أصداء

في ((شفرة)) الإسلام السياسي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من الممكن تفكيك شفرة الإسلام السياسي في مشرق العالم العربي ومغربه من خلال الشعار المطروح للجمهور المغلوب على أمره والذي يغوص في مشكلات لا أول لها ولا آخر وكذلك من خلال الأداء السياسي في المعارضة وفي السلطة على حد سواء. بعد أن تنغلق الطرق الأيدلوجية المتاحة للسياسي، يبدأ التفكير في الاستيلاء على التراث القائم وركوبه جسرا للوصول إلى مأرب واضح يرومه الجميع: كرسي السلطة لا أكثر ولا اقل. بدأ الأخوان المسلمون في مصر تيارهم قبل ثورة يوليو وأسس سياسيون شيعة في أواخر الخمسينيات ((حزب الدعوة)) في العراق وكلها مسميات سياسية تسمت بالإسلام بحثا عن الطريق المختصر للوصول لكراسي الحكم. كل هذه الحركات والتيارات ألبست الأسلام رداءا أيدلوجيا ولم يكن هذا الدين يوما غير وسيلة ارتباط الفرد بربه حاله حال العقائد الأخرى التي لم تجبر الأفراد على استخدامها للتحكم بمصائر العباد والخلق في مصر أو العراق أو الهند أو أي مكان آخر على وجه الأرض.
بدأ" من حماس في فلسطين مرورا بحزب الله وإنتهاءا" بالأحزاب الأسلامية في العراق التي بدأت تتكاثر يمكننا أن نقيم عملية تقييم للبرامج المطروحة والتي نتمنى أن تكون برامج فعالة بإمكانها معالجة مشاكل المواطن دون الدخول في مجاهيل المقدس والدوغما التي لا يمكن فك شفرتها اليوم أو غدا.
أمام كل المشاكل، ترفع هذه الحركات شعار ((الإسلام هو الحل)) وكأن هذا الإسلام معادلة نيوتن في الجاذبية التي يمكن تطبيقها فقط بإدخال أرقام معينة دون النظر في الخصوصيات الزمكانية لمعادلة السيد نيوتن. نعم سنماشي الشعار المطروح بحتمية أن يكون الأسلام حلا" ولكن أي إسلام؟
لدينا حاليا أكثر من ((إسلام)) وأكثر من ((رؤيه)) إسلامية لكل نص قرآني موجود وهذا يقودنا لتعددية ترجمة النص القرآني وإحتمالات صنع صيغ واقعية قابلة للتطبيق على أرض واقع العراق أو واقع مصر أو واقع سنغافوره. الفهم ((الإسلامي )) لصيرورة الحياة المعاصرة في إيران يسمح للمرأة بالتصويت والترشيح ويلزمها ب((زي موحد)) بينما الفهم الإسلامي في الكويت يمنعها من المشاركة في الحياة البرلمانية التي بدأت تخطو خطوات متسارعة بمساعدة من العائلة الحاكمة!!!!! هذا مثال واحد وأجد أمثلة كثيرة في نقض حجج الأسلام السياسي المتباينة من حركة لأخرى في البلد ذاته قبل أن ننتقل من حركة هنا وتيار هناك. في العراق، المجلس الأعلى للثورة الأسلامية في العراق يؤمن إيمانا كاملا بولاية الفقيه الذي يملك سلطات مطلقة لا يمكن الاعتراض عليها لأن هكذا اعتراض سيدخل صاحبه في منطقة الكفر التي تستدعي عقوبات معروفة بينما توجد حركات أخرى لا تؤمن بفقيه ووليه لكنها ترفع شعار الأسلام كحل نهائي في بلد لا يدين بأكمله بدين الأسلام!!!!
لا أدري أين هي الحلول الأسلامية للمشاكل اليومية التي يمكن أن تواجه المواطن العادي الذي جرب الحل القومجي( بطبعته الديكتاتورية الشمولية المقيتة) والحل الماركسي(بطبعته العربية المشوهة). ماذا في جعبة الإسلاميين لحل مشاكل الفقر والبطالة والرشوة والعنوسة والإستلاب الثقافي والتبعية الأقتصادية والعولمة التي دخلت بيوتنا من الشبابيك شئنا أم أبينا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أين التشريع الأسلامي من الوراثة في الحكم أو سوق الأسهم أو الشركات التي تتبنى الفهم الرأسمالي في أدائها اليومي. لنذهب إلى إيران أيضا وبعد أكثر من ربع قرن، هل أسس الملالي في إيران إقتصادا إسلاميا يختلف عن إقتصاد السوق في نيويورك أو لندن؟ هل ساهمت صلاة الجمعة المليونية في قم أو طهران في حل المشاكل اليومية التي تواجه الفرد الإيراني؟
حين أقترف بن لادن جريمته في سبتمبر2001، لم نسمع إدانة واحدة لهكذا فعل وكأن الإسلام الرسمي في واد والجريمة في واد آخر ولم نسمع صوت إدانة واحد من منبر خطب الجمعة في العالم العربي لأفعال الزرقاوي الأجراميه في بلاد الرافدين ولكن حين أتته صورايخ الطائرات الأمريكية وأرسلته غير مأسوف عليه إلى موت لا يليق إلا بالمجرمين أتتنا الصلوات من كل مكان والنعوت التي تصفه بالشهيد مرة وبفقيد الأمة مرة أخرى. هذا إذن هو خطاب الأسلام السياسي لدينا وعلاقته بمباديء حقوق الإنسان. لماذا تصمت مؤسسات مثل الأزهر ودائرة الأفتاء السعودية عن أفعال بن لادن والزرقاوي لكنها تثير صخبا عاليا حول رواية لحيدر حيدر وأغنية لمارسيل خليفة وكتاب لمحمد شكري. لم يصمت حسن نصر الله عن قتل الأبرياء في إسبانيا ونيويورك وبغداد ولندن والبصرة لكنه أطلق عواصف الكلام والهتافين بوجه قناة لبنانية عزلى فقط لأنها وجهت سهام النقد في برنامج كوميدي لم يتجاوز التابوهات العقائدية لحزب الله أو المنظومة الفكرية للحزب وللطائفة التي يفترض أن تتبع نصر الله ودولاراته القادمة من خارج لبنان.
حاولت ومازالت حركة حماس سحب البساط من تحت قدمي فتح عبر خطاب إسلامي طاعن في التطرف يتهم كل من يخالفه بالخيانة والكفر وهذا الخطاب لم يتواني في تقديس طغاة كصدام والتباكي على مصائرهم التي يستحقونها وكذلك رفع شعارات عاطفيه تدغدغ عواطف جمهور مصاب بإحباط سياسي ومخيب بسبب فضائح قيادات فتح وطرقها البرغماتية التي لم توصل الفلسطينيين إلا إلى المزيد من الخسائر على أرض الواقع. هكذا إذن نجحت حماس قبل أن تصل للحكم في جذب مشاعر العموم ولكنها في كرسي السلطة بدأت التعامل مع معطيات واقعيه لا يمكن تجاوزها وأهمها أن التفاوض قد يوصل لحل ما وليس ضروريا أن يكون خيانة لثوابت المطالب الفلسطينية.
في السودان، حالة الأسلام السياسي تثير التعاطف إن لم أقل السخرية التي لا يمكن الوصول إليها إلا بعد هبوط الأداء السياسي والذي يمكن ملاحظته في تصريحات الترابي في زمن ((السلطة)) وبعد ((الخروج من السلطة)). في زمن السلطة، كان الترابي طالبانيا أكثر من الملا عمر نفسه حتى أن صديقا لي، سوداني الجنسية، يحمل شهادة في علوم الكومبيوتر من جامعة القاهرة قد عاد للخرطوم في التسعينيات وحاول العمل في بلده قد واجه سؤالا من قبل وزارة العمل عن عدد الآيات التي يمكنه إستذكارها والتي ستؤهله للحصول على الوظيفة!!!وبعد أن جرى ما جرى للترابي، خرج لنا في هذا العام بفتاوى ليبرالية مثل جواز زواج المسلمة من غير المسلم وجواز قيادة المرأة لشؤون الدولة وكأن الناس في عالمنا العربي مصابون بمرض فقدان الذاكرة أو تناسوا القمع الذي مارسته حكومة السودان في السنوات الماضية بتفويض من أفكار الترابي التي غادرت الدين ودخلت بشكل أو بآخر في عالم الديكتاتورية المطلق.
الإسلام السياسي يملك شفرة تسحر الجمهور بشعارات يمكن إطلاقها فوق منابر الجمعة وهذه الشفرة تتبنى وجود حلول سحرية لكل المشاكل وأول خطوة في طريق الحلول هو الصراخ ب((كلا كلا أمريكا)) وهذا ما فعلته حماس في زمن المعارضة وهذا ما فعلته الحركات الأسلاميه العراقية أيضا قبل وبعد الإطاحة بصدام لكن الاختبار الحقيقي اليوم. اليوم وليس غدا، هل تواصل الحركات الأسلاميه في عالمنا هذه ال((كلا)) بوجه أمريكا؟هل ستستمر هذه ال((كلا)) دون النظر في المشاكل الحقيقية التي تواجه المواطن في عالمنا العربي والتي تستدعي وجود خطط مؤسساتية وبرامج حزبية وحكومية لحل هكذا مشاكل؟ قد يستدعي الأمر الجلوس مع شركات غربية على مائدة واحدة والتفاوض معها وربما الجلوس مع الشيطان نفسه من أجل حلة أزمة معينة تؤثر يوميا على حياة المواطن. نحن ننتظر الجواب من كتبة شفرة الأسلام السياسي في عالمنا الذي تحول إلى قرية صغيرة وما عاد يتحمل لغة الشفرات السرية.


فارس عدنان
شاعر عراقي مقيم في الولايات المتحدة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف