "أكبر إرهابي مطلوب في العراق." كما أعلن توني بلير رئيس الحكومة البريطانية أن مقتل ابو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق يعد لحظة هامة جدا للعراق. غير أنه نقل عن وزيرة الخارجية البريطانية مارجريت بيكيت تصريحات أكثر تحفظاً حين قالت انه من السابق لأوانه القول بأن هذه نقطة تحول لكنها بالتأكيد يمكن ان تكون مفيدة وامل في ان يكون هذا هو الحال.على صعيد أخر جاءت تصريحات الإسلاميين حول العالم لتقلل من شأن مقتل الزرقاوي حيث نقلت رويترز عن ياسر السري مدير المرصد الإعلامي الإسلامي، الذي يعيش بلندن والمعروف بمساندته لتنظيم القاعدة، قوله أن موت الزرقاوي لن يكون له تأثير يذكر على الجهاد في العراق مؤكداً على أنه -الزرقاوي - مجرد قائد جماعة يقاتل تحت قيادة مجلس المجاهدين. وتوقع السري عدم حدوث تراجع في الجهاد بل ربما يحدث تصعيد لان انصاره سيقومون بعمليات قتل انتقامية. كما نقلت رويترز عن منتصر الزيات محامي الجماعات الاسلامية في مصر قوله "الزرقاوي كان علما، كان قائد جيش، إذا سقط الزرقاوي فان هناك آخرين سيتولون المهمة." ما بين تفاؤل الزعماء الغربيين بالقضاء على الإرهاب، والتفاؤل المضاد لزعماء التطرف باستمرار الإرهاب تدور أسئلة عدة حول الأثر الذي يمكن أن يخلفه مقتل الزرقاوي على العمليات الإرهابية في العراق.

على الرغم من أن تهليل الغرب لمقتل الزرقاوي قد يكون مبرراً في بعض مظاهره، إلا أن المغالاة في تصوير الزرقاوي على أنه الزعيم الأوحد للجماعات الإرهابية في العراق قد يأتي بنتائج سلبية على الجهود المبذولة لتنقية هذا البلد من العنف المسلح وجماعاته ورجاله. ليس من المتوقع أن يتأثر النشاط الإرهابي بصورة كبيرة في المرحلة القادمة نظراً لوجود عشرات الألاف من المؤيدين للزرقاوي القادرين على مواصلة مسيرته. إذ لا تزال مقدرة التنظيمات الإرهابية الدولية قادرة على إمداد التنظيمات الإرهابية في العراق بالمؤن البشرية في ظل عدم قدرة السلطات العراقية بمعونة القوات الأجنبية على التحكم في الحدود الدولية للعراق ومنع المتطرفين من التسلل إلى داخل العراق. فضلاً عن ذلك، فعلى الرغم من وجود اختلافات وانقسامات عديدة بين الجماعات المتطرفة بينها البعض حول مفهوم الجهاد ووسائله وغاياته، إلا أن الانقسامات الداخلية تعد أمراً نادراً. من غير المعروف عن الجماعات المتأسلمة تناحرها على القيادة، حيث تتم عمليات نقل السلطة عادة بسلاسة ودون مشاكل. السلم الوظيفي لهذه الجماعات يبدو مرتباً ترتيباً جيداً بما يضمن شغل المناصب القيادية الشاغرة بهدوء وفي إطار النظام الداخلي المتبع. كثيراً ما خلت مناصب قيادية للجماعات المتطرفة خلال الحرب على الإرهاب في العراق وأفغانستان ومصر والجزائر، ولكن لم يعرف عن أي من هذه الجماعات وجود صراعات داخلية حقيقية بها تؤثر بالسلب على نشاطاتها. لعل هذا قد يشير إلى أن موت الزرقاوي ربما لا يعني موت الإرهاب في العراق.

لا أريد بتشاؤمي أن أقلل من شأن مقتل الزرقاوي، إذ أن لا شك في أن غياب الزرقاوي يعد انتصاراً للمجتمع الإنساني على الإرهاب والتطرف وأسامة بن لادن ورجاله المختبئين في جحورهم بأفغانستان. ولا شك في أن مقتل هذا الإرهابي يعد خضوة مهمة في إطار مساعي الحفاظ على مستقبل العراق ووحدته إذا ما نجحت الحكومة العراقية في استثمارها جيداً بتفكيك البنى الأساسية للخلايا الإرهابية. إن انقاذ العراقيين من الأثار المدمرة التي خلفها الزرقاوي على وحدة العراقيين تتطلب جهوداً جبارة من الحكومة العراقية، ففكر تكفير الشيعة والمسيحيين وغيرهما من الطوائف العراقية الذي زرعه الزرقاوي في عقول العديدين من أنصارة العراقيين والعرب لا يمكن القضاء عليه بين يوم وليلة أو بغارة عسكرية. ولعل الدفاع الذي يلقاه هذا الفكر الإرهابي من قادة الجماعات الإسلامية حول العالم يؤكد الحاجة إلى جهود دولية لا تهدأ تبدأ بتوقيف كل من يتبنى هذا الفكر ويبرره، إذ أنه من العار أن يبقى من يدافعون عن هذا الفكر أحراراً ينفثون سمومهم في عقول المغفلين في بغداد وكابول ولندن والقاهرة وغيرها من العواصم الدولية، وهو ما يدفع ثمنه الأبرياء من ضحايا الإرهاب هنا وهناك. أرجو أن يكون غياب الزرقاوي ليس فقط غياباً لجسده، ولكن بداية لغياب فكره الإرهابي عن العراق. كما أرجو أن يكون مقتل هذا الإرهابي رحمة بالإنسانية الشقية في العراق وحول العالم.

جوزيف بشارة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف