كتَّاب إيلاف

الحشاشون في العراق

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

البداية كانت مع مجموعة من الشباب الذين جمعهم حسن الصباح في (قلعة الموت) ودربهم على الإغتيال السياسي لوزراء وقادة مناوئين لحركته الهدامة، فقد كان يختار أحد هؤلاء الشباب قبل تكليفه بمهمة فدائية، ثم يسقيه الحشيش وأثناء خدره ينقله الى مكان قريب من القلعة ليصحو فيه من مفعول الحشيش ويجد نفسه في مكان مليء بالخضرة والأشجار تظلله، ويجد عن يمينه جداول منسقة تجري فيها المياه الصافية العذبة، وعن شماله عشرات الفتيات الحسان بالثياب البيض كأنهن حور الجنان،وقد دربن على خدر الشاب بالغنج والدلال. وبعد أن يعيش الشاب هناك فترة قصيرة في هذه الجنة الزاهية وقبل أن يتم فرحته بالوصل بالجواري الحسان، يسقى على أيديهن جرعة أخرى من الحشيش أو الماريجوانا ليغفو، ثم يستعيد وعيه مرة أخرى داخل القلعة، وهناك يوهم مساعدوا الصباح الشاب بأنه كان في زيارة ميدانية قصيرة الى الجنة الموعودة، ثم يدفعونه الى مهمة إستشهادية يكلف بها.وكان هؤلاء الشباب يكلفون في بعض الأحيان بمهمات فدائية لقتل خصوم الآخرين لقاء أموال تدفع لزعيم الحشاشين.
حدث هذا في الماضي البعيد، ولكنه عاد بثوب جديد، بفضل جمهورية الملا عمر الفدرالية التي كانت للقاعدة أقليم مستقل فيها. حيث كان الشباب العرب يسقون في معسكرات قندهار وكابل المخدرات وما أكثرها في أفغانستان أرض المخدرات العامرة، ثم يدربونهم على العمليات الانتحارية بعد أن يزودونهم بخرائط الطريق للوصول الى الجنة التي يختارها المؤمن المفخخ حسب ذوقه وإمكانياته، فهناك ( جنة عدن وجنة المأوى والفردوس وجنات النعيم)، وللوصول الى أي من هذه الجنان ثمن لتذكرة سفر. فدارت الماكينة القاعدية لتفرخ كل يوم شباب إستشهاديين توزعهم على مختلف البلاد والأمصار..
الى هنا قد يبدو تنظيم القاعدة نسخة مستنسخة عن تنظيم الحشاشين الذين قادهم حسن الصباح في قلعته، ولكن أن يصل الجنون بفدائيي القاعدة الى حد تفجير مسجد، فهذا يتطلب التأمل والوقوف إزاء هذه الظاهرة الغريبة، وهي إنتهاك حرمة المساجد والذي لم يجرؤ حتى حسن الصباح بفكره الشيطاني أن يغتال فيها خصومه.
الحادث الأشهر في التاريخ كان إغتيال سيدنا عمر بن الخطاب داخل المسجد من قبل أبو لؤلؤة المجوسي، وكان عمر قد طلب من إبنه أن يعرف القاتل، فلما بلغه أن القاتل كان أبو لؤلؤة، حمد الله على أنه لم يقتل على يد من سجد سجدة واحدة لله. فقد كان يخشى بثاقب نظره أن يكون قد قتل على يد مسلم داخل بيت من بيوت الله فتتحول الجريمة الى سنة متبعة من ورائه.
في يوم الجمعة الفائت دخل إنتحاري الى مسجد براثا ببغداد ليفجر فيها نفسه، فيما لقي أحد أئمة الصلاة بعد دقائق مصرعه في البصرة إغتيالا أثناء توجهه لأداء صلاة الجمعة الجامعة!.
أي شيطان هذا الذي يفكر بهدم المسجد على رؤوس المصلين في أحد أقدس أيامهم وقد قال الله عزوجل في كتابه الكريم ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) سورةالبقرة.
كيف يجرؤ مسلم أن يستهتر بحرمة بيوت الله التي يذكر فيها اسمه، ويقتل المسلمين االمتجمعين فيها لأداء فريضة من فرائض الله؟!
كيف تسول أنفس بعض الدعاة المشجعين لهذه الظاهرة المقيتة أن يعطوا صفة الشهادة لهذا لإنتحاري أرعن يفجر مسجدا وقد أعد الله بمنطوق هذه الآية الكريمة خزيا في الدنيا لمن دفعوه الى هذا المعترك الخطير، وأعد لمانع المؤمنين من ذكر اسم الله عذابا عظيما في الآخرة؟؟
ترى، أي جنان رسم خارطته من يقف وراء هذه الجريمة البشعة لذلك الإنتحاري اللعين ليسلك طريقه إليه؟
لم يحدث في تاريخ الإسلام أن جرى للمساجد ما يجري اليوم في العراق، فقد وصل الإستهتار بالمتصارعين على السلطة حد إسقاط جميع الحدود من دون إستثناء..قتل وحرق في الشوارع، قتل تلامذة المدارس، قتل عمال المساطر، قتل النسوة الحوامل، قتل.. وقتل.. وقتل، حتى إصطبغت أرصفة الشوارع بدماء العراقيين من جميع الطوائف والأديان ومن دون إستثناء..
أتذكر أنه قبل فترة جرت مواجهات دامية بين بعض الهندوس والمسلمين في الهند على ملكية مسجد إسلامي، أسفرت تلك المواجهات عن وقوع العديد من القتلى عندما ثار المسلمون الهنود وأخذتهم الحمية دفاعا عن بيوت الله التي أراد الله أن يذكر فيها إسمه.
فمتى سيتعظ دعاة الجريمة والإرهاب في العراق من ذلك ويرفعوا أيديهم عن أقدس مقدسات الإسلام وهو بيوت الله؟.
ألا تكفي جريمة هدم براثا وقبله هدم مرقد الإمامين الشيعيين لإبلاغ رسالة واضحة المعالم لكل اولئك الدعاة المشجعين والمطبلين للعمليات الإستشهادية ضد المؤمنين المصلين سواء في الجوامع أو في الكنائس؟.
ألا تستدعي جريمة براثا أن تصحو الضمائر الميتة لأولئك الذين يتفرجون على مأساة العراقيين من بعيد، ويقيمون مراسيم العزاء ووجوهم يعلوها البشر والإستبشار بإستشهاد قرينهم أو قريبهم في بغداد؟
،قبل أن أتلقى إجابة عن هذه التساؤلات، أتقدم بالنيابة عن العراقيين بالشكر الخالص لقناة الجزيرة القطرية التي إكتفت بوصف العملية بأنها كانت ( إنتحارية) وليست (إستشهادية)، فهي معتادة بإعتبارها مفتي الديار الفضائية على إسباغ صفة الشهادة بالحشاشيين المدربين في جنائن أفغانستان المعلقة.
فهي معتادة على إستهلال نشراتها الخبرية ببث خبر مثل ( أستشهد أحد الفلسطينيين وقتل خمسة وعشرون إسرئيليا ) فقتلانا شهداء تتحلق أرواحهم في الجنة وقتلاهم في النار مخلدون. ونحن نحب الموت وهم يحبون الحياة؟؟!!..
ولعل مشكلتنا الكبرى تكمن في مثل هذا الخطاب الأعلامي الداعم للإرهاب والغارق في الظلام..
والى عملية فدائية أخرى نستودعكم الله والسلام على من إتبع الهدى.

شيرزاد شيخاني

Sherzadshekhani@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف